إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مقارنة بين شجاعة امير المؤمنين سلام الله عليه وشجاعة ابي بكر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقارنة بين شجاعة امير المؤمنين سلام الله عليه وشجاعة ابي بكر

    مناظرة مع المعتزلة بشجاعة أميرالمؤمنين عليه السلام


    من حكايات الشيخ أدام الله عزه و كلامه حضر الشيخ مجلس أبي منصور بن المرزبان و كان بالحضرة جماعة من متكلمي المعتزلة فجرى كلام و خوض في شجاعة الإمام و هل ذلك شرط يجب في الإمامة أم لا يجب و مضى فيه طرف على سبيل المذاكرة فقال أبو بكر بن صرايا عندي أن أبا بكر الصديق كان من شجعان العرب و متقدميهم في الشجاعة .

    فقال له الشيخ أدام الله عزه من أين حصل ذلك عندك و بأي وجه عرفته .

    فقال الدليل على ذلك أنه رأى قتال أهل الردة وحده في نفر معه و خالفه على رأيه في ذلك جمهور الصحابة و تقاعدوا عن نصرته فقال أما و الله لو منعوني عقالا لقاتلتهم و لم يستوحش من اعتزال القوم له و لا ضعف ذلك نفسه و لا منعه من التصميم على حربهم فلو لا أنه كان من الشجاعة على حد يقصر الشجعان عنه لما أظهر هذا القول عند خذلان القوم له .

    فقال له الشيخ أيده الله ما أنكرت على من قال لك إنك لم تلجأ إلى معتمد عليه في هذا الباب و ذلك أن الشجاعة لا تعرف بالحس لصاحبها فقط و لا بادعائها و إنما هي شي ء في الطبع يمده الاكتساب و الطريق إليها أحد الأمرين إما الخبر عنها من جهة علام الغيوب المطلع على الضمائر فيعلم خلقه حال الشجاع و إن لم يبد منه فعل يستدل به عليها و الوجه الآخر أن يظهر منه أفعال يعلم بها حاله كمبارزة الأقران و مقاومة الشجعان و منازلة الأبطال و الصبر عند اللقاء و ترك الفرار عند تحقق القتال و لا يعلم ذلك أيضا بأول وهلة و لا بواحدة من الفعل حتى يتكرر ذلك على حد يتميز به صاحبه ممن حصل له ذلك اتفاقا أو على سبيل الهوج و الجهل بالتدبير .

    و إذا كان الخبر من الله سبحانه و تعالى بشجاعة أبي بكر معدوما و كان هذا الفعل الدال على الشجاعة غير موجود للرجل فكيف يجوز لعاقل أن يدعي له الشجاعة بقول قاله هو ليس من دلالتها في شي ء عند أحد من أهل النظر و التحصيل لا سيما و دلائل جبنه و هلعه و خوفه و ضعفه أظهر من أن يحتاج فيها إلى التأمل .

    و ذلك أنه لم يبارز قط قرنا و لا قاوم بطلا و لا سفك بيده دما و قد شهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مشاهده فكان لكل واحد من الصحابة أثر في الجهاد إلا له و فر في يوم أحد و انهزم في يوم خيبر و ولى الدبر يوم التقى الجمعان و أسلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في هذه المواطن مع ما كتب الله تعالى عليه الجهاد فكيف تجتمع دلائل الجبن و دلائل الشجاعة لرجل واحد في وقت واحد لو لا أن العصبية تميل بالعبد إلى الهوى .

    و قال له رجل من طياب الشيعة و كان حاضرا عافاك الله أي دليل هذا .

    و كيف يعتمد عليه و أنت تعلم أن الإنسان قد يغضب فيقول لو سامني هذا السلطان لهذا الأمر ما قبلته و أن عندنا لشيخا ضعيف الجسم ظاهر الجبن يصلي بنا في مسجدنا فلا يحدث أمر يضجره و ينكره إلا قال و الله لأصبرن على هذا أو لأجاهدن فيه و لو اجتمعت علي ربيعة و مضر .

    فقال ليس الدلائل على الشجاعة ما ذكرت دون غيره و الذي اعتمدنا عليه يدل كما يدل العقل و الخبر و وجه الدلالة منه أن أبا بكر باتفاق لم يكن مئوف العقل و لا غبيا و لا ناقصا بل كان بالإجماع من العقلاء و كان بالاتفاق جيد الآراء فلو لا أنه كان واثقا من نفسه عالما بصبره و شجاعته لما قال هذا القول بحضرة المهاجرين و الأنصار و هو لا يأمن أن يقوم القوم على خلافه فيخذلونه و يتأخرون عنه و يعجز هو لجبنه أن لو كان الأمر على ما ادعيتموه عليه فيظهر منه الخلف في قوله و ليس يقع هذا من عاقل حكيم فلما ثبتت حكمة أبي بكر دل مقاله الذي حكيناه على شجاعته كما وصفناه .

    فقال له الشيخ أدام الله عزه ليس تسليمنا لعقل أبي بكر و جودة رأيه تسليما لما ادعيت من شجاعته كما رويت عنه من القول و لا يوجب ذلك في عرف و لا عقل و لا سنة و لا كتاب و ذلك أنه لو كان على ما ذكرت من الحكمة فليس بممتنع أن يأتي بهذا القول مع جبنه و خوفه و هلعه ليشجع أصحابه و يحض المتأخرين عنه على نصرته و يحثهم على جهاد عدوه و يقوى عزمهم على معونته و يصرفهم عن رأيهم في خذلانه .

    و هكذا يصنع الحكماء في تدبيراتهم فيظهرون من الصبر ما ليس عندهم و من الشجاعة ما ليس في طبائعهم حتى يمتحنوا الأمر و ينظروا عواقبه فإن استجاب المتأخرون عنهم و نصرهم الخاذلون لهم وكلوا الحرب إليهم و علقوا الكلفة بهم و إن أقاموا على الخذلان و اتفقوا على ترك النصرة لهم و العدول من معونتهم أظهروا من الرأي خلاف ما سلف و قالوا قد كانت الحال موجبة للقتال و كان عزمنا على ذلك تاما فلما رأينا أشياعنا و عامة أتباعنا يكرهون ذلك أوجبت الضرورة إعفاءهم عما يكرهون و التدبير لهم بما يؤثرون و هذا أمر قد جرت به عادة الرؤساء في كل زمان و لم يك تنقلهم من رأي إلى رأي مسقطا لأقدارهم عند الأنام .

    فلا ينكر أن يكون أبو بكر إنما أظهر التصميم على الحرب لحث القوم على موافقته في ذلك و لم يبد لهم جزعه لئلا يزيد ذلك في فشلهم و يقوى به رأيهم و اعتمد على أنهم إن ساروا إلى أمره و نفع هذا التدبير في تمام غرضه فقد بلغ المراد و إن لم ينجع ذلك عدل عن الرأي الأول كما وصفناه من حال الرؤساء في تدبيراتهم .

    على أن أبا بكر لم يقسم بالله في قتال أهل الردة بنفسه و إنما أقسم في قتالهم بأنصاره الذين اتبعوه على رأيه و ليس في يمينه بالله لينفذن خالدا و أصحابه ليصلوا بالحرب دليل على شجاعته في نفسه .
    و شي ء آخر و هو أن أبا بكر قال هذا القول عند غضبه لمباينة القوم له و لا خلاف بين ذوي العقول أن الغضبان قد يعتريه عند غضبه من هيجان الطباع ما يفسد عليه رأيه حتى يقدم من القول على ما لا يفي به عند سكون نفسه و يعمل من الأعمال ما يندم عليه عند زوال الغضب عنه و لا يكون في وقوع ذلك منه دليل على فساد عقله و وجوب إخراجه عن جملة أهل التدبير .
    و قد صرح الرجل بذلك في خطبته المشهورة عنه التي لا يختلف فيها اثنان و أصحابه خاصة يقولون بها و يجعلونها من مفاخره حيث يقول إن رسول الله خرج من الدنيا و ليس أحد من الأمة يطالبه بضربة سوط فما فوق و كان (عليه السلام) معصوما عن الخطأ تأتيه الملائكة بالوحي فلا تكلفوني ما كنتم تكلفونه فإن لي شيطانا يعتريني عند غضبي فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم و أبشاركم .

    فقد أعذر هذا الرجل إلى القوم و أنذرهم فيما يأتيه عند غضبه من قول و فعل و دلهم على الحال فيه فلذلك آمن من نكير المهاجرين و الأنصار عليه مقاله عند غضبه مع إحاطة العلم منهم بما لحقه في الحال من خلاف المخالفين عليه حتى بعثه على ذلك المقال فلم يأت بشي ء [1].


    [1] الفصول المختارة للشيخ المفيد ج9 ص 11
يعمل...
X