ما اجر من مات له ولد ؟
إعلم أن الله ـ سبحانه ـ عادل كريم غني مطلق ، لا يليق بكمال ذاته وجميل صفاته ، أن يُنزل بعبده المؤمن في دار الدنيا شيئاً من البلاء وإن قل ، ثم لا يعوضه عنه ما يزيد عليه ، إذ لو لم يعطه شيئاً ( بالكلية كان له ظالماً ) ، ولو عوضه بقدره كان عابثاً ، تعالى الله عنهما علواً كبيراً ، فكان لا بد من ان يعوضه باكثر مما اخذ منه .وقد تظافرت بذلك الأخبار النبوية ، ومنها :
« إن المؤمن لو يعلم ( ما أعد الله له ) على البلاء ، لتمنى أنه في دار الدنيا قرض بالمقاريض » .
ولنقتصر منها على ما يختص بما نحن فيه ، فقد رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أزيد من ثلاثين صحابياً .
وروى الصدوق ـ رحمه الله ـ بإسناده إلى عمرو بن عبسة السلمي ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :
« أيما رجل قدم ثلاثة أولاد ، لم يبلغوا الحنث ، أو امرأة قدمت ثلاثة أولاد ، فهم حجاب يسترونه عن النار » .
وبإسناد إلى جابر ، عن أبي جعفر بن محمد بن علي الباقر عليهما السلام ، قال : « من قدم أولاداً يحتسبهم عند الله تعالى ، حجبوه من النار بإذن الله عز وجل » .
وبإسناده إلى علي بن ميسرة عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « ولد واحد يقدمه الرجل أفضل من سبعين ، يخلفونه من بعده ، كلهم قد ركب الخيل ، وقاتل في سبيل الله » .
وعن محمد بن خالد السلمي ، عن أبيه ، عن جده ـ وكانت له صحبة ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « إن العبد إذا سبقت له من الله تعالى منزلة ولم يبلغها بعمل ، ابتلاه الله في جسده ، أو في ماله ، أو في ، أوفي ولده ، ثم صبره على ذلك ، حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل » .
وعن ثوبان ـ مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « بخ بخ ، خمس ما أثقلهن في الميزان ! لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، ( والحمد لله ، والله أكبر ) ، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه » .
بخ بخ ، كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء ، وتكرر للمبالغة ، وربما شددت ، ومعناها : تفخيم الأمر وتعظيمه ، ومعنى يحتسبه ، أي : يجعله حسبة وكفاية عند الله عز وجل ، أي : يحتسب بصبره على مصيبته بموته ، ورضاه بالقضاء.
وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « تزوجوا فإني مكاثر بكم الاُمم يوم القيامة ، حتى أن السقط ليظل محبنطئاً على باب الجنة ، فيقال له : اُدخل ، يقول : حتى يدخل أبواي » .
السقط : هو الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه ، ومحبنطئاً بالهمز وتركه : هو المتغضب المستبطئ للشيء.
وعن معاوية بن حيدة القشيري ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : « سوداء ولود خير من حسناء لا تلد ، إني مكاثر بكم الامم ، حتى ان السقط ليظل محبنطئاً على باب الجنة ، فيقال له : اُدخل الجنة ، فيقول أنا وأبواي ؟ فيقال له : أنت وأبواك » .
وعن سهل بن الحنظلية ـ وكان لا يولد له ، وهو ممن بايع تحت الشجرة ـ قال : لئن يولد لي في الإسلام ( ولد ويموت سقطاً ) فأحتسبه ، أحب إلي من أن تكون لي الدنيا جميعاً وما فيها .
وعن عبادة بن الصامت ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « النفساء يجرها ولدها يوم القيامة بسرره إلى الجنة » .
النفساء : المرأة إذا ولدت ، والسرر : ما تقطعه القابلة من سرة المولود ، التي هي موضع القطع ، وما بقي بعد القطع فهو السرة ، وكأنه يريد : الولد الذي لم تقطع سرته.
وعن الحسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لئن اُقدم سقطاً أحب إلي من أن أخلف مائة فارس ، كلهم يقاتل في سبيل الله » .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال : « يقال للولدان يوم القيامة : أدخلوا الجنة ، فيقولون : يارب ، حتى يدخل آباؤنا وأُمهاتنا ، قال : فيأبون ، فيقول الله عزوجل : مالي أراهم محبنطئين ، أدخلوا الجنة ، فيقولون : يارب آباؤنا ، فيقول تعالى : أدخلوا الجنة أنتم وآباواكم » .
وعن عبيد بن عمير الليثي ، قال : « إذا كان يوم القيامة ، خرج ولدان المسلمين من الجنة بأيديهم الشراب ، قال : فيقول الناس لهم : أسقونا ، أسقونا ، فيقولون : أبوينا ، أبوينا ، قال : حتى أن السقط محبنطئاً بباب الجنة ، يقول : لا أدخل حتى يدخل أبواي » .
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إذا كان يوم القيامة ، نودي في أطفال المؤمنين : أن اخرجوا من قبوركم ، فيخرجون من قبورهم ، ثم ينادى فيهم : أن أمضوا إلى الجنة زمراً ، فيقولون : ربنا ، ووالدينا معنا ، ثم ينادى فيهم ثانية : أن امضوا إلى الجنة زمراً ، فيقولون : ربنا ووالدينا معنا ، ثم ينادى فيهم ثالثة : أن أمضوا إلى الجنة زمراً ، فيقولون ربنا : ووالدينا ، فيقول في الرابعة : ووالديكم معكم ، فيثب كل طفل إلى أبويه ، فيأخذون بأيديهم ، فيدخلون بهم الجنة ، فهم أعرف بآبائهم واُمهاتهم ـ يومئذ ـ من أولادكم الذين في بيوتكم ».
الزمر : الأفواج المتفرقة بعضها في أثر بعض ، وقيل : في الزمر الذين اتقوا من الطبقات المختلفة ، أي الشهداء ، والزهاد ، والعلماء ، والفقراء ، والقراء ، والمحدثون ، وغيرهم.
وعن أنس بن مالك : ان رجلا كان يجيئ بصبي معه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنه مات ، فاحتبس والده عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فسأل عنه ، فقالوا : مات صبيه الذي رأيته معه ، فقال صلى الله عليه وآله : « هلا آذنتموني ، فقوموا إلى أخينا نعزيه » فلما دخل عليه إذا الرجل حزين وبه كآبة فعزاه ، فقال : يا رسول الله ، كنت أرجوه لكبر سني وضعفي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : « أما يسرك أن يكون يوم القيامة بإزائك ؟ فيقال له : أدخل الجنة ، فيقول : يا رب وأبواي ، فلا يزال يشفع حتى يشفعه الله عزوجل فيكم ويدخلكم الجنة جميعاً » .
احتبس ، اي تخلف عن المجيء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وآذنتموني بالمد : أي أخبرتموني ، والكآبة بالمد : تغير النفس بالإنكسار من شدة الهم والحزن ، والضعف بضم المعجمة وفتحها ، وبإزائك ، إي بحذائك.
وعن أنس ـ أيضاً ـ قال : توفي لعثمان بن مظعون رضي الله عنه ولد ، فاشتد حزنه عليه ، حتى اتخذ في داره مسجداً يتعبد فيه ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : « يا عثمان ، إن الله ـ عزوجل ـ لم يكتب علينا الرهبانية ، إنما رهبانية اُمتي الجهاد في سبيل الله ، يا عثمان بن مظعون ، إن للجنة ثمانية أبواب ، وللنار سبعة أبواب ، أفلا يسرك ألا تأتي باباً منها إلا وجدت ابنك بجنبه ، آخذاً بحجزتك ، ( ليشفع لك إلى ربه ) عزوجل ؟ » قال : فقيل : يارسول الله ولنا في أفراطنا ما لعثمان ؟ قال : « نعم ، لمن صبر منكم واحتسب » .
والحجزة ، بضم الحاء المهملة والزاء : موضع شد الإزار ، ثم قيل للازار : حجزة.
وعن قرة بن اياس : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يختلف إليه رجل من الأنصار مع ابن له ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم : « يافلان ، تحبه ؟ » قال : نعم ، يارسول الله ، أحبه كحبك ، ففقده النبي صلى الله عليه وآله ، فسأل عنه ، فقالوا : يا رسول الله ، مات أبنه ، فلما رآه قال عليه الصلاة والسلام : « أما ترضى أن لا تأتي يوم القيامة باباً من أبواب الجنة ، إلا جاء يسعى حتى يفتحه لك ؟ » فقال رجل : يا رسول الله ، أله وحده أم لكلنا ؟ قال : « بل لكلكم » .
وعن زرارة بن أوفى : ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عزى رجلا على أبنه ، فقال : « أجرك على الله ، وأعظم لك الأجر » فقال الرجل : يا رسول الله ، أنا شيخ كبير ، وكان ابني قد أجزأ عني ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : « أيسرك أن يشير لك ـ أو يتلقاك ـ من أبواب الجنة بالكأس ؟ » قال : من لي بذلك يا رسول الله ؟ فقال : « الله لك به ، ولكل مسلم ( مات ولده ) في الإسلام ».
أجزأ بمعنى : كفى ، والكأس بالهمز ، وقد يترك تخفيفاً ، هو الإناء فيه شراب ، ولا يسمّى بذلك إلا بانضمامه إليه ، وقيل : هو أسم لهما على الاجتماع والإنفراد ، والجمع أكؤس ، ثم كؤوس.
وعن عبد الله بن قيس ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : أقبضتم ولد عبدي ؟ فيقول : نعم ، يقولون : قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم ، فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك ، واسترجع ، فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة ، وسموه بيت الحمد » .
وعن جابر بن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من دفن ثلاثة أولاد ، وصبر عليهم ، واحتسب وجبت له الجنة » فقالت اُم أيمن : واثنين ؟ فقال : « من دفن اثنين ، وصبر عليهما ، احتسبهما وجبت له الجنة » فقالت اُم أيمن : وواحد ، فسكت ، وأمسك ، فقال : « يا اُم أيمن ، من دفن واحداً ، وصبر عليه ، واحتسبه وجبت له الجنة » .
ومن يريد المزيد والمصادر راجع مصدر الموضوع بتصرف :
كتاب مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد
تأليف : الشهيد الثاني الشيخ زين الدين علي بن أحمد الجبعي العاملي
كتاب مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد
تأليف : الشهيد الثاني الشيخ زين الدين علي بن أحمد الجبعي العاملي