بسم الله ارحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وبه نستعين وصلى الله على محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : (الدنيا مُنية الأشقياء والآخرة فوز السعداء)(1).منذ الأزل ومنذ أن خلق الله البشر والصراع قائم في النفس البشرية , بين حب الدنيا والبقاء فيها ناسيا الآخرة التي هي دار مقروخلود , منقاداً لها تاركاً كل ما يتعلق بآخرته , وبين حب الآخرة والفوز بلقاءالله تعالى والمكوث في رحمته إلى الأبد.وهذا الصراع باقٍ ما بقي الشيطان يوسوس للإنسان, حيث قال تعالى حكاية عن إبليس (لع) : {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }(2) , فعلينا أن نحذر من وساوس الشيطان اللعين قبل أن نقع في حباله , وذلك لا يكون إلا بالسير على نهج الحق والإيمان وأفضل من يمثل هذا النهج هو النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام , لأنهم أفضل الخلق في كل زمان ومكان , فقد وصف النبي صلى الله عليه وآله الدنيا بقوله : (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم)(3) , ومعناه أن المؤمن لا يرى الدنيا إلا دار فناء وزوال , وانه راحلعنها مهما طال الزمن وانه كالسجين المترقب لوقت خروجه منها , فهو حذر منها, مراقبا نفسه , لئلا يقع في المعاصي والمحرمات التي تُبعده عن خالقه وتوجب غضبه تعالى , وبالتالي سيرى المؤمن أن الموت سعادة له, بعد أن عمل في دنياه لأخرته بتركه إياها , قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : (إنما خلقتم للبقاء لا للفناء)(4). أي خلقكم الله للبقاء في الآخرة بطاعته تعالى في الدنيا. وأما الذين أحبوا الدنيا وغفلوا عن الآخرةوما اعد لهم فيها من العذاب المهين فإنهم يرون الدنيا هي كل همهم ناسين ذكر الله تعالى , فهؤلاء يعيشون في ذل الدنيا من حيث لا يشعرون , ويبقون مأسورين لها مابقيت حياتهم , ومن كان حاله هذه , متكالباً على الدنيا فهو من الأشقياء, لأنه لايعمل إلا ما تمليه عليه غرائزه وشهواته متبعا هواه , إلى أن تأتي اللحظة التي يفارق فيها الحياة عندها سيعلم ذلك الضعيف الذليل بين يدي الله تعالى مدى تمرده على مُنعمه ورازقه وتعدّيه على حدوده , عندها يرى انه قد انتقل من قصر مشيد إلىسجن وعذاب شديد , على العكس من المؤمن الذي كان يرى انه كان في سجن الدنيا وعذابها, يرى نفسه قد انتقلت بعد الممات إلى جنة ونعيم , ولذلك الوصف أشار مولانا الحسين عليه السلام حيث قال: ( فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة ,فأّيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟ وما هو لأعدائكم إلاّ كمن ينتقل من قصر إلىسجن وعذاب)(5). هذا لا يعني أن نترك كل شيء ورائنا ولا أمل لنا في الدنيا لأنها ستنقضي , بل علينا أن نعمل جاهدين من اجل حياة أفضل , وهذا أميرالمؤمنين على عليه السلام يكد ويتعب بحفر الآبار ليأكل من كد يده , ويقول عليه السلام : (إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لأخرتك كأنك تموت غداً ).
وفي الختام تأمل أيها الإنسان في هذه الدنيا بكل ما يحيط بها من سرور وأفراح وألم ومخاطر, هل ستبقى فيها خالدا ؟ أم انك راحل عنها في يوم من الأيام, وما هي إلا دار سفر وترحال, ولا يبقى لك منها سوى الباقيات الصالحات.
ندعوا الله تعالى أن يجعلكم من العاملين للصالحات في الدنيا, الفائزين بالسعادة في الآخرة
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين
______________________
(1) ميزان الحكمة ص25. (2) [ الأعراف:16، 17].
(3) معاني الأخبار: ص289ح3 باب معنى الموت.
(4) غرر الحكم ص133.
(5) معاني الأخبار ص289.
تعليق