بسم الله الرحمن الرحيـــم
وصلى الله على نبيه محمد واله الميامين
إن من البديهي أن توكون الزهراء عليها السلام وهي بضعة النبي الخاتم صلى الله عليه واله بابا من أبواب علمه ، وفرعا يانعا من فروعه ، فكان الناس حينما يرونها يذكرون نبيهم صلى الله عليه واله ، في حركاتها وسكناتها ، في سكوتها و كلامها ، في منطقها وبيانها .
ونرى أنها ألقت خطبة فريدة من نوعها ، جليلة مضامينها ، عريقة معانيها ، كبيرة أهدافها ، وطويلة محاورها ، مكللّة بكل الفنون اللغوية ، والبلاغية ، والمنطقية ، وبها حرّكت القلوب والمشاعر ، نصرت الحق ، وألقمت الباطل حجر الذل والعار ، فإنها حينما عزم ابوبكر على أخذ أرضها "فدك" وأخرج وكيلها من الأرض ، قال المؤرخون أنها عليها السلام خرجت مع نساء من قومها ، مجللة بحجابها وتطأ على ذيولها ، وأنها كانت تمشي كما يمشي والدها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ودخلت على مجلس ابي بكر ، واذ أنه كان مع حشد من الناس ، منهم المهاجرين ومنهم الأنصار ، وضرب بينها وبين القوم الحاضرين ستر وحجاب ، وانها جلست ثم أنّت أنة أجهشت الناس بالبكاء وضج لها المجلس ، ثم بدأت بخطيتها البيلغة العظيمة ، فافتتحتها بحمد الله تعالى وبالثناء عليه ، وبالصلاة على والدها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
فكانت خطبتها عليها السلام تتنوع مضامينها بين العقائد الحقة وبين الفقه وبين الاخبار السماوية ، والحقائق العلمية ، والتشريعات السماوية ، والنقد البناء للأمور الإجتماعية ، وسأختار -عزيزي القارىء- الفقرة التالية ، والتي تخص الجانب العقائدي :
قالت عليها السلام : "وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، كلمةً جَعَلَ الاِخلاصَ تأويلَها، وَضَمَّنَ القلوبَ مَوْصولَها، وأنارَ في التفكُّرِ معقولَها ".
نلاحظ -ايها القارىء العزيز- أن الزهراء عليها السلام حققت أهدافا كبيرة المضامين بهذه الفقرة المحدودة الكلمات ولعلّ أبرزها- بحسب تحليلي القاصر- هي :
1. إن الزهراء عليها السلام أفاضت على الناس بعلمها الذي هو امتداد لعلم والدها صلى الله عليه واله وبذلك نفعهم وصلاحهم ، وبهذا ذكرتّهم بوالدها صلى الله عليه واله ليعرفوا شيئا من قدرها ويضعوا نصب أعينهم أنها "بضعة الرسول".
2. إن الزهراء عليها السلام أخذت بعقول القوم لتربطها بمعرفة خالق الكون كما هو عرّف نفسه -لا كمايعرّفه المغرضون- فيكون الإنسان على معرفة تامة بالعقائد الإلاهية الحقة ، وبعيدا عن شطحات الأوهام وزلات الأقدام.
3. أرادت الزهراء عليها السلام من الفرد المسلم أن يكون على علم تام ، ويقين وإيمان ، أن اهل البيت عليهم السلام هم باب علوم النبي صلى الله عليه واله ، وأن ما أقرّوا به هو الحق ، وما خالفوه هو الباطل ، وان على المسلم ان يأخذ عقيدته من اهل البيت عليهم السلام ، لا من زيد وعمر .
عزيزي القارىء إن الفقرة التي ذكرتها آنفا من خطبة الزهراء عليها السلام تتللجج بين طياتها المعاني الكبيرة ، والمضامين العالية ، ولعل أبرز ما يمكن استنتاجه من هذه الفقرة-بحسب تحليلي المتواضع- أمور متعددة منها :
(وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، كلمةً جَعَلَ الاِخلاصَ تأويلَها، وَضَمَّنَ القلوبَ مَوْصولَها، وأنارَ في التفكُّرِ معقولَها):
1. إن "لا اله الا الله" هي كلمة التوحيد ، فبها تنفى الألوهية والربانية عن كل شيء ماعدا الخالق الحقيقي الواحد الأحد وهو الله تبارك وتعالى ، وأن هذه الكلمة لاتؤيل لها لمن شهد بها سوى الإخلاص ، لأن الله تعالى جعل الإخلاص هو التأويل الحقيقي لمن شهد بهذه الكلمة وأقصد كلمة التوحيد ، وأنه يجب على من شهد بهذه الكلمة أن يخلص لله تعالى بكل مافرض الله تعالى عليه من الفرائض والواجبات كالصلاة والصوم ، فلا قبول لها بدون الإخلاص ، فمن صلى أو صام رياء للناس كان بذلك قد خالف الإخلاص الذي أراده الله تبارك وتعالى منه ، وتناقض عمله مع كلمة التوحيد التي شهد بها ، لأنه صلى او صام ليس ليرضي الله فحسب بل ليراه زيد من الناس وليمدحه فلان ، أو ليكون وجيها ومحترما عند المجتمع ، وبهذا يكون قد ناقض الخلاص الذي جعله الله تعالى هو التأويل الحق لكلمة التوحيد .
2. كما أن الله تعالى رسخ في الفطرة السليمة تلك العقيدة الحقة ، وهي عقيدة التوحيد ، اذا قال تعالى : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) ، فالقلب الطاهر النقي بفطرته السليمة يشهد بوجود الخالق وبوحدانيته أي هو يعتقد بكلمة التوحديد ويعلم بها دون سماعها من الأب أو الأم أو المعلم أو غيرهم ، وان القلوب بهذه الكلمة تطمئن وبذكره تعالى تطمئن القلوب.
3. إن الله تعالى قد أنار بالتفكر معقول كلمة التوحيد ، فإن اللإنسان لو تفكر قليلا وتأمل بما خلق الله تعالى من المخلوقات العظيمة ، والكثيرة الكبيرة ، ولو التفت الى ذلك الابدع الإلاهي ، كخلق السماء الزرقاء العالية الكبيرة الواسعة ، وخلق الأارض الكبيرة الواسعة التي تحمل الناس والأشجار والحيوانات والنباتات ، وخلق الناس الكثيرين بمختلف الوانهم وقومياتهم وصورهم وطباعهم ، وخلق البحار والأنهار وما فيها من بداع صنعه من المخلوقات كالأسماك والنباتات البحرية ، وخلق السحاب الذي سخره الله تعالى بين السماء والأرض ، وهطول المطر لسقي الأرض ولأجل استمار الحياة ، وغير ذلك الكثير الكثير ، فبعد كل هذا التفكير سيصل الى نتيجة واحده وهي تنص على أن " لا إله إلا الله" اي كلمة التوحيد ( وأنار بالتفكر معقولها).
وسأذكر لك -ايها القارىء العزيز- في الجزء الثاني من المبحث الموجز " قف وتأمل في خطبة الزهراء -عليها السلام-" المزيد من المعاني الكبيرة المستوحاة من العبارت العظيمة التي وردت في خطبة السيدة الزهراء عليها السلام التي ألقتها في ذلك المجلس وذلك بعد إغتصاب أرضها "فدك" منها .
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبيه محمد واله الميامين
**********
بقلم المحقق
**********