بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمدالطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى يوم قيام يوم الدين .الدفاع عن ميراث الزهراء (عليهاالسلام )
مسألة الإرث والتوارث مسألة طبيعيةمنطقية جداً , فكما أن الآباء والأمهات ينقلون قسماً من صفاتهم الجسمية والروحيةإلى أبنائهم حسب قانون الوراثة الطبيعي , فلماذا يستثنى من ذلك أموالهم فلا تنتقل إلى أبنائهم ؟؟ هذا مضافاً إلى أن الأموال المشروعة هي نتاج جهود الإنسان وسعيه وأتعابه , فهي في الحقيقة طاقاته المتجسدة في صورة المال وهيئة الثروة , ولهذا لابد من الاعتراف أن كل شخص هو المالك الطبيعي لنتاج جهوده وثمرة أتعابه وهذا حكم فطري أقرته الديانات السماوية جميعاً, فمن حقنا أن نتساءل لماذا لا يكون لفاطمة(عليها السلام ) ميراث أبيها بعد وفاته , فهل خرجت فاطمة (عليها السلام ) عن الحكم الطبيعي الفطري .
الشبهة الأولى : رواية " نحن معشر الأنبياء لا نورث " ...
نقل أهل السنة في كتبهم المختلفةحديثاً عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مضمونه انه قال : " نحن معاشرالأنبياء لا نورث , ماتركناه صدقة " ونقل الحديث في بعض الكتب بحذف الجملةالأولى والاكتفاء بعبارة ( ما تركناه صدقة ) وسند هذا الحديث ينتهي في كتب أهل السنة المشهور إلى أبي بكر غالباً إذ تولى بعد النبي ( صلى الله عليه وآل وسلم )زمام أمور المسلمين وحين طلبت منه سيدة النساء فاطمة ( عليها السلام ) أو بعض أزواج النبي ميراثها منه امتنع عن دفع ميراث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم )إليها استناداً إلى الحديث آنف الذكر .
وقد نقل هذا الحديث البخاري في صحيحه الجزء الثامن من كتاب الفرائض صفحة 185 ومسلم في صحيحه الجزء الثالث كتاب الجهاد والسير صفحة 1379 وجماعة آخرون في كتبهم .
مما يلفت النظر أن البخاري نقل في صحيحه حديثاً عن عائشة أنها قالت : إن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهما حينئذٍ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما من خيبر , فقال أبو بكر : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )يقول : لا نورث , ما تركناه صدقة , إثماً يأكل آل محمد من هذا المال . قال أبو بكر: والله لا ادع أمراً رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصنعه فيه إلاصنعته . قال فهجرته فاطمة ( عليها السلام) فلم تكلمه حتى ماتت ( عليها السلام ) .
وبالطبع فإن هذا الحديث فيه مجال للنقد والطعن من جهات متعددة إلا أننا نقتصر على ذكر الجهات التالية :
الجهة الأولى : إن هذا الحديث لاينسجم مع نصوص القرآن . ووفقاً للقواعد الأصولية التي عندنا , أن كل حديث لا يوافق كتاب الله (عزوجل ) ساقط الاعتبار , ولا يمكن التعويل على أنه حديث شريف من أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ففي قوله تعالى في الآيات التالية : (وورث سليمان داود ) والآية ( يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا ) . وقوله تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ).
وظاهر الآيات الآنفة الذكر مطلق يشمل حتى الأموال ولا سيما ما يخص زكريا فإن كثيراً من المفسرين أكدوا على الأمورالمالية , إضافة إلى ذلك فإن ظاهر آيات الإرث في القرآن المجيد في سورة النساء عام ويشمل جميع الوارد .
الجهة الثانية : أن احتجاج فاطمة(عليها السلام ) بعموم قوله تعالى ( للذكر مثل حظ الانثيين ) وكأنها أشارت إلى أن عموم القرآن لا يجوز تخصيصه بخبر واحد , وإنما بالمتواتر .
الجهة الثالثة : في قوله تعالى : (وورث سليمان داود ) وقوله تعالى حكاية عن زكريا : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ).
لا يمكن حمل ذلك على وراثة العلم والنبوة لأن ذلك لا يكون وراثة في الحقيقة , وإنما التوريث لا يتحقق إلافي المال على سبيل الحقيقة هذا إذا كانت كلمة (يرثني ) مجردة عن القرائن , وهنا مجردة عن القرائن هذاما قاله الرازي في تفسير الآية 11 من سورة النساء , إضافة إلى ذلك فإن النبوةاصطفاء وتعيين من قبل الله وليست ميراثاً وكذا العلم لا يورث وإنما يكتسب .
الجهة الرابعة : أن الرواية المتقدمةتعارض رواية أخرى تدل على أن أبا بكر صمم على إعادة فدك إلى فاطمة (عليها السلام ), إلا أن الآخرين مانعوه , كما نقرأ في سيرة الحلبي : إن فاطمة ( عليها السلام )قالت له : من يرثك ؟ قال : أهلي وولدي ! فقالت : فما لي لا أرث أبي ؟ وفي كلام سبط بن الجوزي ! إنه كتب لها بفدك ودخل عليه عمر فقال : ماهذا ؟ فقال : كتاب كتبته لفاطمة (عليها السلام ) بميراثها من أبيها . فقال : فماذا تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى ؟ ثم أخذ عمرالكتاب فشقه .
ترى كيف يمنع النبي موضوع الإرث وينهى عنه بصراحة , ويجرؤ أبو بكر على مخالفته ؟ ولم يستند إلى الروية , فلو كانت معروفة لذكرها عمر أمام أبي بكر .
إن التحقيق الدقيق في الرواية الآنفة الذكر يدل على أن الموضوع لم يكن موضوع نهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الإرث , كما أثاره أبو بكر , بل المهم هنا المسائل السياسية انئذٍ , وهذه المسائل هي ما تدعونا إلى أن نتذكر مقالة ابن أبي الحديد المعتزلي إذ يقول : سألت أستاذي(علي بن الفارقي ) أكانت فاطمة ( عليها السلام ) صادقة ؟ يقول المعتزلي فتبسم أستاذي الفارقي ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته , قال: لو أعطاها اليوم فدكاً بمجرد دعواها لجاءت إلية غداً وادعت لزوجها الخلافة ولم يمكنه الاعتذار بشيء , لأنه يكون قد سجل على نفسه أنها صادقة فيما تدعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بينة ولا شهود .
الجهة الخامسة : اختلف المفسرون في معنى ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قيل يرثني مالي ومال آل يعقوب عن أئمة أهل البيت( عليهم السلام ) وعن إبن عباس وكثير من المفسرين . وقيل يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب عن الحسن ومجاهد , واستدل أصحابنا بالآية على أن الأنبياء يورثون المال , وان المراد بالإرث المذكور فيها المال دون العلم والنبوة بأن قالوا : إن لفظ الميراث في اللغة العربية و الشريعة لا يطلق إلا على ما ينتقل من الموروث كالأموال ولايستعمل في غير المال إلا على نحو طريق المجاز ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغيردلالة أيضا , فإن زكريا(عليه السلام ) قال في دعائه : واجعله رب رضيا أي اجعل يارب ذلك الولي الذي يرثني مرضياً عندك ممتثلاً لأمرك , ومتى حملنا الإرث على النبوة لم يكن لذلك معنى وكان لغواً وعبثاً, ألا ترى انه لا يحسن أن يقول أحد : اللهم ابعث لنا نبياً واجعله عاقلاً مرضياً في أخلاقه لأنه إذا كان نبياً قد دخل الرضا حينئذٍ ويقوي ما قلناه أن زكريا (عليه السلام ) صرح بأنه يخاف بني عمه بعده إذ كانوا من أهل الفساد بقوله : " وإني خفت الموالي من ورائي " وإنما يطلب وارثاً لأجل خوفه ولا يليق خوفه منهم إلا بالمال دون النبوة والعلم , هذا لو سلمنا أن أرض فدك ميراث لفاطمة ( عليها السلام) , وإنما الصحيح في إخبارنا هي نحلة نحلها الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآلهوسلم ) إياها في حياته وقبضتها وأرباحها بيد زوجها علي ( عليه السلام ) . لكنها حرمت منها بعد وفاة أبيها كما حرمت من ميراثها من دار أبيها بالحديث المدعى والمذكور أعلاه , والحمد لله رب العالمين .
تعليق