ــ الذهبي ــ علينا إخفاء بعض الحقائق
قلت: كلام الاقران إذا تبرهن لنا أنه بهوى وعصبية، لا يلتفت إليه، بل يطوى ولا يروى، كما تقرر عن الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والاجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه، بل إعدامه لتصفو القلوب، وتتوفر على حب الصحابة، والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء، وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى سير أعلام النبلاء - (ج 10 / ص 92)
ذكرها السبكي، وهي قوله: ولكنا ننبهك هنا على قاعدة في الجرح والتعديل ضرورية نافعة لا تراها فى شيء من كتب الأصول، فإنك إذا سمعت أن الجرحَ مقدّمٌ على التعديل، ورأيت الجرح والتعديل وكنت غراً بالأمور أو فدماً مقتصراً على منقول الأصول، حسبتَ أن العمل على جرحه!!! فإياكَ ثم إياكَ والحذرَ كل الحذر من هذا الحسبان، بل الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحه وكانت هناك قرينة دالّة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة، وإلا فلو فتحنا هذا الباب أو أخذنا تقديم الجرح على إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون.
كتاب طبقات الشافعية الكبرى
قال الذهبي: أحمد بن عبدالله الحافظ أبو نعيم الاصبهاني، أحد الاعلام، صدوق، تكلم فيه بلا حجة، ولكن هذه عقوبة من الله لكلامه في ابن مندة بهوى.
قال الخطيب: رأيت لابي نعيم أشياء يتساهل فيها، منها أنه يطلق في الاجازة أخبرنا - ولا يبين.
قلت: هذا مذهب رآه أبو نعيم وغيره، وهو ضرب من التدليس.
وكلام ابن مندة في أبى نعيم فظيع، لا أحب حكايته، ولا أقبل قول كل منهما في الآخر، بل هما عندي مقبولان، لا أعلم لهما ذنبا أكثر من روايتهما الموضوعات ساكتين عنها.
قرأت بخط يوسف بن أحمد الشيرازي الحافظ، رأيت بخط ابن طاهر المقدسي يقول: أسخن الله عين أبى نعيم، يتكلم في أبى عبدالله بن مندة، وقد أجمع الناس على إمامته، وسكت عن لا حق وقد أجمع الناس على أنه كذاب.
قلت: كلام الاقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصرا من الاعصار سلم أهله من ذلك، سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس، اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم.
ميزان الاعتدال