دورالمرأة الواعية في المجتمع
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( الإمرأة الصالحة خير من ألف رجل صالح ).
الإسلام حينما أراد لأمته السعادة والتقدم فقد وضع الضمان لذلك بزرع روح المسؤولية في جميع أفراد الأمة , من دون تشخيص أو تخصيص , فليس السياسيون أوالعلماء أوالرجال باختلاف مهنهم أو مراكزهم فقط يتحملون المسؤولية وإنما ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) .
وأكثرمن هذا فإن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يعترف بإسلامية المتفرج على وضع مجتمعه بدون مشاركة ولا اهتمام ....
يقول (صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( من اصبح ولا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم) .
أما القرآن الكريم فيؤكد مسؤولية المجتمع كل رجالاً ونساءاً في تطبيق الحق وإقامة العدل ومكافحة الانحراف يقول تعالى :
(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) فحاجتنا الماسة لقيام طليعة مؤمنة توعي الأمة بمسؤوليتها الرسالية ولا بد أن يكون ذلك من خلال الممارسة الجهادية والنضالية عبر التحمل الفعلي لمسؤولية الثورة .
وهذا المصداق حققت مفهومه السامي ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) حيث التفت حولها طليعة الأمة الواعية ( رغم قلتها ) وضربت أروع المثل في الثبات والصمود وتحمل المسؤولية وقد تشكلت تلك الطليعة والنخبة من مختلف طبقات المجتمع وأصنافه وكانوا يتسابقون في التنافس تنافس الأحرار أصحاب العقيدة الراسخة في شرف التضحية .
تنافس العبيد فيه يسبقون الأحرار والشباب يسبقون الكبار إلى معركة الحق وحتى الأطفال ساهموا بدمائهم البريئة من أجل كتابة بعض فصول الثورة ...
وكذلك المرأة شاركت الرجل مسؤولية الثورة .
مسؤولية المرأة الواعية : المرأة هي نصف المجتمع وهي الشق الثاني للمجتمع إذا ما قلنا كله فهي أم وأخت وزوجة وبنت , ويمكنها أن تكون مصدراً للسعادة والتقدم , كما أن بإمكانها أن تصبح منبعاً ومصدراً للتخلف والفساد , فأجيال المجتمع كلها تتخرج من أحضانها وتمر عبر صدرها وذراعيها وتضل الأجيال على ارتباط وثيق بها كأم وكزوجة وكبنت ...
لذافهي ( مؤسسة ) مهمة وحساسة جداً في المجتمع وكما يقول الشاعر :
الأم مدرسة إذا أعددتها- أعددت شعباً طيب الأعراق
أما إذا توجه فكرها واهتمامها محصوراً نحو الميوعة والتبرج والخلاعة والجري خلف الموديلات والموضات كآخر موديل من الملابس وأجمال موضة من المكياج , واستعراض مفاتنها ومواقع الإغراء في جسمها وأنوثتها ...فإنها حينئذ تحفر للمجتمع هوة سقوطه وانحداره وانطماسه وجاهليته ...
أماإذا كانت واعية ملتزمة متفقهة وفطنة تعرف دورها ومكانتها في المجتمع وتدرك مسؤوليتها وتهتم بما يجري على أمتها , فإنها حينئذ ستكون مصنعاً للخير وللبطولة ومدرسة للأقدام والإيمان وهي بالتالي منبع السعادة والخير ...
والمرأة في الفكر الإسلامي والمنظور الديني تقف إلى جنب الرجال في تحمل مسؤولية الصلاح والإصلاح وفي مكافحة الظلم والانحراف ...
وهذاما جسدته المرأة الواعية على أرض الواقع في مواقفها الجهادية في مختلف الظروف وعلى أرض الثورة الإسلامية في كربلاء . فإن التاريخ سجل لها بإكبار وإجلال مواقف الصمود والكفاح والتضحية ...
ولوتأملت ملياً لوجدت مناجم تحوي نفائس الدرر تحار العقول بأيها تتأمل وتتبحر ...
ولتتأملموقفاً واحداً له أبعاد وله ذهول عقول الأكياس تذهل موقفاً واحداً لإحدى نساء تلكالثورة الواعيات .
أم وهب امرأة نصرانية حديثة عهد جديد بالإسلام ابنها الوحيد لم يكن يتوقع أن أمه الحنون وهي لاتملك ولداً غيره ولا تعدل به أي شيء في الحياة , لم يكن يتوقع إنها في يوم من الأيام سوف تدفع به إلى القتل أو تسمح به للموت يأخذه منها !!
ولكن ما لم يكن يتوقعه ( وهب ) أو يتصوره حدث في يوم الثورة المباركة ثورة الحق في يوم عاشوراء فقد جاءته أمه وقالت له بكل تصميم واطمئنان : ( يا وهب قم وانصر الحسين (عليه السلام ) لما سمعته يقول : ( واقلة ناصراه) !.
فتعجبوهب أو با لأحرى أعجب بهذه الروح العظيمة وبهذه العقيدة الراسخة والإيمان بالقضية والشعور بالمسؤولية التي أصبحت أمه تتحلى بها : وهي روح البطولة والتضحية في سبيل الله تعالى .
فأجابها( وهب ) : لأنعمنك عينا يا أماه , ونهض على الفور يستعد لدخول المعركة والولوج بين الأسنة والرماح وبعد أن تقلد سيفه ولبس لامة حربه , أقبل على الإمام الحسين ( عليه السلام ) يستأذنه الخروج إلى المعركة ثم انحدر مندفعاً مشحوناً نحو الميدان وخاض عمليات القتال وأبلى بلاءً حسناً ( وقر الأعين ) واستطاع أن يصرع من بعض أبطال جيش العدو , وأصابته جراحات مؤلمة واستطاع الانفلات من الأعداء وعاد إلى الخيمة ... ووقف أمام أمه وسيفه يقطر دما وعليه آثار جراحات السيوف وطعنات الرماح , وبادر أمه قائلاً : أرضيت ياأماه ؟فأجابته : لا...لا...لا أرضى حتى تقتل بين يدي ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ...! الله أكبر ... فكانت كلمات أمه بمثابة شحنة روحية جديدة تدفعه أكثرللجهاد في سبيل الله , وصمم على الرجوع إلى المعركة .
إلا أن زوجته استولت عليها العاطفة ( وكانت حديثة عهد بزواجها منه على ما يذكر البعض )وتعلقت به تثنيه وتمنعه عن العودة إلى المعركة إلى ميدان الحرب حيث الموت الحتمي والقتل الأكيد .. فتدخلت أمه تحمسه وتشجعه على القتال وترغبه في الشهادة وعدم الالتفات إلى قول زوجته ( من جهة ) وتهاجم عاطفية زوجته وجبن نفسيتها وتخاذلهاوتقعيس زوجها من جهة أخرى ..
وانحدر(وهب ) للمعركة يحمل على القوم بسيفه وهو يرتجز ويقول :
إن تنكروني فأنا ابن الكلبي – سوف تروني وترون ضربي
وحملتي وصولتي في الحرب – أدرك ثأري بعد ثأر صحبي
وأدفع الكرب أمام الكرب – ليس جهادي في الوغى باللعب
وخاض الأهوال وقاتل قتال الأبطال , حتى أصيب بجراحات بليغة ولكن رغم ذلك بقي صامد يحمل على القوم يميناً وشمالاً ويضرب بهم ضرباً معضلا ويشتت جمعهم ويفرق صفوفهم , وإذا به يسمع صوت زوجته من خلفه وهي تحمل عموداً من أعمدة الخيمة وتنوي الخوض في المعركة وهي تقول :
( فداك نفسي ياوهب .. قاتل دون الطيبين .. قاتل دون الصالحين ..) , اقترب منها منادياً :ماذا حل بك قبل قليل كنت تنهيني عن القتال وتحذريني الموت والآن تشجعيني وتقاتلين؟ ! فقالت بعيون دامعة وعبرات متكسرة : ياوهب لا تلمني .. إن واعية الحسين ( عليه السلام ) قطعت نياط قلبي وهدت أركاني , ورغبت معها عن الحياة , قال لها ماذا سمعت ؟ قالت سمعته يقول : ( واغربتاه .. واوحدتاه .. واقلة ناصراه أما من مجيريجيرنا ..؟ أما من ذاب يذب عنا ..؟ فلم أتمالك نفسي , فأجبت استغاثته وخرجت لأقاتل معك ولنذهب سوياً إلى الجنة ! فحاول وهب أن يرجعها إلى خيمتها فأبت فاستعان بالحسين ( عليه السلام ) فأقنعها الإمام ( روحي له الفداء) بالرجوع شاكراً لها هذه الروح الطيبة قائلاً : ( جزيتم من أهل بيت خيرا ...ارجعي إلى خيتمك مع النساء بارك الله فيك ..)
ورجعت زوجة وهب إلى الخيمة , وبعد قليل رأت وهب وهو يسقط صريعاً على الأرض , فأسرعت إليه تهنيه بالشهادة وجلست عند جسده المقطع بسيوف الأعداء وصارت تخضب شعرها من دمه الطاهر وتقول : ( هنيئاً لك الجنة ..يا وهب هنيئاً لك الجنة ياوهب ...! فسمعها بعض الجنود وغاظهم صمودها وإصرارها وإبائها ! فأصابها أحد الجنود (لعنة الله عليه ) بالرمح فكور ظهرها فسقطت شهيدة إلى جنب زوجها وهب واختلط دمها بدمه( رحمهما الله ) وقطعوا رأس وهب ( رحمه الله ) ورموا به إلى أمه , كي يبثوا الرعب في قلوب النساء والعيال والأطفال ولكنها استقبلت الرأس بكل شموخ واعتزاز وهدوءوصارت تمسح عن وجهه الشريف الجميل الدم وتزيل التراب وهي تقول :
الحمدلله الذي بيض وجهي بشهادتك .. وبارك الله فيك يا وهب ورمت بالرأس إلى معسكر العدوفأصابت به جندياً ) وهذا غيض من فيض وقطرةمن بحر ونزر من غمر هذا مشهد من مشاهد وموقف من مواقف تلك الواقعة واقعة كربلاء أم الدروس والعبر
السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك وأناخت برحلك .
تعليق