بسم الله الرحمن الرحيـــم
وصلى الله على نبيه صاحب الخلق الكريم
نبي الرحمة محمد و على اله الميامين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
لقد تطرقنا في الجزء الخامس من المبحث الموجز " قف وتأمل في خطبة الزهراء -عليها السلام-" محاور متنوعة ومتعددة من خطبة السيدة الزهراء عليها السلام ـ ، وتناولنا فقرات متنوعة فمنها مايخص الأمر بالمعروف ومنها ما يخص بر الوالدين ، ومنها ما اختص بالوفاء بالنذور ، ومنها اختص بالقصاص ومنها ما اختص بصلة الرحم، وهنا في هذا الجزء السادس سنتطرق إلى محاور أخرى ، وسنحلل سلسلة من العبارات النفيسة الواردة في خطبة السيدة الزهراء عليها السلام ، والتي ألقتها في مسجد ابيها رسول الله صلى الله عليه وآله في مجلس الحاكم آنذاك ابي بكر ، وبحضور الأنصار والمهاجرين.
وقد وصل بنا المقام الى قولها عليها السلام: ( وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، وترك السرقة إيجاباً للعفّة، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية).
ولو تدبرنا جيدا -عزيزي القارىء- وتأملنا معا لنستنتج ابرز المحاور العملية والمعرفية والفكرية التي أوصلتها لنا السيدة الزهراء عليها السلام لوجدنا أمور كثيرة ولعل أبرزها-بتحليلي القاصر- مايلي :
الأولى ما يخص توفية المكيال والميزان :-
فمن المعلوم ان الكثير من المواد الغذائية والتي تدخل ضمن مؤنة الانسان إنما تشترى وتباع وماشاكل ذلك بالكيل والوزن ، كالحنطة والشعير والرز والسكر وغير ذلك ، فإنه يجب على الذين يقع هذا العمل في معرض ابتلائهم بسبب عملهم أن يوفوا المكيال وان يوفوا الميزان ، وذلك لكي لايبخس حق الآخر ، فكيف ترضى لنفسك ان تتسلم ثمنا كاملا وتعطي مبيعا ناقصا ، أو العكس ، فإن مسألة توفية المكيال وتوفية الميزان من المسائل المهمة والتي يجدر بل يجب الإلتفات اليها والاهتمام بها ، فقد قال تعالى في كتابه الكريم ، على لسان نبيه شعيب على نبينا وآله وعليه السلام في سورة هود في الآية 85 من سورة الأعراف: ((فَأَوْفُوا الكَيْلَ والْمِيزَانَ ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ )) ، فإن الزهراء عليها السلام تدعوا المسلمين الابتعاد عن بخس الناس حقوقهم والى توفية المكيال والميزان.
الثانية فيما يخص النهي عن شرب الخمر :-
فإن السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام تحذر الناس من تناول ذلك الشراب المفسد بما فيه من غضب الله تعالى وسخطه وايذاء للنفس والناس وفساد اجتماعي كبير ، فالإنسان يجب ان يكون حذرا من ذلك وأن يسير في درب الصالحين في ذلك الدرب الذي رسمه الاسلام الحقيقي للمسلم الحقيقي ، فقد قال تعالى
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْإنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ }المائدة91-90
ولذا فإن الزهراء عليها السلام تؤكد بأن الله تعالى نهى عن شرب الخمر كي ينزههم عن الرجس.
الثالثة فيما يخص القذف :-
فإن الزهراء عليها السلام تبين ان رمي الآخرين بتهمة الفاحشة كقذف المحصن او المحصنة بإرتكاب الفاحشة إنما من الأمور التي حرمها الله تعالى ونهى عنها ، وأن قذف الآخرين بذلك قد يعود باللعنة على ذلك الانسان ، وأن ترك قذف الناس هو حجاب كامل يحمي ويقي الإنسان من لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
الرابعة فيما يخص السرقة :-
فإن الصديقة الزهراء عليها السلام تؤكد أن سرقة أموال الآخرين او سرقة جهودهم وحقوقه لهو من الأمور التي حرمها الله تعالى ، وهي من الأمور المنكرة والتي تسبب ضررا عاما على المجتمعات البشرية ، وفيها فساد المجتمع وتدني المستوى الخلقي والاقتصادي وحتى السياسي ، ولذا فإن ترك السرقة من موجبات العفة ، وان يتحلى الإنسان بروح الضمير النقي وأن يكون عفيفا آملا رزق الله تعالى وهو الذي يرزق من يشاء بغير حساب ، وأن يحافظ على حقوق الناس وأموالهم وممتلكاتهم.
والخامسة فيما يخص حرمة الشرك بالله تعالى :-
فإن الإنسان العاقل يعلم أنه لا اله الا الله تعالى هو الخالق الواحد ، وأنه لاشريك له ولاندّ له ولانظير ، خلق أجناس البدائع وهو الغني الواسع ، وأنه حرم أن يعبد الانسان معه اي شيئا آخر من مخلوقاته لانه لايستحق العبودية الا الله تعالى ، وأن يكون الانسان عزيزا فلايركع الا لله تعالى ، فإن الله تعالى قد خلق الانسان وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلا ، ومن هنا فإن الزهراء عليها السلام تبين ان الله تعالى حرم الشرك كي يكون الانسان مخلصا لله تعالى في الربوبية شاهدا معترفا له بالوحدانية فيعبده وحده لاشريك له فيدخله جنته ويشمله برحمته وعطفه وفضله ولطفه الشامل الواسع.
فما أسمى وأرقى تلك المعاني والمضامين القيمة ، والتي وردت في بين طيات خطبة الزهراء عليها السلام ، ولو تدبرنا أكثر لحصلنا على معاني ومضامين أكثر وأكبر ، فكلام أهل البيت عليهم السلام من مصادر العلم الواسع الشامل .
والى هنا- أعزائي القراء- ينتهي الجزء السادس من المبحث الموجز_قف وتأمل في خطبة الزهراء-عليها السلام- - والذي يتناول تحليل مبسط عن مضامين تلك الخطبة الجليلة ، آملين التوفيق لإكمال ونشر الجزء السابع.
والحمد لله رب العالمين...
وصلى الله على نبيه محمد واله الميامين
*********
بقلم المحقق
**********
تعليق