بسم الله الرحمن الرحيم
***********************************
من الاعتقادات التي يؤمن بها المذهب الامامي هو الرجعة ، و الرجعة في اللغة هي العودة إلى الحياة الدنيا بعد الموت ، ويُطلق على الرجعة الكرّة أيضاً ، وهو من الألفاظ المرادفة لها ، قال الجوهري : الكرّ : الرجوع ، يقال : كرّه وكرّ بنفسه ، يتعدّىٰ ولا يتعدّىٰ(1).
ومعنى الرجعة هو ان الله تعالى يعيد بعض الاقوام الى الدنيا بعد موتهم قبل يوم القيامة ، فينتقم المظلوم من الظالم ويأخذ حقه منه وذلك عند قيام مولانا الامام المهدي عليه افضل الصلاة والسلام الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تملا ظلماً وجوراً ، ولا يرجع الى الدنيا الا من كان غاية في الايمان او من كان غاية في الفساد والظلم.
وقد وقع الخلاف في امكان الرجعة بعد تسليم جميع المسلمين بان الرجعة مقدورة لله تعالى حتى قال الآلوسي في ذلك : ( وكون الإحياء بعد الإماتة والإرجاع إلى الدنيا من الاُمور المقدورة له عزَّ وجلَّ ممّا لا ينتطح فيه كبشان ، إلاّ أنّ الكلام في وقوعه)(٢).
اذن الخلاف في امكان وقوع الرجعة ، وللامامية ادلة على امكانها ومن تلك الادلة ما ورد في القرآن الكريم ما يثبت وقوع الرجعة إلى الدنيا لبعض الأموات ، كالمعجزة التي حصلت لعيسى عليه السلام في إحياء الموتى بقوله تعالى:{وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ}(3) ، و إحياء قوم من بني إسرائيل قال تعالى :{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} (4)فقد ورد في تفسير هذه الآية المباركة أنَّ هؤلاء ماتوا مدة طويلة ، ثم أحياهم الله تعالى ، فرجعوا إلى الدنيا ، وعاشوا مدة طويلة ، ووقد سأل حمران بن أعين الإمام أبا جعفر الباقر عليه السلام عن هؤلاء ، قائلاً : أحياهم حتى نظر الناس إليهم ، ثم أماتهم من يومهم ، أو ردّهم إلى الدنيا حتى سكنوا الدور ، وأكلوا الطعام ، ونكحوا النساء؟ قال عليه السلام مجيبا : ( بل ردّهم الله حتى سكنوا الدور ، وأكلوا الطعام ، ونكحوا النساء، ولبثوا بذلك ما شاء الله ، ثم ماتوا بآجالهم ) (5) . وإحياء عزير بعد موته قال تعالى : {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } (6) وإحياء أصحاب الكهف قال تعالى :{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}(7)، وإحياء سبعين رجلاً من قوم موسى عليه السلام :قال تعالى {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(8) ،وغيرها من الآيات التي تدل على امكان الرجعة في الدنيا .
وايضا من الآيات التي تدل بالدليل القاطع على امكان الرجعة قوله تعالى : {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا}(9) حيث استدل أئمتنا عليهم السلام بهذه الآية على صحة الاعتقاد بالرجعة ، فقد روي عن أبي بصير ، أنّه قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام ينكر أهل العراق الرجعة؟ ) قلتُ : نعم ، قال أما يقرأون القرآن {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا } ؟ ) (١0) ، وروى علي بن إبراهيم في تفسيره بالإسناد عن حماد ، عن الصادق عليه السلام ، قال ما يقول الناس في هذه الآية { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا } ؟) . قلتُ : يقولون إنّها في القيامة. قال عليه السلام ليس كما يقولون ، إنّ ذلك في الرجعة ، أيحشر الله في القيامة من كلِّ أُمّة فوجاً ويدع الباقين؟ إنّما آية القيامة قوله : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} ) (11) .
اذن فهذه الآية الكريمة : { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا } تدل على ان الله تعالى يعيد بعض الناس الى الدنيا بدليل ورود (من) التي تفيد التبعيض ، وهذا يعني الاستثناء ، ولا شك ان الله تعالى سوف يحشر الناس يوم القيامة جميعا بدون استثناء, وهذا دليل على ان الآية تشير الى الرجعة والعودة في الدنيا قبل الآخرة لبعض الناس .
ويمكن ان نلخص الهدف من الرجعة بانها انتصار للمظلوم من الظالم واقامة العدل الالهي في الارض قبل القيامة ، والاقتصاص من اعداء آل البيت عليهم السلام .
نسال الله تعالى ان يثبتنا على العقيدة الصحيحة المتمثلة بعقيدة آل البيت عليهم السلام والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
___________________
(1) الصحاح ٢ : ٨٠٥. (٢) روح المعاني ٢٠ : ٢٧. (3) [آل عمران: 49]. (4) [البقرة: 243]. (5)تفسير العياشي ١ : ١٣٠. (6)[البقرة: 259]. (7) [الكهف: 25]. (8) [البقرة: 55، 56]. (9) [النمل: 83]. (10) الرجعة ، للاسترآبادي : ٥٥ / ٣٠. (11) تفسير القمي ١ : ٢٤.
تعليق