ما ذكروه في ذم أئمة المذاهب الأربعة
ما قيل في ذم الأئمة الأربعة كثير ، ولا يسعنا حصره ، وما سندرجه في هذه الفقرة لم نتقوله عليهم ، بل هو مذكور في كتب علماء أهل السنة ، وصادر من علمائهم ، وقد ذكرنا مصادره في الحواشي لتوثيق النقل عنهم.
وليس غرضنا من نقله الإزراء بهم أو الطعن فيهم ، فإن أئمة المذاهب وفدوا على ربهم ، والله أعلم بحالهم ، ولكن الغاية هي أن يعلم القارئ الكريم أن هؤلاء رجال غير معصومين ، وقد قيل فيهم ما قيل إن صدقا وإن كذباً، ونحن نذكره لكي يتحقق الفرد المسلم في إختيار الأئمة في الدين ، وليعلم أن الواجب عليه هو إتباع من أمر الله باتباعهم ، وهم أهل البيت (ع) دون غيرهم ، والله أعلم بحقائق الأمور.
وإليك بعض ما قالوه فيهم :
1 ـ ما قالوه في أبي حنيفة :
قال البخاري : كان مرجئاًً ، سكتوا ، عن رأيه وعن حديثه (1).
وروى البخاري في تاريخه الصغير أن سفيان لما نعي أبو حنيفة قال : الحمد لله ، كان ينقض الإسلام عروة ، ما ولد في الإسلام أشأم منه(2).
وقال إبن عبد البر في كتاب الإنتقاء : ممن طعن عليه وجرحه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، فقال في كتابه في الضعفاء والمتروكين :
أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، قال : نعيم بن حماد : إن يحيى بن سعيد ومعاذ بن معاذ ، سمعا سفيان الثوري يقول : قيل : استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين (3) ، وقال : نعيم ، عن الفزاري : كنت عند سفيان بن عيينة ، فجاء نعي أبي حنيفة ، فقال : لعنه الله ، كان يهدم الإسلام عروةً عروة ، ما وُلد في الإسلام مولود أشر منه ، هذا ما ذكره البخاري (4).
وقال : قال إبن الجارود في كتابه في الضعفاء والمتروكين : النعمان بن ثابت جل حديثه وهم ، وقد اختلف في إسلامه.
وقال : وقد روي ، عن مالك رحمه الله أنه قال : في أبي حنيفة نحو ما ذكر سفيان أنه شر مولود ولد في الإسلام ، وأنه لو خرج على هذه الأمة بالسيف كان أهون (5).
قلت : ورواه الخطيب البغدادي أيضاًً ، عن الأوزاعي وحماد (6) ومالك (7).
وقال الذهبي : ضعفه النسائي من جهة حفظه ، وإبن عدي وآخرون (8) ، وترجم له الخطيب في فصلين من تاريخه ، وإستوفى كلام الفريقين : معدليه ومضعفيه (9).
وروى إبن أبي حاتم ، عن إبن المبارك أنه قال : كان أبو حنيفة مسكيناًًًًً في الحديث ، وعن أحمد بن حنبل أن أبا حنيفة ذكر عنده فقال : رأيه مذموم ، وبدنه لا يذكر ، وعن محمد بن جابر اليمامي أنه قال : سرق أبو حنيفة كتب حماد مني (10).
وذكر إبن سعد في الطبقات ، عن محمد بن عمر ، قال : كان ضعيفاًًً في الحديث (11).
وذكر أبو نعيم في حلية الأولياء ، والخطيب في تاريخه أن مالك بن أنس ذكر أبا حنيفة ، فقال : كاد الدين ، ومن كاد الدين فليس من أهله.
وعن الوليد بن مسلم قال : قال لي مالك : يذكر أبو حنيفة ببلدكم؟ ، قلت: نعم قال : ما ينبغي لبلدكم أن تسكن (12).
وقال سفيان بن عيينة : ما زال أمر الناس معتدلاً حتى غير ذلك أبو حنيفة بالكوفة ، والبتي بالبصرة ، وربيعة بالمدينة (13).
وقال أحمد بن حنبل : ما قول أبي حنيفة والبعر عندي إلاّ سواء (14).
وقال الشافعي : نظرت في كتاب لأبي حنيفة فيه عشرون ومائة ، أو ثلاثون ومائة ورقة ، فوجدت فيه ، ثمانين ورقة في الوضوء والصلاة ، ووجدت فيه أما خلافاًًًً لكتاب الله ، أو لسنة رسول الله (ص) ، أو إختلاف قول ، أو تناقض ، أو خلاف قياس (15).
وروى الخطيب ، عن أبي بكر بن أبي داود أنه قال لأصحابه : ما تقولون في مسألة إتفق عليها مالك وأصحابه ، والشافعي وأصحابه ، والأوزاعي وأصحابه ، والحسن بن صالح وأصحابه ، وسفيان الثوري وأصحابه ، وأحمد بن حنبل وأصحابه؟ ، فقالوا : يا أبابكر ، لا تكون مسألة أصح من هذه ، فقال : هؤلاء كلهم إتفقوا على تضليل أبي حنيفة (16).
وبالجملة ، فما قالوه في الطعن في أبي حنيفة كثير جداًً ، ولا يسعنا إستقصاؤه ، وقد أعرضنا ، عن أمور عظيمة ذكروها فيه ، ومن شاء الإستزادة فليرجع إلى تاريخ بغداد ، والإنتقاء ، وجامع بيان العلم وفضله وغيرها (17).
2 ـ ما قالوه في مالك :
ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أن مالكاًً لم يشهد الجماعة خمساًً وعشرين سنة.
وذكر ، عن إبن سعد : أن مالكاًً كان يأتي المسجد ليشهد الصلوات والجنائز ، ويعود المرضى ، ويقضي الحقوق ، ويجلس في المسجد ، ثم ترك الجلوس فيه ، فكان يصلي وينصرف ، وترك شهود الجنائز ، فكان يأتي أصحابه فيعزّيهم ، ثم ترك ذلك كله والصلاة في المسجد والجمعة (18).
وذكر أنه بكى في مرض موته ، وقال : والله لوددت أني ضرِبت في كل مسألة أفتيت بها ، وليتني لم أفت بالرأي (19).
وذكر الذهبي ، عن الهيثم بن جميل قال : سمعت مالكاًً سئل ، عن ثمان وأربعين مسألة ، فأجاب ، عن إثنتين وثلاثين منها بـ (لا أدري).
وعن خالد بن خداش ، قال : قدمت على مالك بأربعين مسألة ، فما أجابني منها إلاّ على خمس مسائل (20).
وروى الخطيب ، عن أحمد بن حنبل أنه سُئل ، عن مالك ، فقال : حديث صحيح ، ورأي ضعيف (21).
وعن مالك أيضاًً أنه ربما كان يسأل خمسين مسألة ، فلا يجيب في واحدة منها (22).
ونقل إبن عبد البر ، عن الليث بن سعد : أنه قال : أحصيت على مالك بن أنس سبعين مسألة كلها مخالفة لسنة رسول الله (ص) مما قال : فيها برأيه ، قال : ولقد كتبت إليه أعظه في ذلك (23).
وعن المروزي قال : وكذلك كان كلام مالك في محمد بن إسحاق لشيء بلغه عنه تكلم به في نسبه وعلمه (24).
وعن سلمة بن سليمان قال : قلت : لإبن المبارك : وضعت من رأي أبي حنيفة ، ولم تضع من رأي مالك؟ ، قال : لم أره علماً (25).
وقال إبن عبد البر : وقد تكلم إبن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة ، كرهت ذكره ، وهو مشهور عنه ، قاله إنكاراًً لقول مالك في حديث البيعين بالخيار ... (26) ، وتكلم في مالك أيضاًً فيما ذكره الساجي في كتاب العلل : عبد العزيز بن أبي سلمة ، وعبد الرحمن بن زيد بن
أسلم ، وإبن إسحاق ، وإبن أبي يحيى ، وإبن أبي الزناد ، وعابوا عليه أشياء من مذهبه ، وتكلم فيه غيرهم لتركه الرواية ، عن سعد بن إبراهيم ، وروايته ، عن داود بن الحصين وثور بن زيد ، وتحامل عليه الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة في شيء من رأيه حسداً لموضع إمامته ، وعابه قوم في إنكاره المسح على الخفين في الحضر والسفر ، وفي كلامه في علي وعثمان ، وفتياه إتيان النساء من الأعجاز ، وفي قعوده، عن مشاهدة الجماعة في مسجد رسول الله (ص) ، ونسبوه بذلك إلى ما لا يحسن ذكره (27).
قال إبن حجر : ويقال : إن سعداًً (28) وعظ مالكاًً فوجد عليه، فلم يروِ عنه ... وقال أحمد بن البرقي : سألت يحيى عن قول بعض الناس في سعد : أنه كان يرى القدر وترك مالك الرواية عنه ، فقال : لم يكن يرى القدر ، وإنما ترك مالك الرواية عنه لأنه تكلم في نسب مالك ، فكان مالك لا يروي عنه ، وهو ثبت لأشك فيه (29).
3 ـ ما قالوه في الشافعي:
قيل ليحيى بن معين : والشافعي كان يكذب؟ ، قال : ما أحب حديثه ولا ذكره (30).
وإشتهر ، عن يحيى أنه كان يقول ، عن الشافعي : إنه ليس بثقة (31).
وأخرج إبن حجر في توالي التأسيس ، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه قال : كان الشافعي قد مرض من هذا الباسور مرضاً شديداًًً ، حتى ساء خلقه ، فسمعته يقول : إني لآتي الخطأ وأنا أعرفه (32).
وذكر إبن حجر في لسان الميزان ، عن معمر بن شبيب أنه سمع المأمون يقول : إمتحنت الشافعي في كل شيء فوجدته كاملاً ، وقد بقيت خصلة ، وهو أن أسقيه من الهندبا تغلب على الرجل الجسيد العقل ، فحدثنى : ثابت الخادم أنه إستدعى به فأعطاه رطلاً فقال : يا أمير المؤمنين ما شربته قط. فعزم عليه فشربه ، ثم وإلى عليه عشرين رطلاً فما تغير عقله ، ولا زال ، عن حجة (33).
قلت : لعل الشافعي شربه تقية ، لأنه كان يرى التقية من الخلفاء.
4 ـ ما قالوه في أحمد بن حنبل:
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعتُ أبي يقول : وددت أني نجوت من هذا الأمر ، لا علي ولا لي (34).
وعن أبي بكر الأثرم ، قال : سمعت أحمد بن حنبل يستفتى ، فيكثر أن يقول : لا أدري (35).
وقال الفخر الرازي : إنه ـ يعني إلامام أحمد ـ ما كان في علم المناظرة والمجادلة قوياًًً ، وهو الذي قال : لولا الشافعي لبقيت أقفيتنا كالكرة في أيدي أصحاب الري (36).
وقال إبن أبي خيثمة : قيل لإبن معين : إن أحمد يقول : إن علي بن عاصم ليس بكذاب ، فقال : لا والله ، ما كان علي عنده قط ثقة ، ولا حدث عنه بشيء ، فكيف صار اليوم عنده ثقة؟ (37) ، وقال الحسين بن علي الكرابيسي في الطعن في أحمد : أيش نعمل بهذا الصبي؟ إن قلنا : (مخلوق) قال : بدعة ، وإن قلنا : (غير مخلوق) قال : بدعة (38).
ولعل أحمد بن حنبل هو الذي سلم تقريباً من أن توجه إليه السهام والطعون كما وجهت لغيره ، وذلك لأنه جعل جل عنايته في جمع الأحاديث ، فصنف المسند الذي إشتمل على أكثر من خمسة وعشرين الف حديث ، ثم إنه حاول أن يفر من الفتوى (39) ، ولم تُعرف له فتاوى شاذة كثيرة كما عرفت لغيره ، ثم إن محنة خلق القرآن أكسبته مكانة عظيمة عند الناس ، وفتواه بوجوب طاعة السلطان وحرمة الخروج عليه وإن كان جائراً ، أعطته منزلة كبيرة عند الخلفاء والسلاطين.
المصدر
موقع خادم أهل البيت - ملك الروابط
تأليف الشيخ على آل محسن
الهوامش
1- التاريخ الكبير ج 8 ص 81 ت 2253. وذكر الخطيب في تاريخ بغداد ج 13 ص 379 ص 380 ص 398 ص 399 من قال : إن أبا حنيفة من المرجئة. وقال : أبن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ج 2 ص 1072 (ط محققة): ونقموا أيضاًً على أبي حنيفة الإرجاء ، ومن أهل العلم من ينسب إلى الإرجاء كثير ، ولم يعن أحد بنقل قبيح ما قيل فيه كما عنوا بذلك في أبي حنيفة لإمامته. وراجع الكامل في ضعفاء الرجال ج 7 ص 8.
2- التاريخ الصغر ج 2 ص 93. تاريخ بغداد ج 13 ص 418. الكامل في ضعفاء الرجال ج 7 ص 8.
3- وذكره أيضاًً الخطيب في تاريخ بغداد ج 13 ص 390 ص 393.
4- الإنتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ص 149 ص 150.
5- المصدر السابق ص 150.
6- تاريخ بغداد ج 13 ص 420.
7- المصدر السابق ج 13 ص 415.
8- روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج 13 ص 450 ص 451 أن أبا حنيفة ضعفه: يحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وعمرو بن علي ، والجوزجاني ، وإبن أبي شيبة ، ومسلم ، والنسائي. وضعفه كذلك إبن عدي في الكامل ج 7 ص 5 ص 12.
9- ميزان الإعتدال ج 4 ص 265 ت 9092.
10- الجرح والتعديل ج 8 ص 450 ت 2062.
11- الطبقات الكبرى ج 6 ص 368.
12- حلية الأولياء ج 6 ص 325. تاريخ بغداد ج 13 ص 421. الكامل في ضعفاء الرجال ج 7 ص 6.
13- الإحكام في أصول الأحكام ج 6 ص 223. تاريخ بغداد ج 13 ص 413 ص 414.
14- تاريخ بغداد ج 13 ص 439.
15- حلية الأولياء ج 10 ص 103.
16- تاريخ بغداد ج 13 ص 394.
17- تاريخ بغداد ج 13 ص 370 ص 454 ذكر الخطيب أكثر من 150 قولاً في ذمه ص 147 ص 152. جامع بيان العلم وفضله ج 2 ص 1074 ص 1079 ص 1086 (ط محققة) الكامل في ضعفاء الرجال ج 7 ص 5 ص 12.
18- تذكرة الحفاظ ج 1 ص 210 ت 199. شذرات الذهب ج 1 ص 289 ص 290 وفيات الأعيان.
19- شذرات الذهب ج 1 ص 292. وفيات الأعيان ج 4 ص 137. الإحكام في أصول الأحكام الدين ج 6 ص 224. جامع بيان العلم وفضله ج 2 ص 1072 ( ط محققة ).
20- سير أعلام النبلاء ج 8 ص 77.
21- تاريخ بغداد ج 13 ص 445.
22- فتاوى ومسائل إبن الصلاح ج 1 ص 13.
23- جامع بيان العلم وفضله ج 2 ص 1080 (ط محققة).
24- المصدر السابق ج 2 ص 1105.
25- المصدر السابق ج 2 ص 1109.
26- ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج 2 ص 302 ، عن أحمد بن حنبل قال : بلغ إبن أبي ذئب أن مالكاً لم يأخذ بحديث (البيعين الخيار)، قال : يستتاب وإلاّ ضربت عنقه.
27- المصدر السابق ج 2 ص 1115.
28- هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ، كان قاضي المدينة ، روى عنه الستة.
29- تهذيب التهذيب ج 3 ص 403 ص 404.
30- جامع العلم وفضله ج 2 ص 1083 (ط محققة).
31- المصدر السابق ج 2 ص 1114.
32- توالي التأسيس ص 177.
33- لسان الميزان ج 6 ص 67.
34- سير أعلام النبلاء ج 11 227.
35- فتاوى ومسائل إبن الصلاح ج 1 ص 13.
36- مناقب الإمام الشافعي ص 389.
37- تهذيب التهذيب ج 7 ص 304.
38- تاريخ بغداد ج 8 ص 65.
39- ذكر الخطيب في تاريخ بغداد ج 6 ص 66 أن رجلاًً سأل أحمد بن حنبل ، عن مسألة في الحلال والحرام ، فقال له أحمد: سل عافاك الله غيرناقال : إنما نريد جوابك يا أبا عبد الله. فقال : سل عافاك الله غيرنا ، سل الفقهاء ، سل أبا ثور.
تعليق