بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
م/ فقه المصالح والمفاسد ((قاعدة التزاحم بين الاهم والمهم))
لعل المتتبع لابواب الفقه المختلفة من الطهارة الى الديات حسبما جرى عليه القدامى وكذلك الابواب الجديدة التي اضيفت الى الفقه اخيرا او يمكن ان تضاف كالسياسة والاجتماع والاقتصاد والاسرة والدولة ونحوها يجد مضافا الى الادلة الخاصة التي قامت عليها الاحكام المختلفة قانونا استثنائيا يحكم على الادلة ويتقدم عليها اذا حصل تدافع وتزاحم بين الموارد ذلك هو قانون الاهم والمهم .
فما من مورد تزاحم فيه حكمان او موضوعان وأحرز بينهما الاهم الاّ وتقدم على غيره ولعلنا يمكن ان نجزم ان ما من باب من ابواب الفقه الا ويجري فيه هذا القانون
كما ان ما من دليل ثانوي يتقدم علىالادلة الاولية الا ويخضع لهذا القانون ايضاً عند التعارض لذا فان قانون الاهم والمهم يتقدم على الادلة الاولية بل حتى على الادلة الثانوية كدليل (لاضرر ولا ضرار) و(لاحرج) اللذين يعتبران من اوسع الادلة الثانوية حكومة على غيرهما كما يعرف ذلك من الفقه .
مفردات القاعدة
تتضمن قاعدة التزاحم مفردات خمسة هي :
المصلحة والمفسدة والاهم والمهم والتزاحم , وفي لسان الفقهاء , والاصوليين ربما يعبر عن كل واحدة منها بلفظ يرادفها في المضمون العرفي وان افترق عنها في التدقيق اللغوي نظير المنفعة تطلق على الالمصلحة والمضرة والمضرة تطلق على المفسدة ...
والمراد من المصلحة هنا ما ينصرف الى الاذهان عرفاً وهو مافيه النفع والفائدة وهذا المعنى مأخوذ من اللغة والمفسدة ضدها كما يستفاد من بعض المصادر اللغوية .
وعليه فليس للفقهاء اصطلاح خاص للمصلحة والمفسدة سوى مالهما من المعنى اللغوي والعرفي فهي حقيقة عرفية عامة لا عرفية خاصة ولا حقيقة شرعية ولا متشرعية لكنمه عبروا في التزاحم بالمصلحة والمفسدة دون المنفعة والمضرة لجهة العمومية , فان المصلحة تعم وتشمل المنفعة المعنوية والمادية بخلاف المنفعة فانها تختص بالمادية ومثله يقال في المفسدة والمضرة وهذا لايمنع ان يراد من المنفعة ما يراد من المصلحة ومن المضرة ما يراد من المفسدة لانهما من قبيلالفقير والمسكين اذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا .
والمهم : هو الامر الشديد يقال هممت بالشيء اي ارته وقصته وعزمت عليه .
والاهم : الاكثر شدة سواء كانت الشدة في المصلحة او المفسدة .
والتزاحم : هو التدافع بين المصلحتين او المفسدتين او المصلح او المفسدة وعليه فاذا قيل بتزاحم المصلحة الاهم بغيرها يراد بها المصلحة الشديدة التي يحكم العقل بقبح تفويتها سواء بترك تحصيلها من حيث اجتناب الفعل او من حيث تحصيل المصلحة بواسطة الاتيان بالفعل الاقل اهمية , ومثله يقال في المفسدة , وبذلك نعرف وجه الحكم بلزوم ترجيح الاهم على المهم .
تاريخ القاعدة
ان اصطلاح (الاهم والمهم) واطلاقه على هذه القاعدة يبدو انه جديد راج استعماله عند متاخري المتاخرين والمعاصرين كما يظهر لمن راجع مثل (الجواهر) و(العروة) وشروحها وتعليقاتها مثل (مستمسك) السيد الحكيم و(تنقيح) السيد الخوئي و(مهذب) السيد السبزواري( وفقه) السيد الكلبايكاني (والفقه) للسيد الاستاذ قدست اسرارهم وغيرهم , لم نعثر على تعبير بذلك عند المتاخرين فضلا عن القدامى .
نعم عبروا عن ذلك بالمصلحة والمفسدة كما ورد في عبارة ابن ادريس قد في (السرائر) في احكام الاموات والمحقق قد في (الشرائع) في باب مورد عزل القاضي وكما ستعرف ذلك من كلمات العلامة قد المتوفي (736) هـ في (الارشاد) والمقدس الاردبيلي قد في (مجمع الفائدة والبرهان) ...ولعل اقدم ماعثر عليه في تعبير عن القاعدة المذكورة بالاهم والمهم ما ورد في كلمات الفاضل المقداد قد في كتاب ( نضد القواعد) في باب تعارض المصلحة والمفسدة بين تطبيق الحدود الشرعية بما فيها من الاهم وبين تركها الموجب للمفسدة الاعظم وباب تعارض امر المصلي بين الصلاة باللباس النجس او الصلاة مكشوف العورة قال: ((فان فيه مفسدة لما فيه من الاخلال بتعظيم الله في انه لا يناجى على تلك الاحوال ,الا ان تحصيل الصلاة اهم )) .
وبعده وردفي كلمات صاحب( هداية المسترشدين) المتوفي سنة(1248) هـ في بحث الترتيب ثم في كلمات صاحب (الجواهر) في باب اللقطة والشيخ الانصاري قد في المكاسب في باب مفسدة تولي الولاية للظالمين ومزاحمتها مع مصلحة التولي لقضاء حوائج العباد ثم من تاخر عنه الى يومنا هذا , ولا ضير في ذلك ,لان هذا شأن التطور في العلوم وتكامل نظرياتها فكم من اصطلاح كان معروف سابقاً ثم تبدل كالحكم الظاهري الذي كان يقول به القدامى ثم تبدل عند المتاخرين والمعاصرين الى التنجيز والاعذار لانهم رأوأ ان الحكم الالهي واحد هو الواقع ,والطرق والامارات اما تصيبه فيتنجز او تخطئه فيكون المكلف معذوراً , وكذا مصطلح الاصل والمارة وتفريق الامارة الى امارة وطريق استحدث لم يكن معروفاً سابقاً .
وكم من اصطلاح متفق عليه بين القدماء والمتاخرين ولكن اختلفوا في مضمونه كالصحيح الذي جعل معياراً لاعتبار الخبر عند القدامى والصحيح عند المتاخرين والحكومة والورود حيث استحدث في زمان الشيخ قد والتزم به من جاء بعده وميزوهما عن التخصيص والتخصص ,اللذين التزم بهما القدماء واطلقوهما على كل دليل يخصص غيره , واطلقوا على ما يخصص الحكم اسم التخصيص سواء كان بعناية التعبد او لا . واطلقوا على ما يخصص الموضوع اسم التخصيص سواء كان بعناية التعبد او لا وكذا الاجتهاد والتقليد في الفقه , فهو باب مستحدث عند المتاخرين لعدم حاجة القدامى الى ذلك بالمعنى المتعارف عليه اليوم , لذا خلت الكتب المتقدمة عنه ك (المقنعة) و(الخلاف) و(المبسوط) و(السرائر) و(الشرائع) و(اللمعة) وغيرها .
نعم , كانوا يتعرضون لبعض فروع ذلك في باب القضاء خصوصاً وان عدم وجود الاصطلاح لا يعني عدم وجود المسألة في كلماتهم كما يظهر للمتتبع للفتاوى والكلمات في الكتب المفصلة نعم ربما لم تكن السألة متبلورة عندهم بهذه الدرجة من الوضوح التي باتت من بديهيات الفقه التي لا يغفل عنها فقيه ,ولا يخلوا منها كتاب فقه اليوم ولكن اذا راجع الباحث الفتاوى يجد انهم يفتون بتقديم الاهم على المهم عند التمانع في مقام الامتثال , ويعبرون عن ذلك بالمصلحة او دفع المفسدة ونحو ذلك , وحيث ان اختلاف الاصطلاح لا يضر في المضمون شيئأً فالتوقف عنده ليس من شأن الفقيه .
تجديد المصطلح
قد يرى البعض افضلية جعل عنوان القاعدة هو (التزاحم) كما صنع الاصوليون بلحاظ ان التزاحم يشمل ملاكات القاعدة التي هي عبارة عن
1 احراز الاهمية
2 احراز محتمل الاهمية
3 عدم احراز الاهمية
4 احراز التساوي في المصالح والمفاسد
ومن الواضح ان الحكم في الاول والثاني هو التقديم على قول بينما الثالث والرابع هو التخيير وهذا ما يجمعه عنوان التزاحم بخلاف ما اذا جعل العنوان (الاهم والمهم) لانه يشير الى الجهة الاولى فقط .
ولكن الظاهر ان جعل العنوان ذلك لا يضر بالمسالة ولا يخل بالملاكات , لان الاهم والمهم عنوان واسع يدخل تحته ما احرز اهميه وما احتملت اهميه ومالم يحرز وما احرز عدمه , مضافا الى وجود ما يرجح هذا العنوان وهو ان التزاحم في مرحلة قبل العمل في الرتبة الطولية بخلاف الاهم والمهم فانه في رتبة الامتثال وهي التي تهم المكلف حين العمل وكيف كان فان جعل العنوان ((التزاحم)) او ((الاهم والمهم)) لا يغير في المعادلة شيئاً فبأي اخذنا يكفي ويجزي .
المصطلح الفقهي للقاعدة
اتفقت كلمة الاصوليين على التعبير عن هذا المضمون في الاصول باسم التزاحم وتعرضوا له في بحث الضد وتعارض الادلة والدوران ان المحذورين وميزوه عن التعارض ... ولكن في الفقه قد يعبرون عنه بالتزاحم وقد يعبرون عنه بالاهم والمهم والكل يشير الى معنى واحد وهو صورة تعرّض المكلف لحكمين ملاكهما تامان لكنه لا يقدر على الجمع بينهما في مقام الامتثال فيحكمون بتقديم الاهم منها على المهم عند وجود الاهم او احتمال الاهمية وبالتخيير عند عدمهما .
واما السؤال فيمن الذي يحدد الاهم والمهم فهذا ما سنعرض له ان شاء الله في البحوث القادمة
تأصيل المصطلح
ربما لم يرد التعبير بلفظ (الاهم و المهم) كثيرا في الايات والروايات التي وردت بشأن بيان الاحكام الا ان التأمل والتحليل لجملة منها يوصلنا الى ان روح الكثير من تلك الادلة هو الاهم والمهم ولعل هذا يفسر ايضاً سر عدم وجدان هذا الاصطلاح عند القدامى اذ انهم لم يعثروا عليه في الادلة الخاصةلما جرت عليه عادتهم من استنباط الاصطلاحات العلمية من الادلة ولكن حيث ان الامر اتضح اكثر عند المتاخرين والمعاصرين وارادوا تعبيراً مختصراً وجامعا مانعاً يدل على حكم المسالة فاصطلحوا ذلك لانه يعبر عن وجه التقديم وسره عند التدافع والتزاحم .
اهمية القاعدة
لعل من الضروري التعرض لبعض الادلة الشرعية التي تضمّن الاهم والمهم لبيان اهمية الموضوع وانه السر الذي يقف وراء الكثير من الاحكام والتشريعات الاسلامية وللدلالة ايضا على فطرية تشريعات الاسلام ومنطقيتها وتوافقها مع العقل والاحكام العقلائية الصحيحة
فنقول: هناك جملة من الادلة والقواعد الشرعية ترجع في محصلتها الى الاهم والمهم او تكون من صغرياتها لان الشارع لاحظ فيها التسهيل على المكلفين والسير والرحمة بهم او اللطف المقرب لهم الى الطاعة والمبعد عن المعصية امتناناً لانها اهم في قبال التشديد عليهم وايقاعهم في مشقة الا لزامات العسيرة والمجهدة
منها : ادلة الامارات والظنون الخاصة التي قام الدليل على اعتبارها كالخبر الواحد فان عمدة الفقه يقوم على اخبار الاحاد فان جعل الشارع الحجية له مع انه من الظنون لمصلحة التسهيل التي هي اهم وذلك لانه لولا ذلك لدار الشارع بين امور
أ ان يوجب العباد تحصيل العلم بالاحكام وهو منحصر بالعلم الوجداني والاخبار المتواترة والاخبار المحفوفة بالقرائن لاقطعية .
ب ان لايكلفهم بشيء فيفوّت عليهم الكثير من الصالح الواقعية والمخالفات الولوية
ج ان يكلفهم بالعمل بالظنون الخاصة .
ومن الواضح ان العلم متعذر الحصول غالباً بل مواردة قليلة عادة لا تستوعب كل المسائل التي يحتاجها العباد في مقام العمل فيلزم التكليف بغير المقدور في كثير الاحيان , والمخالفة خروج عن غرض التشريع في كثير من الوارد واختلال النظام ونق للغرض في كثير من الموارد الاخرى فلم يبق الا العمل بالظن الخاص لانه الحل الامثل الذي تقتضيه الحكمة لانه يجمع بين طاعة المولى وإيصال العباد الى المصالح الواقعية او الجعلية السلوكية وعدم الوقوع في العسر والحرج والمشقة ونحوها .
... ومنها : إيجاب الشارع العمل بالبينات والايمان وظاهر الحال واصالة الصحة في فعل المسلم وقول ذي اليد ونحو ذلك في باب القضاء وذلك دفعا للهرج والمرج واختلال النظام فانه لو اوجب العلم في ذلك والاخذ بالواقع لم يقم للمسلمين سوق ولا يمكن فصل الخصومات ولأوجب العراك والتخاصم في كثير من الموارد مع ان الواقع هو المطلوب اولا وبالذات فحيث ان المكلفين لا يقدرون على الوصول اليه في الغالب لعجزهم وجهلهم فيبقى ان يكلفهم بالعلم وهو مشقة وتكليف بغير المقدور او يجيز لهم الترك وفيه تفويت الكثير من المصالح الواقعية وايقاعهم في الكثير من المفاسد مضافاً الى نقض الغرض او يعتبر الطريق الظني حجة شرعاً عليهم وتكليفهم بالعمل بها لايجاد الامن وإيصال الحقوق لاهلها ولو بحسب الظاهر ...
ومنها : رافعية الادلة الثانوية وسائر الادلة الامتنانية للتكاليف الاولية كأدلة رفع الضرر والعسر والحرج فان الشارع كان يمكنه إيجاب كل لك عليهم مادام في دائرة الوسع والطاقة كالوضوء الضرري والصوم والحج الضرريين وكذا في الغسل الحرجي ونحو ذلك من التكاليف ولا يلزم منه محذور عقلي لان المحال العقلي هو التكليف بغير المقدور ...
ومنها : ادلة البراءة والفع للخطأ والنسيان والجهل والاضطرار ورفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ونحو ذلك وكان بامكان الشارع ان يوجب الاحتياط في موارد الجهل بالتكليف او يوجب عليهم تحصيل العلم وكلاهما عير وتضييق , فرفعها الشارع لاهمية التسهيل والامتنان عليهم من الاحتياط والالزام والامارات القائمة على الاحكام والموضوعات كل ذلك لاهمية التسهيل على غيره .
والخلاصة
ان الاهم والمهم هو الروح التي تقف وراء الكثير من الادلة الشرعية وليس احكامها فقط , وهو يكفي لاثبات شرعيتها وإمكان التمسك بها في مقام الفتوى , فكيف وقد قامت الادلة النقلية والعقلية عليها ...
منشاة التزاحم
ان التزاحم الاحكام يمكن ان تنشاة من اسباب ثلاث هي :
1 تزاحم المصالح والمفاسد
2 تزاحم الاغراض
3 تزاحم الملاكات والاغراض
توضيحه : ان جعل الاحكام الشرعية لا تخلوا من طريقين
احدهما : الجعل على نحو الطريقية فتكون تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية في متعلقاتها كما هو مشهور والمنصور
ثانيهما : الجعل على نحو السببية وحينئذ تكون الامارة الدالة على الحكم لها سببية لحدوث مصلحة في مقابل مصلحة الواقع
وتزاحم الاحكام بنحو مطلق اما ينشأ من تزاحم المصالح والمفاسد وهو على ثلاثة انحاء هي تزاحم المصلحتين او المفسدتين او المصلحة والمفسدة
مثال الاول : تزاحم الصلاة او ازالة النجاسة من المسجد
مثال الثاني : تزاحم مفسدة اضرار النفس وإتلاف المال كما لو تعرضت داره للاحراق فاذا دخلها لانقاذ المال من التلف عرّض نفسه للضرر بالنفس مفسدة كما ان تلف المال مفسدة
مثال الثالث : تزاحم مصلحة الانفاق ومفسدة الاسراف فان الانفاق المفرط حرام لانه إسراف قال الله تعالى ((ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً )) الاية
وقال ايضاً ((وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة ))
اصناف التزاحم : ان المتتبع لكتب الفتاوى خصوصا العروة وشروحها وتعليقاتها
يجد ان هناك الكثير من الموارد التي افتوا فيها طبق قانون التزاحم وهي حسب الاستقراء على اصناف عدة لكن الميرزا النائيني قد استقرا بعض الموارد وجعلها خمسة
الاول : التزاحم لاجل اتخاذ متعلق الحكمين اتخاذا انضمامياً لا اتحادياً اتفاقياً كمافي باب اجتماع الامر والنهي فانه وان كان متعلق الامر عنواناً ومتعلق النهي عنوانا اخر الا انهما اجتمعا في مورد واحد كالصلاة في الدر المغصوبة والغسل بالماء المغصوب فحينئذ الوجوب يقتضي الصلاة والغسل والحرمة تقتضي عدمهما فيتخالفان من حيث ان كل منها يصرف قدرة المكلف الى متعلقه ويمنعه من الاتيان بالاخر مع ان الملاك في كليهما موجود وقلنا اتخاذا انضماميا لصدق التزاحم حينئذ اما اذا كان اتحاديا كالجنس والفصل فانه حينئذ يصبح من صغريات باب التعارض ويخرج عن محل الكلام
الثاني : التزاحم بين المقدمة وذي المقدمة كما اذا صار الحرام مقدمة للوجوب او بالعكس كما لو توقف انقاذ الغريق على التصرف في زورق الغير فهنا حكمان هما وجوب انقاذ وحرمة التصرف في مال الغير لانه من مصاديق الغصب وصار الحرام مقدمة للواجب
الثالث : التزاحم لاجل اختلاف حكم المتلازمين كما اذا لزم من اكرام عالم اهانة عالم اخر كما يفعل الظالمون في الغالب لاجل التفرقة والعداوات بين الناس فيقع التزاحم بين الوجوب والحرمة
الرابع : التزاحم لاجل اتحاد حكم الشيء وحكم عدمه كصوم يوم عاشوراء لانطباق عنوانين عليه فالصوم مستحب لانه عبادة خصوصا اذا تضمن عنوان المواساة لسيد الشهداء واطفاله وعياله عليهم السلام الا انه صار الصوم في يوم عاشوراء علامة لفرح بني امية تشفياً من ال البيت عليهم السلام صار حراما او مكروهاً حسب الموارد
الخامس : التزاحم لاجل كون احد المتعلقين مترتباً في الوجود على الاخر وتفق عدم قدرة المكلف على اتيانهما معاً الا انه قادر على احدهما كالقيام في الركعة الاولى والثانية فان القيام الثاني مترتباً وجوداً على الاول ولا يقدر المكلف الا على القيام مرة واحدة لضعفه مثلا فهل يقوم في الاولى ويجلس في الثانية ام يجلس في فالاولى ويقوم في الثانية ؟
من كتاب فقه المصالح والمفاسد للشيخ فاضل الصفار
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
م/ فقه المصالح والمفاسد ((قاعدة التزاحم بين الاهم والمهم))
لعل المتتبع لابواب الفقه المختلفة من الطهارة الى الديات حسبما جرى عليه القدامى وكذلك الابواب الجديدة التي اضيفت الى الفقه اخيرا او يمكن ان تضاف كالسياسة والاجتماع والاقتصاد والاسرة والدولة ونحوها يجد مضافا الى الادلة الخاصة التي قامت عليها الاحكام المختلفة قانونا استثنائيا يحكم على الادلة ويتقدم عليها اذا حصل تدافع وتزاحم بين الموارد ذلك هو قانون الاهم والمهم .
فما من مورد تزاحم فيه حكمان او موضوعان وأحرز بينهما الاهم الاّ وتقدم على غيره ولعلنا يمكن ان نجزم ان ما من باب من ابواب الفقه الا ويجري فيه هذا القانون
كما ان ما من دليل ثانوي يتقدم علىالادلة الاولية الا ويخضع لهذا القانون ايضاً عند التعارض لذا فان قانون الاهم والمهم يتقدم على الادلة الاولية بل حتى على الادلة الثانوية كدليل (لاضرر ولا ضرار) و(لاحرج) اللذين يعتبران من اوسع الادلة الثانوية حكومة على غيرهما كما يعرف ذلك من الفقه .
مفردات القاعدة
تتضمن قاعدة التزاحم مفردات خمسة هي :
المصلحة والمفسدة والاهم والمهم والتزاحم , وفي لسان الفقهاء , والاصوليين ربما يعبر عن كل واحدة منها بلفظ يرادفها في المضمون العرفي وان افترق عنها في التدقيق اللغوي نظير المنفعة تطلق على الالمصلحة والمضرة والمضرة تطلق على المفسدة ...
والمراد من المصلحة هنا ما ينصرف الى الاذهان عرفاً وهو مافيه النفع والفائدة وهذا المعنى مأخوذ من اللغة والمفسدة ضدها كما يستفاد من بعض المصادر اللغوية .
وعليه فليس للفقهاء اصطلاح خاص للمصلحة والمفسدة سوى مالهما من المعنى اللغوي والعرفي فهي حقيقة عرفية عامة لا عرفية خاصة ولا حقيقة شرعية ولا متشرعية لكنمه عبروا في التزاحم بالمصلحة والمفسدة دون المنفعة والمضرة لجهة العمومية , فان المصلحة تعم وتشمل المنفعة المعنوية والمادية بخلاف المنفعة فانها تختص بالمادية ومثله يقال في المفسدة والمضرة وهذا لايمنع ان يراد من المنفعة ما يراد من المصلحة ومن المضرة ما يراد من المفسدة لانهما من قبيلالفقير والمسكين اذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا .
والمهم : هو الامر الشديد يقال هممت بالشيء اي ارته وقصته وعزمت عليه .
والاهم : الاكثر شدة سواء كانت الشدة في المصلحة او المفسدة .
والتزاحم : هو التدافع بين المصلحتين او المفسدتين او المصلح او المفسدة وعليه فاذا قيل بتزاحم المصلحة الاهم بغيرها يراد بها المصلحة الشديدة التي يحكم العقل بقبح تفويتها سواء بترك تحصيلها من حيث اجتناب الفعل او من حيث تحصيل المصلحة بواسطة الاتيان بالفعل الاقل اهمية , ومثله يقال في المفسدة , وبذلك نعرف وجه الحكم بلزوم ترجيح الاهم على المهم .
تاريخ القاعدة
ان اصطلاح (الاهم والمهم) واطلاقه على هذه القاعدة يبدو انه جديد راج استعماله عند متاخري المتاخرين والمعاصرين كما يظهر لمن راجع مثل (الجواهر) و(العروة) وشروحها وتعليقاتها مثل (مستمسك) السيد الحكيم و(تنقيح) السيد الخوئي و(مهذب) السيد السبزواري( وفقه) السيد الكلبايكاني (والفقه) للسيد الاستاذ قدست اسرارهم وغيرهم , لم نعثر على تعبير بذلك عند المتاخرين فضلا عن القدامى .
نعم عبروا عن ذلك بالمصلحة والمفسدة كما ورد في عبارة ابن ادريس قد في (السرائر) في احكام الاموات والمحقق قد في (الشرائع) في باب مورد عزل القاضي وكما ستعرف ذلك من كلمات العلامة قد المتوفي (736) هـ في (الارشاد) والمقدس الاردبيلي قد في (مجمع الفائدة والبرهان) ...ولعل اقدم ماعثر عليه في تعبير عن القاعدة المذكورة بالاهم والمهم ما ورد في كلمات الفاضل المقداد قد في كتاب ( نضد القواعد) في باب تعارض المصلحة والمفسدة بين تطبيق الحدود الشرعية بما فيها من الاهم وبين تركها الموجب للمفسدة الاعظم وباب تعارض امر المصلي بين الصلاة باللباس النجس او الصلاة مكشوف العورة قال: ((فان فيه مفسدة لما فيه من الاخلال بتعظيم الله في انه لا يناجى على تلك الاحوال ,الا ان تحصيل الصلاة اهم )) .
وبعده وردفي كلمات صاحب( هداية المسترشدين) المتوفي سنة(1248) هـ في بحث الترتيب ثم في كلمات صاحب (الجواهر) في باب اللقطة والشيخ الانصاري قد في المكاسب في باب مفسدة تولي الولاية للظالمين ومزاحمتها مع مصلحة التولي لقضاء حوائج العباد ثم من تاخر عنه الى يومنا هذا , ولا ضير في ذلك ,لان هذا شأن التطور في العلوم وتكامل نظرياتها فكم من اصطلاح كان معروف سابقاً ثم تبدل كالحكم الظاهري الذي كان يقول به القدامى ثم تبدل عند المتاخرين والمعاصرين الى التنجيز والاعذار لانهم رأوأ ان الحكم الالهي واحد هو الواقع ,والطرق والامارات اما تصيبه فيتنجز او تخطئه فيكون المكلف معذوراً , وكذا مصطلح الاصل والمارة وتفريق الامارة الى امارة وطريق استحدث لم يكن معروفاً سابقاً .
وكم من اصطلاح متفق عليه بين القدماء والمتاخرين ولكن اختلفوا في مضمونه كالصحيح الذي جعل معياراً لاعتبار الخبر عند القدامى والصحيح عند المتاخرين والحكومة والورود حيث استحدث في زمان الشيخ قد والتزم به من جاء بعده وميزوهما عن التخصيص والتخصص ,اللذين التزم بهما القدماء واطلقوهما على كل دليل يخصص غيره , واطلقوا على ما يخصص الحكم اسم التخصيص سواء كان بعناية التعبد او لا . واطلقوا على ما يخصص الموضوع اسم التخصيص سواء كان بعناية التعبد او لا وكذا الاجتهاد والتقليد في الفقه , فهو باب مستحدث عند المتاخرين لعدم حاجة القدامى الى ذلك بالمعنى المتعارف عليه اليوم , لذا خلت الكتب المتقدمة عنه ك (المقنعة) و(الخلاف) و(المبسوط) و(السرائر) و(الشرائع) و(اللمعة) وغيرها .
نعم , كانوا يتعرضون لبعض فروع ذلك في باب القضاء خصوصاً وان عدم وجود الاصطلاح لا يعني عدم وجود المسألة في كلماتهم كما يظهر للمتتبع للفتاوى والكلمات في الكتب المفصلة نعم ربما لم تكن السألة متبلورة عندهم بهذه الدرجة من الوضوح التي باتت من بديهيات الفقه التي لا يغفل عنها فقيه ,ولا يخلوا منها كتاب فقه اليوم ولكن اذا راجع الباحث الفتاوى يجد انهم يفتون بتقديم الاهم على المهم عند التمانع في مقام الامتثال , ويعبرون عن ذلك بالمصلحة او دفع المفسدة ونحو ذلك , وحيث ان اختلاف الاصطلاح لا يضر في المضمون شيئأً فالتوقف عنده ليس من شأن الفقيه .
تجديد المصطلح
قد يرى البعض افضلية جعل عنوان القاعدة هو (التزاحم) كما صنع الاصوليون بلحاظ ان التزاحم يشمل ملاكات القاعدة التي هي عبارة عن
1 احراز الاهمية
2 احراز محتمل الاهمية
3 عدم احراز الاهمية
4 احراز التساوي في المصالح والمفاسد
ومن الواضح ان الحكم في الاول والثاني هو التقديم على قول بينما الثالث والرابع هو التخيير وهذا ما يجمعه عنوان التزاحم بخلاف ما اذا جعل العنوان (الاهم والمهم) لانه يشير الى الجهة الاولى فقط .
ولكن الظاهر ان جعل العنوان ذلك لا يضر بالمسالة ولا يخل بالملاكات , لان الاهم والمهم عنوان واسع يدخل تحته ما احرز اهميه وما احتملت اهميه ومالم يحرز وما احرز عدمه , مضافا الى وجود ما يرجح هذا العنوان وهو ان التزاحم في مرحلة قبل العمل في الرتبة الطولية بخلاف الاهم والمهم فانه في رتبة الامتثال وهي التي تهم المكلف حين العمل وكيف كان فان جعل العنوان ((التزاحم)) او ((الاهم والمهم)) لا يغير في المعادلة شيئاً فبأي اخذنا يكفي ويجزي .
المصطلح الفقهي للقاعدة
اتفقت كلمة الاصوليين على التعبير عن هذا المضمون في الاصول باسم التزاحم وتعرضوا له في بحث الضد وتعارض الادلة والدوران ان المحذورين وميزوه عن التعارض ... ولكن في الفقه قد يعبرون عنه بالتزاحم وقد يعبرون عنه بالاهم والمهم والكل يشير الى معنى واحد وهو صورة تعرّض المكلف لحكمين ملاكهما تامان لكنه لا يقدر على الجمع بينهما في مقام الامتثال فيحكمون بتقديم الاهم منها على المهم عند وجود الاهم او احتمال الاهمية وبالتخيير عند عدمهما .
واما السؤال فيمن الذي يحدد الاهم والمهم فهذا ما سنعرض له ان شاء الله في البحوث القادمة
تأصيل المصطلح
ربما لم يرد التعبير بلفظ (الاهم و المهم) كثيرا في الايات والروايات التي وردت بشأن بيان الاحكام الا ان التأمل والتحليل لجملة منها يوصلنا الى ان روح الكثير من تلك الادلة هو الاهم والمهم ولعل هذا يفسر ايضاً سر عدم وجدان هذا الاصطلاح عند القدامى اذ انهم لم يعثروا عليه في الادلة الخاصةلما جرت عليه عادتهم من استنباط الاصطلاحات العلمية من الادلة ولكن حيث ان الامر اتضح اكثر عند المتاخرين والمعاصرين وارادوا تعبيراً مختصراً وجامعا مانعاً يدل على حكم المسالة فاصطلحوا ذلك لانه يعبر عن وجه التقديم وسره عند التدافع والتزاحم .
اهمية القاعدة
لعل من الضروري التعرض لبعض الادلة الشرعية التي تضمّن الاهم والمهم لبيان اهمية الموضوع وانه السر الذي يقف وراء الكثير من الاحكام والتشريعات الاسلامية وللدلالة ايضا على فطرية تشريعات الاسلام ومنطقيتها وتوافقها مع العقل والاحكام العقلائية الصحيحة
فنقول: هناك جملة من الادلة والقواعد الشرعية ترجع في محصلتها الى الاهم والمهم او تكون من صغرياتها لان الشارع لاحظ فيها التسهيل على المكلفين والسير والرحمة بهم او اللطف المقرب لهم الى الطاعة والمبعد عن المعصية امتناناً لانها اهم في قبال التشديد عليهم وايقاعهم في مشقة الا لزامات العسيرة والمجهدة
منها : ادلة الامارات والظنون الخاصة التي قام الدليل على اعتبارها كالخبر الواحد فان عمدة الفقه يقوم على اخبار الاحاد فان جعل الشارع الحجية له مع انه من الظنون لمصلحة التسهيل التي هي اهم وذلك لانه لولا ذلك لدار الشارع بين امور
أ ان يوجب العباد تحصيل العلم بالاحكام وهو منحصر بالعلم الوجداني والاخبار المتواترة والاخبار المحفوفة بالقرائن لاقطعية .
ب ان لايكلفهم بشيء فيفوّت عليهم الكثير من الصالح الواقعية والمخالفات الولوية
ج ان يكلفهم بالعمل بالظنون الخاصة .
ومن الواضح ان العلم متعذر الحصول غالباً بل مواردة قليلة عادة لا تستوعب كل المسائل التي يحتاجها العباد في مقام العمل فيلزم التكليف بغير المقدور في كثير الاحيان , والمخالفة خروج عن غرض التشريع في كثير من الوارد واختلال النظام ونق للغرض في كثير من الموارد الاخرى فلم يبق الا العمل بالظن الخاص لانه الحل الامثل الذي تقتضيه الحكمة لانه يجمع بين طاعة المولى وإيصال العباد الى المصالح الواقعية او الجعلية السلوكية وعدم الوقوع في العسر والحرج والمشقة ونحوها .
... ومنها : إيجاب الشارع العمل بالبينات والايمان وظاهر الحال واصالة الصحة في فعل المسلم وقول ذي اليد ونحو ذلك في باب القضاء وذلك دفعا للهرج والمرج واختلال النظام فانه لو اوجب العلم في ذلك والاخذ بالواقع لم يقم للمسلمين سوق ولا يمكن فصل الخصومات ولأوجب العراك والتخاصم في كثير من الموارد مع ان الواقع هو المطلوب اولا وبالذات فحيث ان المكلفين لا يقدرون على الوصول اليه في الغالب لعجزهم وجهلهم فيبقى ان يكلفهم بالعلم وهو مشقة وتكليف بغير المقدور او يجيز لهم الترك وفيه تفويت الكثير من المصالح الواقعية وايقاعهم في الكثير من المفاسد مضافاً الى نقض الغرض او يعتبر الطريق الظني حجة شرعاً عليهم وتكليفهم بالعمل بها لايجاد الامن وإيصال الحقوق لاهلها ولو بحسب الظاهر ...
ومنها : رافعية الادلة الثانوية وسائر الادلة الامتنانية للتكاليف الاولية كأدلة رفع الضرر والعسر والحرج فان الشارع كان يمكنه إيجاب كل لك عليهم مادام في دائرة الوسع والطاقة كالوضوء الضرري والصوم والحج الضرريين وكذا في الغسل الحرجي ونحو ذلك من التكاليف ولا يلزم منه محذور عقلي لان المحال العقلي هو التكليف بغير المقدور ...
ومنها : ادلة البراءة والفع للخطأ والنسيان والجهل والاضطرار ورفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ونحو ذلك وكان بامكان الشارع ان يوجب الاحتياط في موارد الجهل بالتكليف او يوجب عليهم تحصيل العلم وكلاهما عير وتضييق , فرفعها الشارع لاهمية التسهيل والامتنان عليهم من الاحتياط والالزام والامارات القائمة على الاحكام والموضوعات كل ذلك لاهمية التسهيل على غيره .
والخلاصة
ان الاهم والمهم هو الروح التي تقف وراء الكثير من الادلة الشرعية وليس احكامها فقط , وهو يكفي لاثبات شرعيتها وإمكان التمسك بها في مقام الفتوى , فكيف وقد قامت الادلة النقلية والعقلية عليها ...
منشاة التزاحم
ان التزاحم الاحكام يمكن ان تنشاة من اسباب ثلاث هي :
1 تزاحم المصالح والمفاسد
2 تزاحم الاغراض
3 تزاحم الملاكات والاغراض
توضيحه : ان جعل الاحكام الشرعية لا تخلوا من طريقين
احدهما : الجعل على نحو الطريقية فتكون تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية في متعلقاتها كما هو مشهور والمنصور
ثانيهما : الجعل على نحو السببية وحينئذ تكون الامارة الدالة على الحكم لها سببية لحدوث مصلحة في مقابل مصلحة الواقع
وتزاحم الاحكام بنحو مطلق اما ينشأ من تزاحم المصالح والمفاسد وهو على ثلاثة انحاء هي تزاحم المصلحتين او المفسدتين او المصلحة والمفسدة
مثال الاول : تزاحم الصلاة او ازالة النجاسة من المسجد
مثال الثاني : تزاحم مفسدة اضرار النفس وإتلاف المال كما لو تعرضت داره للاحراق فاذا دخلها لانقاذ المال من التلف عرّض نفسه للضرر بالنفس مفسدة كما ان تلف المال مفسدة
مثال الثالث : تزاحم مصلحة الانفاق ومفسدة الاسراف فان الانفاق المفرط حرام لانه إسراف قال الله تعالى ((ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً )) الاية
وقال ايضاً ((وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة ))
اصناف التزاحم : ان المتتبع لكتب الفتاوى خصوصا العروة وشروحها وتعليقاتها
يجد ان هناك الكثير من الموارد التي افتوا فيها طبق قانون التزاحم وهي حسب الاستقراء على اصناف عدة لكن الميرزا النائيني قد استقرا بعض الموارد وجعلها خمسة
الاول : التزاحم لاجل اتخاذ متعلق الحكمين اتخاذا انضمامياً لا اتحادياً اتفاقياً كمافي باب اجتماع الامر والنهي فانه وان كان متعلق الامر عنواناً ومتعلق النهي عنوانا اخر الا انهما اجتمعا في مورد واحد كالصلاة في الدر المغصوبة والغسل بالماء المغصوب فحينئذ الوجوب يقتضي الصلاة والغسل والحرمة تقتضي عدمهما فيتخالفان من حيث ان كل منها يصرف قدرة المكلف الى متعلقه ويمنعه من الاتيان بالاخر مع ان الملاك في كليهما موجود وقلنا اتخاذا انضماميا لصدق التزاحم حينئذ اما اذا كان اتحاديا كالجنس والفصل فانه حينئذ يصبح من صغريات باب التعارض ويخرج عن محل الكلام
الثاني : التزاحم بين المقدمة وذي المقدمة كما اذا صار الحرام مقدمة للوجوب او بالعكس كما لو توقف انقاذ الغريق على التصرف في زورق الغير فهنا حكمان هما وجوب انقاذ وحرمة التصرف في مال الغير لانه من مصاديق الغصب وصار الحرام مقدمة للواجب
الثالث : التزاحم لاجل اختلاف حكم المتلازمين كما اذا لزم من اكرام عالم اهانة عالم اخر كما يفعل الظالمون في الغالب لاجل التفرقة والعداوات بين الناس فيقع التزاحم بين الوجوب والحرمة
الرابع : التزاحم لاجل اتحاد حكم الشيء وحكم عدمه كصوم يوم عاشوراء لانطباق عنوانين عليه فالصوم مستحب لانه عبادة خصوصا اذا تضمن عنوان المواساة لسيد الشهداء واطفاله وعياله عليهم السلام الا انه صار الصوم في يوم عاشوراء علامة لفرح بني امية تشفياً من ال البيت عليهم السلام صار حراما او مكروهاً حسب الموارد
الخامس : التزاحم لاجل كون احد المتعلقين مترتباً في الوجود على الاخر وتفق عدم قدرة المكلف على اتيانهما معاً الا انه قادر على احدهما كالقيام في الركعة الاولى والثانية فان القيام الثاني مترتباً وجوداً على الاول ولا يقدر المكلف الا على القيام مرة واحدة لضعفه مثلا فهل يقوم في الاولى ويجلس في الثانية ام يجلس في فالاولى ويقوم في الثانية ؟
من كتاب فقه المصالح والمفاسد للشيخ فاضل الصفار