وحدة الوجود
في كلمات السيد الخوئي(قدس سره)
في كلمات السيد الخوئي(قدس سره)
ان القائل بوحدة الوجود ان اراد ان الوجود حقيقة واحدة ولا تعدد في حقيقته وانه كما يطلق على الواجب كذلك يطلق على الممكن فهما موجودان وحقيقة الوجود فيهما واحدة والاختلاف انما هو بحسب المرتبة لان الوجود الواجبي في أعلى مراتب القوة والتمام، والوجود الممكني في انزل مراتب الضعف والنقصان وان كان كلاهما موجودا حقيقة وأحدهما خالق للاخر وموجد له فهذا في الحقيقة قول بكثرة الوجود والموجود معا. نعم حقيقة الوجود واحدة فهو مما لا يستلزم الكفر والنجاسة بوجه بل هو مذهب اكثر الفلاسفة بل مما أعتقده المسلمون وأهل الكتاب ومطابق لظواهر الآيات والادعية فترى انه - ع - يقول أنت الخالق وأنا المخلوق وانت الرب وانا المربوب ، وغير ذلك من التعابير الدالة على ان هناك موجودين متعددين أحدهما موجد وخالق للآخرويعبر عن ذلك في الاصطلاح بالتوحيد العامي.
وان أراد من وحدة الوجود ما يقابل الاول وهو أن يقول بوحدة الوجود والموجود حقيقة وانه ليس هناك في الحقيقة إلا موجود واحد ولكن له تطورات متكثرة واعتبارات مختلفة لانه في الخالق خالق وفي المخلوق مخلوق كما انه في السماء سماء وفي الارض أرض وهكذا وهذا هو الذي يقال له توحيد خاص الخاص وهذا القول نسبه صدر المتألهين إلى بعض الجهلة من المتصوفين - وحكي عن بعضهم انه قال: ليس في جبتي سوى الله - وانكر نسبته إلى أكابر الصوفية ورؤسائهم، وانكاره هذا هو الذي يساعده الاعتبار فان العاقل كيف يصدر منه هذا الكلام وكيف يلتزم بوحدة الخالق ومخلوقه ويدعي اختلافهما بحسب الاعتبار؟! وكيف كان فلا إشكال في ان الالتزام بذلك كفر صريح وزندقة ظاهرة لانه إنكار للواجب والنبي - ص - حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق حينئذ الا بالاعتبار وكذا النبي - ص - وابو جهل - مثلا - متحدان في الحقيقة على هذا الاساس وانما يختلفان بحسب الاعتبار.
وأما إذا اراد القائل بوحدة الوجود ان الوجود واحد حقيقه ولا كثرة فيه من جهة وانما الموجود متعدد ولكنه فرق بين موجودية الوجود وبين موجودية غيره من الماهيات الممكنة لان اطلاق الموجود على الوجود من جهة انه نفس مبدء الاشتقاق. واما اطلاقه على الماهيات الممكنة فانما هو من جهة كونها منتسبة إلى الموجود الحقيقي الذي هو الوجود لا من أجل انها نفس مبدء الاشتقاق ولا من جهة قيام الوجود بها، حيث ان للمشتق اطلاقات فقد يحمل على الذات من جهة قيام المبدء به كما في زيد عالم أو ضارب لانه بمعنى من قام به العلم أو الضرب. وأخرى يحمل عليه لانه نفس مبدء الاشتقاق كما عرفته في الوجود والموجود. وثالثة من جهة اضافته إلى المبدء نحو اضافة وهذا كما في اللابن والتامر لضرورة عدم قيام اللبن والتمر ببايعهما إلا ان البايع لما كان مسندا ومضافا اليهما نحو اضافة - وهو كونه بايعا لهما - صح اطلاق اللابن والتامر على بايع التمر واللبن، واطلاق الموجود على الماهيات الممكنة من هذا القبيل، لانه بمعنى انها منتسبة ومضافة إلى الله سبحانه باضافة يعبر عنها بالاضافة الاشراقية فالموجود بالوجود الانتسابي متعدد والموجود الاستقلالي الذي هو الوجود واحد. وهذا القول منسوب إلى أذواق المتألهين فكأنّ القائل به بلغ أعلى مراتب التأله حيث حصر الوجود بالواجب سبحانه ويسمى هذا توحيدا خاصيا. ولقد اختار ذلك بعض الاكابر ممن عاصرناهم وأصر عليه غاية الاصرار مستشهدا بجملة وافرة من الآيات والاخبار حيث انه تعالى قد اُطلق عليه الموجود في بعض الادعية.بقي هناك احتمال آخر وهو ما إذا أراد القائل بوحدة الوجود( وحدةالوجود والموجود في عين كثرتهما) فيلتزم بوحدة الوجود والموجود وانه الواجب سبحانه إلا ان الكثرات ظهورات نوره وشئونات ذاته وكل منها نعت من نعوته ولمعة من لمعات صفاته ويسمى ذلك عند الاصطلاح بتوحيد أخص الخواص وهذا هو الذي حققه صدر المتألهين ونسبه إلى الاولياء والعرفاء من عظماء أهل الكشف واليقين قائلا: بان الآن حصحص الحق واضمحلت الكثرة الوهمية وارتفعت أغاليط الاوهام. إلا انه لم يظهر لنا - إلى الآن – حقيقة ما يريدونه من هذا الكلام.
وكيف كان القائل بوحدة الوجود - بهذا المعنى الاخير - ايضا غير محكوم بكفره ولا بنجاسته مادام لم يلتزم بتوال فاسدة من انكار الواجب أو الرسالة أو المعاد. (شرح العروة الوثقى ج3ص81ـ83الطهارة) بتصرف(المكتبة الشاملة)
تتمة
ذكر سماحة السيد الخوئي (قدس سره) في رسالة (الارث)في باب موانع الارث،وأن من جملتها الكفر، فقال:وكذا يحكم بكفر بعض الفرق المنتسبين الى الاسلام اذا رجعت عقائدهم الى انكار الالوهية والخلق ،او النبوة او المعاد ،كالقائلين بوحدة الوجود من الصوفية،الظاهر ذلك من أشعارهم،بل من متونهم ،كما في عبارة محيي الدين بن العربي التي هي((الحمد لله الذي خلق الاشياء وهوعينها)) ـ الفتوحات المكية ـ الدال على وحدة الوجود،فاذا لوحظت المراتب فيكون خلقا،واذا لغيت فهو نفس الخالق ،فالواجب والممكن عندهم موجود واحد،وانما يختلف بالاعتبار،فباعتبار حدّه هو ممكن ،ومع ألغاء الحد هو واجب،وهو راجع في الحقيقة الى انكار الخالق،ويحتمل أن يكون هذا هو المراد من أشعار بعضهم، التي معناها أنه لافرق بين موسى وفرعون الا بالحد ،فاذا لغي الحد فموسى وفرعون شىء واحد. (رسالة في الارث،المطبوع في كتاب (مجمع الرسائل) للسيد الخوئي (قدس سره)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين