صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية
خلافة الإمام الحسن (ع) :
بعد استشهاد الإمام علي (ع) بويع الإمام الحسن بالخلافة في الكوفة. مما أزعج معاوية فبادر إلى وضع الخطط لمواجهة الموقف. وأرسل الجواسيس إلى الكوفة والبصرة. وأدرك الإمام الحسن (ع) أبعاد المؤامرة، وكشف الجواسيس، فأرسل إلى معاوية يدعوه إلى التخلّي عن انشقاقه. وأرسل معاوية رسالة جوابية يرفض فيها مبايعة الحسن (ع)، وتبادلت الرسائل بين الإمام ومعاوية، وتصاعد الموقف المتأزّم بينهما حتى وصل إلى حالة إعلان الحرب .
فراح الامام الحسن عليه السلام يهيأ ما استطاع من قوة ومن رباط الخيل ليرهب به عدوا الله معاوية ، ولكن سرعان ما دارة الدوائر بالامام من مؤامرات وخيانات أضطرت الامام الى قبول بالصلح .
ولربما سائل يسأل ؟ ما هي فلسفة هذا الصلح بين إمام معصوم وطاغية جائر ؟ والجواب على هذا السؤال يتطلَّب مقدمات :
الأولى: إنَّ الصلح ليس أمراً سيِّئاً دائماً ولا الحرب هو حسناً دائماً ، كيف ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد صالح المشركين ؟!
الثاني: لا شك أن الإمام الحسن عليه السلام لم يكن خائفاً بل هو الذي كان يقود الجيش . كما أنَّ قتاله مع معاوية في صفين رغم صغر سنِّه أدلّ دليل على شجاعته.
الثالث والاهم : ان العارف لحقيقة الإمامة لا مجال له أن يطرح مثل هذه التساؤلات أصلاً ، بل كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم "هما إمامان إن قاما وإن قعدا" فالامام مفترض الطاعة وليس لنا الا التسليم له . فما فعله الإمام المعصوم هو عين الحق والصواب فهو الحجَّة على العباد .
بعد هذه المقدمات نقول مما لا شك فيه أنه لا بد من أسباب دفعت الامام الى الصلح ، سنذكرها لاحقاً ، لكن بشكل عام كان واقع الامة بشكل عام والجيش بشكل خاص واقع ممزق . فوجد الإمام (ع) أن المصلحة العليا تقتضي مصالحة معاوية حقناً للدماء وحفظاً لمصالح المسلمين . ولأن اختيار الحرب لا تعدو نتائجه عن أحد أمرين :
1- إمَّا قتل الإمام (عليه السلام) والثلّة المخلصة من أتباع ابيه امير الؤمنين عليه السلام .
2- وأما حمله أسيراً ذليلاً إلى معاوية .
فعقد الامام مضطرا مع معاوية صلحاً وضع هو شروطه بغية أن يحافظ على شيعة أبيه ، وترك المجال للمسلمين ليكتشفوا حقيقة معاوية فيما بعد بأنفسهم . وهذا ما حصل فعلا ليتسنى للحسين (عليه السلام) فيما بعد مقاتلة يزيد بن معاوية وكشف الغطاء عن بني أمية وتقويض دعائم ملكهم .
أسباب الصلح مع معاوية:
وسار الإمام الحسن (عليه السلام) بجيش كبير حتى نزل في موضع متقدم عرف ب"النخيلة" فنظم الجيش ورسم الخطط لقادة الفرق. ومن هناك أرسل طليعة عسكرية في مقدمة الجيش على رأسها عبيد الله بن العباس وقيس بن سعد بن عبادة كمعاون له. ولكن الأمور ومجريات الأحداث كانت تجري على خلاف المتوقع. فقد فوجئ الإمام (عليه السلام) بالمواقف المتخاذلة والتي أهمها :
1- خيانة قائد الجيش عبيد الله بن العباس الذي التحق بمعاوية لقاء رشوة تلقاها منه .
2- خيانة زعماء القبائل في الكوفة الذين أغدق عليهم معاوية الأموال الوفيرة فأعلنوا له الولاء والطاعة وعاهدوه على تسليم الإمام الحسن له .
3- قوّة جيش العدو في مقابل ضعف معنويات جيش الإمام الذي كانت تستبد به المصالح المتضاربة . ولقد قسّم المؤرّخون جيش الإمام الحسن(عليه السلام) إلى الأقسام التالية:
أ: الشيعة المخلصون الذين اتّبعوه(عليه السلام) لأداء واجبهم الديني وإنجاز مهمّتهم الإنسانية، وهم قلّة.
ب: الخوارج الذين كانوا يريدون محاربة معاوية والحسن(عليه السلام)، فالآن وقد سنحت الظروف فليحاربوا معاوية حتّى يأتي دور الحسن (عليه السلام).
ج: أصحاب الفتن والمطامع، الذين يبتغون من الحرب مَغنماً لدنياهم .
ء: شكّاكون لم يعرفوا حقيقة الأمر من هذه الحرب، يميلون حيث تميل الريح .
هـ: أصحاب العصبية، الذين اتّبعوا رؤساء القبائل، على استفزازهم لهم على حساب القبيلة، والنوازع الشخصية.
هذه هي العناصر الأساسية للجيش، وهي طبعاً لا تفي لإنجاز المهمّة التي تكون من أجلها، حيث إنّ الحرب تريد الإيمان والوحدة والطاعة.
4- محاولات الاغتيال التي تعرض لها الإمام (ع) في الكوفة .
5- الدعايات والإشاعات التي أخذت مأخذاً عظيماً في بلبلة وتشويش ذهنية المجتمع العراقي . فضلا عن المرض الذي كانت الاُمّة مبتلاة به، وهو مرض الشكّ؛ إذ كانت الاُمّة تشكّ في طبيعة الصراع الذي كان ناشباً بين الإمام الحسن ومعاوية، وتتصوّره صراعاً من أجل حيازة السلطة، وليس صراعاً بين الحقّ ممثّلاً بالإمام الحسن وبين الباطل ممثّلاً بمعاوية بن أبي سفيان .
بنود الصلح:
أقبل عبد الله بن سامر الذي أرسله معاوية إلى الإمام الحسن (عليه السلام) حاملاً تلك الورقة البيضاء المذيّلة بالإمضاء وإعلان القبول بكل شرط يشترطه الإمام (عليه السلام) وتمّ الاتفاق . وأهم ما جاء فيه :
1 - أن يعمل معاوية بكتاب الله وسُنَّة رسوله ، وسيرة الخلفاء الصالحين .
2 - ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً بل يكون الأمر من بعده له ( عليه السلام ) ثم لأخيه الحسين ( عليه السلام ) .
3 - الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله ، في شَامِهِم ، وعِرَاقِهم ، وحِجَازهم ، ويَمَنِهم .
4 - أنَّ أصحاب عليٍّ وشيعته آمنون على أنفسهم ، وأموالهم ، ونسائهم ، وأولادهم .
5 - أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله ( صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ) غائلة ، لا سِرّاً ولا جهراً ، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق .
وبهذا تم الصلح الذي كشف فيما بعد مكر معاوية بن ابي سفيان وغدره
شكرا لمروركم