إمام الزمان
إنّه لابدّ في كلّ زمان من إمام يعتقد به الناس أي المسلمون، ويقتدون به،
ويجعلونه حجة بينهم وبين ربهم، وذلك لقوله تعالى
(لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّة)سورة النساء 165
و(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَة وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة)سورة الانفال42
و(قُلْ فَلِلّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ) .سورة الانعام 149.
ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في نهج البلاغة: «اللهمّ بلى لا تخلو الارض من
قائم لله بحجّة إمّا ظاهراً مشهوراً وإمّا خائفاً مغموراً، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته».(3) نهج البلاغة 3/188 رقم 147.
والروايات الواردة في هذا الباب أيضاً كثيرة، ولا أظنّ أنّ أحداً يجرأ على المناقشة في
أسانيد هذه الروايات ومداليلها، إنّها روايات واردة في الصحيحين، وفي المسانيد،
وفي السنن، وفي المعاجم، وفي جميع كتب الحديث، والروايات هذه مقبولة عند
الفريقين.فقد اتفق المسلمون على رواية: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة
جاهليّة».
هذا الحديث بهذا اللفظ موجود في بعض المصادر، وقد أرسله سعد الدين التفتازاني
إرسال المسلّم، وبنى عليه بحوثه في كتابه شرح المقاصد .شرح المقاصد 5/239 وما بعدها.
ولهذا الحديث ألفاظ أُخرى قد تختلف بنحو الاجمال مع معنى هذا الحديث، إلاّ أنّ جميع
هذه الالفاظ لابدّ ترجع إلى معنى واحد، ولابدّ أن تنتهي إلى مقصد واحد
يقصده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فمثلاً في مسند أحمد: «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية»مسند أحمد 5/61 رقم 16434.
وكذا في عدّة من المصادر: كمسند أبي داود الطيالسي مسند أبي داود الطيالسي: 259 ـ دار المعرفة ـ بيروت.
وصحيح ابن حبّان1418 هـ، وفيه: «من مات وليس له إمام».،
والمعجم الكبير للطبراني، المعجم الكبير للطبراني 19/388 رقم 910. وغيرها.
وعن بعض الكتب إضافة بلفظ: «من مات ولم يعرف إمام زمانه فليمتْ إن شاء يهودياً وإن
شاء نصرانياً»، وقد نقله بهذا اللفظ بعض العلماء عن كتاب المسائل الخمسون للفخر
الرازي.
وله أيضاً ألفاظ أُخرى موجودة في السنن، وفي الصحاح، وفي المسانيد أيضاً،
نكتفي بهذا القدر، ونشير إلى بعض الخصوصيات الموجودة في لفظ الحديث:
«من مات ولم يعرف»، لابدّ وأنْ تكون المعرفة هذه بمعنى الاعتقاد أو مقدمة للاعتقاد،
«من مات ولم يعرف» أي: من مات ولم يعتقد بإمام زمانه، لا مطلق إمام الزمان،
بإمام زمانه الحق، بإمام زمانه الشرعي، بإمام زمانه المنصوب من قبل الله تعالى.
«من مات ولم يعرف إمام زمانه» بهذه القيود «مات ميتة جاهلية»، وإلاّ لو كان المراد
من إمام الزمان أيّ حاكم سيطر على شؤون المسلمين وتغلَّب على أُمور المؤمنين،
لا تكون معرفة هكذا شخص واجبة، ولا يكون عدم معرفته موجباً للدخول في النار،
ولا يكون موته موت جاهلية، هذا واضح.إذن، لابدّ من أن يكون الامام الذي تجب معرفته
إمام حق، وإماماً شرعياً،
فحينئذ، على الانسان أن يعتقد بإمامة هذا الشخص، ويجعله حجةً بينه وبين ربّه،
وهذا واجب، بحيث لو أنّه لم يعتقد بإمامته ومات،
يكون موته موت جاهلية، وبعبارة أُخرى: «فليمت إنْ شاء يهودياً وإنْ شاء نصرانياً».
وذكر المؤرخون: أنّ عبدالله بن عمر، الذي امتنع من بيعة أمير المؤمنين سلام الله عليه،
طرق على الحجّاج بابه ليلاً ليبايعه لعبد الملك،
كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام، وكان قصده من ذلك هو العمل بهذا الحديث كما قال،
فقد طرق باب الحجّاج ودخل عليه في تلك الليلة وطلب منه أن يبايعه قائلاً:
سمعت رسول الله يقول: «من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية»،
لكن الحجّاج احتقر عبدالله بن عمر، ومدّ رجله وقال: بايع رجلي،
فبايع عبدالله بن عمر الحجّاج بهذه الطريقة.
وطبيعي أنّ من يأبى عن البيعة لمثل أمير المؤمنين (عليه السلام)
يبتلي في يوم من الايّام بالبيعة لمثل الحجّاج وبهذا الشكل.
فقضية وجوب معرفة الامام في كلّ زمان والاعتقاد بإمامته والالتزام ببيعته أمر مفروغ منه
ومسلّم، وتدلّ عليه الاحاديث، وسيرة الصحابة، وسائر الناس، إذن الذي ينكر امام زمانه
ناكر لأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وناكر لسيرة الصحابة
جعلنا الله واياكم من العارفين والمتمسكين بالامام الحق
كي تنالنا شفاعته يوم الوعد الموعود
المصدر الامام المهدي - السيد علي الحسيني الميلاني