إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الطفل الرضيع (عليه السلام)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الطفل الرضيع (عليه السلام)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
    الطفل الرضيع (عليه السلام) مأساة ليس بعدها مأساة
    إن النفس الإنسانية يمكن تربيتها وترويضها وتهذيبها حتى تصل إلى أعلى مراحل السمو والرفعة , بحيث تكون مستعدة للتضحية بكل شيء في سبيل المبادئ , بل يمكن أن تصل إلى مرحلة تكون مستعدة للإزهاق والتلف من أجل الحق , لأنها لا ترى الحياة ذات قيمة من دون سيادة الحق . فهذه النفس – في الواقع – تضحي من أجل الآخرين , لأن المبادئ لا تتواجد بذاتها في الخارج , وإنما تتواجد في نفوس أناس يحملونها , فحينما يضحي شخص من أجل المبادئ فهو في الحقيقة يضحي من أجل الآخرين الذين سيبقون ليحملوا تلك المبادئ والقيم .
    وكما أن النفس يمكن تربيتها وترويضها وتهذيبها حتى تصل إلى أعلى الدرجات وتزكو وتسمو وتطمئن وتتعلق بقدس الله سبحانه , كذلك نستطيع أن نحول هذه النفس عينها إلى كتلة من الشر والحقد والأنانية , يمكن أن نحولها إلى مستعرةٍ مستعدةٍ لأن تحرق الكون في سبيل تحقيق غاياتها الدنيئة , ولعلنا مررنا في تاريخنا القديم والمعاصر على نماذج من النوع الثاني ولو دققنا النظر في شخصية هؤلاء لو جدنا أنهم إما أبناء حرام أو أبناء شوارع , فالمشكلة إما في النطفة وإما في التربية أو فيهما معاً .
    ولكن ماذا سيحصل لو أن الله سبحانه وتعالى ابتلى صاحب النفس القدسية التي وصلت إلى أعلى مراحل الإيمان والاطمئنان بصاحب النفس الخبيثة الشريرة المجرمة التي انحطت إلى أدنى درجات الانحطاط والسفالة ؟
    لاشك أن الأول سيضحي في سبيل مبادئه وقيمه بكل شيء يستطيع التضحية به حتى آخر قطرة من دمه . وهكذا كان الحسين ( عليه السلام ) , فقد ابتلي بأوباشٍ أوغادٍ نزعت الرحمة والإنسانية والشفقة من قلوبهم , فلم يتورعوا عن ارتكاب أبشع الجرائم . لقد طال عليهم الأمد فقست قلوبهم , حتى غدت كالحجارة أو أشد قسوة , والسبب في ذلك أن بطونهم ملئت من الحرام وطبع على قلوبهم , واستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله العظيم .
    لعل من أقسى الصور التي التقطت يوم الطف صورة ذلك الطفل الرضيع الذي ذبح صبراً على صدر والده .
    إن كل ضمير حي لابد أن يسأل : ما ذنبه ياترى ؟ وما هي الجريرة التي ارتكبها ؟ لقد اهتز العالم بأسره لصورة حكت عن مقتل صبي في حجر أبيه , فكيف بطفل رضيعٍ عمره ستة أشهر ؟
    أقبل الحسين ( عليه السلام ) نحو أخته أم كلثوم (عليها السلام) وقصده أن يوصيها بولده الرضيع , لم يكن في نيته شيء آخر , ولكن أم كلثوم شكت له عطش الطفل , فهو لم يذق الماء منذ ثلاثة أيام , وقد جف اللبن في ثدي أمه , فأخذه الحسين وتوجه به نحو القوم , وقال : ( ياقوم , قد قتلتم أخي وأولادي وأنصاري وما بقي غير هذا الطفل وهو يتلظى عطشاً من غير ذنب أتاه إليكم فاسقوه شربةً من الماء ) :
    فدعا في القوم يالله , ما الخطب الفظيع نبئوني أأنا المذنب أم هذا الرضيع لاحظوه فعليه شبه الهادي الشفيع لا يكن شافعكم خصماً لكم في النشأتين
    ولكن بينما الحسين ( عليه السلام ) يخاطبهم وإذا بسهم مشوم رمى به حرملة بن كاهل الأسدي فوقع في نحر الطفل فذبحه من الوريد إلى الوريد , فجعل الحسين ( عليه السلام ) يتلقى الدم حتى امتلأت كفه ورمى به إلى السماء , وهو يقول : ( هون ما نزل بي أنه بعين الله تعالى , اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل ) .
    ما هذه النفس المطمئنة بقضاء الله وقدره ؟ ما هذا الإيمان والتسليم المطلق لله تعالى والرضا بما كتب ؟
    ثم ما هذه الرحمة ؟ ماهذا القلب الرؤوف العطوف ؟ لقد حرص الحسين ( عليه السلام ) أن يجمع ذلك الدم الطاهر بكفه ليقدمه هدية إلى الحبيب وحتى لا تسقط منه قطرة على الأرض فينزل الله العذاب , فقد ورد عن الباقر ( عليه السلام ) : ( لو وقعت منه قطرة على الأرض لنزل العذاب ) . فما أعظم الحسين ( عليه السلام ) , ما أعظم الحسين ( عليه السلام ) !!... في تلك اللحظة المذهلة المدهشة كان الحسين ( عليه السلام ) رحمة حتى لمن يقتلون ولده , فلم يرد أن ينزل العذاب عليهم . فأي قلبٍ هو قلب أبي عبد الله ؟! وأية رحمةٍ هي رحمته ؟! وإذا كان هذا حاله مع أعدائه فكيف حاله مع محبيه؟ . ولكن مع كل التجلد الذي أظهره الحسين ( عليه السلام ) كان قلبه يحترق من الداخل , لا أدري كيف تمالك نفسه وحمل الطفل إلى المخيم , كلما فكرت في هذا بقي عقلي حائراً , نعم , لقد حق لملائكة السماء أن تتعجب من صبر الحسين ( عليه السلام ) إن الحرقة التي تركها هذا الرضيع في قلوب أهل البيت ( عليهم السلام ) لم تنطفئ مع بعد الزمان وامتداد الدهور , بل لطالما استثارت حزنهم واستدرت عبراتهم . يروي لنا المنهال بن عمرو أنه دخل على الإمام علي بن الحسين زين العابدين ( عليهما السلام ) فقال له الإمام : ( يامنهال , ما صنع حرملة ؟ ) فقال المنهال : ( تركته حياً بالكوفة ) , فرفع الإمام يديه جميعاً , ثم قال : ( اللهم أذقه حر الحديد , اللهم أذقه حر النار ) , فرحل المنهال إلى الكوفة , وقد ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفي , فلقيه المنهال خارجاً من داره , ثم أتى معه الكنّاس ( وهي الساحة التي يجتمع الناس فيها بالكوفة ) , فوقف كأنه ينتظر شيئاً , وكان قد أخبر بمكان حرملة بن كاهل فوجه في طلبه , فلم يلبث أن جاء قوم يركضون وقوم يشتدون حتى قالوا : ( أيها الأمير , البشارة , قد أُخذ حرملة بن كاهلة ) , فجيئ به , فلما نظر إليه المختار قال : ( الحمد لله الذي أمكنني منك ) , ثم قال : ( الجزار الجزار , فأتي بجزار , فقال له : اقطع يديه , فقطعتا , ثم قال : النار النار , فأتي بنار وقصبٍ فألقي إليه , فأشعل فيه النار ) , يقول المنهال : ( فقلت : سبحان الله فقال لي – المختار - : يا منهال , إن التسبيح لحسن , ففيم سبحت ؟ ) فأ خبره المنهال بقصة دخوله على الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) , وما جرى من سؤال الإمام عن حرملة ودعائه عليه, فقال المختار : ( أسمعت علي بن الحسين يقول هذا ؟ ) , فقال : ( والله لقد سمعته ) , فنزل المختار من على دابته وصلى ركعتين وأطال السجود , ثم عزم على صيام ذلك اليوم شكراً لله عزوجل , لأنه استجاب دعاء الإمام على يديه .
    وفي هذا الشأن روي أيضاً : ( أن الكميت الشاعر دخل على الإمام الصادق ( عليه السلام ) , فقال له ( عليه السلام ) : ( أنشدني في جدى الحسين ( عليه السلام ) , فلما أنشد الكميت أبياتاً في مصيبة الحسين ( عليه السلام ) بكى الإمام ( عليه السلام ) بكاءً شديداً وبكت النسوة وأهل حريمه وصحن في حجراتهن فبينما الإمام في البكاء والنحيب إذ خرجت جارية من خلف الستر من حجرات الحرم وفي يدها طفل صغير رضيع , فوضعته في حجر الإمام , فاشتد حينئذٍ بكاء الإمام في غاية الاشتداد وعلا صوته الشريف , وعلت أصوات النساء الطاهرات خلف الأستار من الحجرات ) . لاشك أن قصد النساء من إرسال هذا الطفل الرضيع هو التذكر بعبد الله الرضيع ومصيبته العظيمة .
    إذن كم ترك هذا الرضيع من ألم وغصة في نفوس أهل البيت ( عليهم السلام ) , وكم كان غالياً على قلوبهم حتى أن الإمام الحجة ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) يسلم على هذا الطفل في زيارة الناحية فيقول : ( السلام على عبد الله بن الحسين الطفل الرضيع المرمي الصريع , المتشحط دماً , المصعد دمه في السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه , لعن الله راميه , حرمله بن كاهل الأسدي وذويه ) . ونحن كذلك نتقرب إلى الله تعالى وإلى إمامنا بلعن حرملة ولعن كل من شارك في قتل الحسين ( عليه السلام ) , ونسأل الله سبحانه أن يكتبنا من محبي أهل البيت ( عليهم السلام ) والداخلين الجنة بشفاعتهم يوم القيامة إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين .
    التعديل الأخير تم بواسطة السيد الموسوي ; الساعة 19-05-2014, 07:43 PM. سبب آخر:

  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وال محمد
    الاخ الفاضل (علاء حسن)وفقكم الله
    شكرا لكم على هذا الموضوع الرائع
    جعل الله الطفل الرضيع شفيعا لنا ولكم يوم القيامة
    الاخ الفاضل هناك عبارة في الموضوع اعتقد انها غير مكتملة
    ( هون ما نزل بي أنه بعين الله تعالى , اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل ) .
    ارجو بيان ذلك مع تقدير واحترامي
    تقبلوا مروري على الموضوع

    تعليق

    يعمل...
    X