إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

في أغلاطهم في ذكر الوصية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في أغلاطهم في ذكر الوصية


    في (1) أغلاطهم في ذكر الوصية


    [ فمن عجيب أمرهم: أنهم قد أجمعوا معنا على حسن الوصية ] وفضلها وشرفها، وحميد فعلها، وأنها [ قد ] تكون في المال والأهل والولد، وجميع من (2) كان يسوسه الموصي ويرعاه، وما كان [ يقوم ] به ويتولاه، وأن إهمالها تفريط، وتركها تضييع، وفي فعلها حسن نظر واحتياط، وجميل حزم واحتراز، وسمعوا في القرآن ذكرها، واعترفوا أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بها، وحث عليها، ورغب فيها، ودعا إليها. ورووا (3) عنه (صلى الله عليه وآله) أخبارا من جملتها [ قوله عليه الصلاة والسلام ]: " لا ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلتين إلا ووصيته [ مكتوبة عنده " (4).
    وفي خبر آخر: " إلا ووصيته ] تحت رأسه " (5).
    ثم ادعوا مع ذلك أنه (صلى الله عليه وآله) مضى [ من الدنيا ] ولم يوص إلى أحد. [ هذا ] وقد كان يرعى أمته (6) ويسوسهم، ويقوم بشأنهم، ويدبر أمورهم، كما يسوس الرجل أطفاله، ويرعى أهله وعياله، ومنهم الضعفاء والأيتام، والعجائز والأطفال، الذين حاجتهم إلى سياسته، وحسن نظره ورعايته، أشد من حاجة الولد إلى والده، والعبد إلى سيده.
    ثم إنه (صلى الله عليه وآله) خلف مع ذلك أهلا وأولادا، وأقارب وأزواجا، وأشياء يتنازع أهله وغيرهم [ فيها ] وأملاكا، وكان له حق في الخمس يحب أن يصرف إلى مستحقيه (7) [ وغيرهم ]، وكان عليه دين يتعين وفاءه عنه لأهله (8)، وعنده ودائع يلزم ردها إلى أربابها، وقد وعد جماعة بعدات يجب أن تقضى عنه بعده (9)، ولا يقضيها إلا وصيه، فنسبوه إلى تضييع ما حث على حفظه، والتفريط فيما أمر بالاحتياط في بابه، والزهد فيما رغب فيه أمته، وحاشا له من ذلك، بل كان (صلى الله عليه وآله) أفعل الخلق فيما (10) دعا إليه، وأسرع الناس إلى فعل ما رغب فيه، وأسبق العالمين إلى كل فضل، وأولاهم بشرائف الفعل.
    ومن عجيب أمرهم: أنهم إذا طرقتهم الحجج الجلية في أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يمض من الدنيا إلا عن وصية، وأنه أوصى [ إلى ] أمير المؤمنين [ علي بن أبي طالب ] (عليه السلام) دون سائر الأمة، وسمعوا تمدح أمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك في كلامه وحجاجه لخصومه، وذكره [ له ] في خطبه على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واحتجاج أهل بيته (عليهم السلام) وشيعته من الأنصار بذلك في فضله، وما نظمه الشعراء فيه، وسارت [ الركبان به ]، مثل قول خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين (رضي الله عنه) في أبيات يذكر فيها فضله [ حيث يقول ]:


    وصي رسول الله من دون أهله وفارسه مذ كان في سالف الزمن (11)


    وقوله حين بلغه عن عائشة كلام تعيب فيه أمير المؤمنين (عليه السلام):


    أعائش خلي عن علي وعيبه (12) بما ليس فيه إنما أنت والده
    وصي رسول الله من دون أهله وأنت على ما كان من ذاك شاهده (13)


    وقول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب (رحمه الله):


    وإن (14) ولي الأمر بعد محمد علي وفي كل المواطن صاحبه
    وصي رسول الله حقا وصهره وأول من صلى ومن لان جانبه (15)


    وقول عبد الرحمن بن حنبل (16) الجمحي لما بايع أمير المؤمنين (عليه السلام):


    لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة على الدين معروف العفاف موفقا (17)


    عفيفا عن الفحشاء أبيض ماجدا صدوقا وللمختار (18) قدما مصدقا
    أبا حسن فارضوا به وتبايعوا فلن (19) تجدوا فيه لذي العيب منطقا
    علي وصي المصطفى وابن عمه (20) وأول من صلى لذي العرش واتقى (21)


    وقول (22) زفر بن زيد (23) الأسدي:


    فحوطوا عليا وانصروه فإنه وصي وفي الإسلام أول أول (24)
    وإن تخذلوه والحوادث جمة فليس لكم في الأرض من متحول (25)


    ونحو ذلك من الأقوال التي يطول بذكرها الكلام.
    قالوا عند ذلك (26):
    لسنا نجحد أن عليا (عليه السلام) وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا ننكر ما قد اشتهر من شهادة القوم بوصيته، ولكن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما أوصى [ إليه ] بما كان [ له ] في يديه (27) ويمتلكه ويحويه، ولم يوص إليه بأمر الأمة كلها، ولا تعدت وصيته إليه أمور تركته وأهله إلى غيرها، ثم [ إنهم ] يدعون بعد هذا (28) أن جميع ما خلفه صدقة، وأنه لا يورث كما يورث سواه (29) من الأمة، وأن (30) فدكا والعوالي صدقة ينظر فيها الخليفة الذي (31) تختاره الأمة، ولا يجوز أن تقبل فيها شهادة من تثبت (32) له الوصية، فليت شعري بماذا أوصى إذا كان جميع ما خلفه صدقة، ولم يكن أوصى (33) بحفظ الشريعة والقيام بأمر الأمة؟ فإن هذا مما يتحير فيه ذو البصيرة، والخبرة والمعرفة (34).
    _______
    (1) في " ش ": من.
    (2) في " ح ": ما.
    (3) في " ش ": وورد.
    (4) صحيح مسلم: 3 / 1249، ح 1. ذكر أخبار أصفهان: 2 / 285. فتح الباري: 5 / 274.
    (5) مصباح المتهجد: 15. الدعوات للراوندي: 231، ح 644. وسائل الشيعة: 19 / 258، ح 5.
    مستدرك الوسائل: 2 / 117، ذ ح 5.
    (6) في " ش ": يراعي منهم.
    (27) في " ح ": مستحقه.
    (8) في " ح ": وفاءه عليه.
    (9) في " ح ": تقضى بعدته.
    (10) في " ش ": فيما.
    (11) الفصول المختارة: 267. بحار الأنوار: 38 / 274.
    (12) في " ش ": وعتبه.
    (13) شرح نهج البلاغة: 1 / 115. بحار الأنوار: 38 / 23.
    (14) في الفصول: " وكان ".
    (15) الفصول المختارة: 269. بحار الأنوار: 38 / 276.
    (16) كذا في الفصول، وفي شرح النهج: جعيل، وفي " الأصل ": حمل.
    وهو عبد الرحمن بن حنبل الجمحي، مولاهم، شاعر هجاء، صحابي، أصله من اليمن ومولده بمكة، شهد فتح دمشق، توفي سنة 37 هـ. (الأعلام للزركلي: 3 / 305)
    (17) ورد هذا البيت في: شرح نهج البلاغة: 1 / 113. بحار الأنوار: 38 / 20.
    (18) في الفصول: " وللجبار ".
    (19) في " ش ": فلم، وفي الفصول: فليس كمن فيه.
    (20) في الفصول: ووزيره.
    (21) الفصول المختارة: 270. بحار الأنوار: 38 / 277.
    (22) في " ح ": وقال.
    (23) كذا الصحيح، وفي " الأصل ": الحارث، وفي شرح النهج والتبيين: يزيد.
    وهو سيد بني أسد في وقته. انظر: أسد الغابة: 2 / 205، التبيين في أنساب القرشيين:
    518.
    (24) ورد هذا البيت في: الفصول المختارة: 271. الصراط المستقيم: 1 / 237. بحار الأنوار:
    38 / 277.
    (25) المقنع في الإمامة للسدابادي: 127. شرح نهج البلاغة: 13 / 160. أعيان الشيعة: 7 / 61.
    الغدير: 3 / 330.
    (26) في " ش ": هذا.
    (27) في " ح ": يده.
    (28) في " ح ": ذلك.
    (29) في " ح ": من سواه.
    (30) في " ش ": وإن كان.
    (31) في " ح ": بعد أن.
    (32) في " ش ": ثبتت.
    (33) في " ش ": يوصي.
    (34) في " ح ": ذو البصيرة، ويعرف فيه - كذا - صافي السريرة.




    المصدر
    كتاب التعجب من أغلاط العامة في مسألة الإمامة
    تأليف
    الشيخ القاضي أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي

يعمل...
X