إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الرثاء بين الفن والشرع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الرثاء بين الفن والشرع

    الرثاء بين الفن والشرع
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين واللعن الأبدي الدائم على أعدائهم وظالميهم والغاصبين حقوقهم إلى قيام يوم الدين.
    وبعد؛
    خلق الباري تعالى الأنسان مزوداً بجهاز نفسي تنعكس فيه الحالات التي يواجهها وتقابله فمن موقف يرتاح إليه ويأنس به وآخر تنقبض له نفسه فيحزن عند هذا ويفرح عند ذاك وهو في هاتين الحالتين يتخذ أشكالاً معينة للتعبير عن فرحه أو حزنه فإذا فرح انبسطت أساريره و غدا طلق المحيا و إلى ما هناك من صور يودعها فرحه .
    والحزن يستولي على أقطار نفسه ليشكل سحابة دكناء تغطي سيمائه وقد تنفرط الدموع من مقلتيه وتتصاعد الآهات والزفرات من أعماقه لتشكل التعبير الطبيعي عن بركان الحزن المحتدم في باطنه فالفرح والحزن كلاهما سمتان نفسيتان يتصف بهما البشر على أختلافهم و تفاوتهم في المستوي الثقافي وفي درجات التأثر و التعبير . ومن الألوان المعبرة عن الحزن و الذي يتضمن عنصر الاشادة بالمحزون عليه والتقدير له هو الرثاء .
    والرثاء لغة هو : البكاء على الميت وتعداد محاسنه ويقال رثاه بقصيدة و رثاه بكلمة ( المعجم الوسيط حرف الراء ) .
    الرثاء عند الأمم :
    الرثاء من الفنون الأدبية الهامة و التي لها شأن خاص في سماء الأدب ولا يختص بأمة دون أخرى فهو ليس حكراً على أحد .
    بل نشأ الرثاء و انبثق منذ القدم وكان عند شتى أمم وشعوب العالم في صور منبثة هنا وهناك تارة متصلة وأخرى منفصلة ببعض القصص كقصة الآلهة اوزيريس في تأريخ مصر القديم فإنه حين اعتدى ( سيت ) على أخيه ( اوزيريس ) وقطعه أرباً وألقاه في صندوق في البحر رثته ( ايزيس ) زوجته وبكته بكاء حاراً وكان المصريون يبكونه معها في أعيادهم كل عام وفي التوراة ألوان مختلفة من الرثاء كمراثي أرميا لأورشليم يوم خربها البابليون وفي تأريخ اليونان يحتل الرثاء الصدر من شعرهم وإن كلمة ( الجي – elegg ) عندها تطلق حتى عند الغربيين المحدثين على المرثية ( راجع قصة الحضارة : تأريخ مصر القديم وتأريخ اليونان ) .
    الرثاء عند الأمة الإسلامية :
    والأمة الإسلامية ليست بدعاً من الأمم فهي تملك رصيداً ضخماً من هذا اللون الأدبي الذي يعد من الذخائر النفيسة التي تعتبر بها لأنها ارتبطت بعظماء أفذاذ يجدر بكل منصف أن يذكرهم وأن يشيد بهم لما قدموا من عطاء ثر ليكونوا أمثولة تحتذى وأنموذجا يقتدى به . فجاء الرثاء يحمل بين جنباته العاطفة الجياشة والكلمة المناسبة والفكرة المعبرة . و الإنسان السوي بفطرته يرتاح إلى الجمال ويأنس به والرثاء الرصين من ألوان الجمال الذي يشد النفس فتنجذب إليه انجذاباً . ولست مجانباً للحقيقة إذا قلت إن واقعة كربلاء ورزية المولى أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) وعياله وأهل بيته وأصحابه قد استأثرت بالقسط الأوفر من اهتمام الأدباء والشعراء وكيف لا يكون ذلك والمولى الشهيد ( عليه السلام ) سيد شباب أهل الجنة بصريح قول الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو خامس أصحاب الكساء و الذي كان يمثلهم جميعا
    فحياة أصحاب الكساء حياته وبيوم مصرعه جميعاً صرعوا إذن أفلا يحق للموالي المغرم من ذاق حلاوة المحبة وسلسبيل المودة أن يذكر هذه الرزية العظمى في شعر متين أو نثر محبوك هل يلام ؟ أو يوبخ وغيره يبكي أعزته ويندبهم و يرثيهم فلا لوم عليه أما هو فاللوم القاسي يجلده بسياطه .
    هذي اليهود غدت تقيم نياحها في حائط المبكى ببيت المقدس أما النصارى فالصليب شعارهم في الحزن دوماً للمسيح الأقدس كل الفجائع دون وقعة كربلاء بفجيعة أخذت خناق الأنفس فالعجب لا ينقضي ممن يعترض علينا ويرمينا بشتى التهم الرخيصة و يعترض على غيرنا فهل ( بائك تجر وبائي لا تجر ؟ ) .
    نحن نرثي من بكى عليه الأنبياء ( عليهم السلام ) من لدن آدم وإلى الخاتم نحن نرثي من ندبه الأوصياء وسكان السماء
    ياشهر عاشوراء لقد أذكرتني
    مصارع الأشراف من هاشم
    أرثي ولا لوم على من رثى
    وإنما اللوم على اللائم
    وعلى الأديب أن يزن كلامه وأن يتحرى الدقة الكاملة وأن يعرف ما لأهل البيت ( عليهم السلام ) من مكانة سامية ومن شأن رفيع حباهم الباري تعالى إياه فيتجنب الإسفاف واللغة الهابطة التي لا تنسجم ومقام أهل بيت العصمة ( عليهم السلام ) .
    ينقل أن الشاعر السيد إسماعيل الحميري لما بلغه سماع بيت من قصيدة للشاعر جعفر الطائي تضمن رذيل القول و واهنه عاتبه أشد العتاب قائلاً ويحك ما تقول في آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    أتقول فيهم :
    ما حال بيتكم تخرب سقفه
    وثيابكم من أرذل الأثواب
    ويلك إذا لم تحسن القول فاسكت , أيوصف آل بيت محمد بمثل هذا .
    قالوا : فقبل حعفر الطائي راس السيد الحميري واعتذر منه وقال له : نعم والله انتم الرأس ياأبا هاشم ونحن الأذناب وكانت النتيجة أن صحح الطائي رثائه وصار مرضياً عند أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم .
    مشروعية الرثاء
    قال تعالى : ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) .
    من مصادر الأحكام الشرعية التي يرجع إليها في تبيّن الحكم للأخذ و العمل به هي السنة والتي تعني كما قرر في علم الأصول : ( ( قول المعصوم وفعله وتقريره ) ) .
    ولقد تواتر أن الرسول كان يشجع ويحث على الرثاء وكان يثني على الشعراء الذين يتصدون لهذا الأمر كحسان بن ثابت وكعب بن مالك وغيرهما تارة على نحو العموم وأخرى على الخصوص كأشعارهم في رثاء حمزة بن عبد المطلب أسد الله وعم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب أول شهيد من بني هاشم وفي جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) الملقب بالطيار في الجنة وهذه المراثي لها شهرتها في كتب التاريخ والسيرة كسيرة ابن هشام وتأريخ الطبري وغيرهما وكلها قيلت في زمن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وانشدت بين يديه وتناقلتها الأفواه وحفظتها الصدور فقرر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذلك ولم يعترض على واحد منهم .
    ورضا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) برثاء الصلحاء والشهداء من أهل بيته وأصحابه يكشف بالأولوية عن رضاه برثاء ولده سيد الشهداء الحسين ( عليه السلام ) .
    وها هي الزهراء ( عليه السلام ) المعصومة والصديقة الكبرى ترثي ولدها المظلوم ( عليه السلام ) حيث رأت درة النائحة في المنام الزهراء ( عليها السلام ) وهي تأمرها ان تنشد هذه الابيات في المولى الحسين ( عليه السلام ) :
    أيها العينان فيضا
    واستهلا لا تغيضا
    وابكياً بالطف ميتا
    ترك الصدر رضيضاً
    لم أمرضه قتيلاً
    لا ولا كان مريضاً
    والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الأبدي الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

  • #2
    احسنتم كثيرا بارك الله بكم وجعل الله تعالى مشاركتكم في ميزان اعمالكم
    تقبلوا مروري
    .................................................. ........................................
    .................................................. ........................................
    .................................................. ........................................

    تعليق

    يعمل...
    X