إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

زهير بن القين (رضي الله عنه )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • زهير بن القين (رضي الله عنه )

    زهير بن القين (رضي الله عنه)
    اللهمًّ صلِّ على محمد وآل محمد
    بسم الله الرحمن الرحيم
    يولد الإنسان في هذا الكون في ظروف ممتلئة بالأوجاع والآلام , فيستقبل الحياة قبل أن يعرف الحياة بالبكاء والعويل , وكأنه عرف أن هذه الدنيا ليست دار فرح وسرور , بل هي دار ابتلاء واختبار . يقول الشاعر :
    ولدتك أمك يابن أدم باكياً –
    والناس حولك يضحكون سرورا
    فاحرص على عمل تكون إذا بكوا
    في يوم موتك ضاحكاً مسروراً
    يولد هذا الإنسان عاجزاً فاقداً لكل مقومات الحياة , لا يسمع ولا يرى ولا يحس ولا يدري من العلم شيئاً , ثم لا يلبث أن ينمو عقله فيبدأ بالفهم والتمييز والتفكير , وينمو جسمه فيبدأ بالحبو و الأكل والنطق . وما أن يشب عن الطوق حتى يستوي كائناً جديداً تتناوبه العواطف والهيجانات , وتستولي عليه النوازع والرغبات . فيبدأ إحساسه بنفسه ويبدأ إحساسه بما حوله . فيكتسب من بيئته مقوماته العقلية والنفسية والتربوية . يقول تعالى :
    ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً . وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة , لعلكم تشكرون ) ( النحل 87 ) .
    حتى إذا بلغ سن الرشد بدأ يفكر في سبب وجوده والحكمة من خلقه ومصير أمره . فيعلم بعقله وقلبه أن خالقاً مبدعاً قد خلق هذا الكون , ومسيِّراً عظيماً قد سير هذا العالم . وأن النبوة حق والدين حق , وأن الساعة آتية لا ريب فيها , وأن الله يبعث من في القبور وإليه النشور .
    وتخفى على بعض الناس بعض الحقائق الدينية , بتأثير البيئة والمجتمع , أو بتأثير الإهمال والشذوذ , فيتوهم من هذا شأنه أنه وجد في الدنيا للدنيا , وأن الدنيا هي الآخرة والأولى , فينصبّ على إتراع كأسه من اللذائذ والشهوات , على حد قول طرفة بن العبد :
    فلولا ثلاث هن من لذة الفتى
    وجدك لم أحفل متى قام عودي
    فمنهن سبقي العاذلات بشربة
    كميت , متى ما تعل بالماء تزبد
    ويتخبط أمثال هؤلاء في بحر الهلاك والتهافت على الشهوات والموبقات , ظانين أن السعادة كل السعادة في مقدار ما يستطيعون أن يلتهموا من تلك الشهوات . فمنهم من يرى أن السعادة في جمع الأموال واكتناز الثروات بالغاً مقدارها ما بلغ , حتى ولو عاش عيشة الفقر . ومنهم من يرى السعادة في النساء والأولاد , ولو أدى ذلك إلى الفسوق والفجور , ومنهم من يراها في معاقرة الخمر والميسر . إلى ماهنالك من لذت آنية وشهوات عابرة مصداقاً لقوله تعالى :
    ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث , ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) ( آل عمران : 14 ).
    بيد أن المستفيق من غفلته , والناظر إلى الحقيقة بعين بصيرته , لا يقصر تفكيره على العاجلة دون الآجلة , ولا على الفانية دون الباقية , فلا يغتر بالدنيا وزخرفها , ولا ينساق وراء شهواته الحيوانية دون الروحية , ولا يكون عبداً للدنيا بل يجعلها خادمة له .
    فيجب على الإنسان اليقظة من غفلته , والرجوع عن خطئه وتقصيره , ويتعين عليه ذلك أكثر ما يتعين إذا ماهيأ الله تعالى له شخصاً فاضلاً ينبهه من غفلته , ويذكره بآيات الله , ويخوفه من عقابه , ويبين له طريق الحق من طريق الباطل ... تماماً كما حصل بين زهير بن القين البجلي , والإمام أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام )
    قام الإمام الحسين ( عليه السلام ) بنهضته المباركة منطلقاً من مكة إلى العراق . وبينما كان الناس يتوجهون إلى عرفات للحج , كان ( عليه السلام ) يهيئ رحله وأصحابه متوجهاً إلى العراق للجهاد . وأي الأمرين أعظم , الحج لتطهير النفس من أدرانها وعوالقها , أم الجهاد لتطهير الأمة كلها مما حاق بها من أدران ونكبات , كادت تحيق بالإسلام , وتحوله عن حقيقته السامية ؟
    وسار موكب الحسين ( عليه السلام ) إلى أرض الشهادة على طريق يقارب طولها 1400 كم من مكة إلى كربلاء . وكان لا يمر بماء من مياه العرب إلا تبعه خلق كثير , وهو يدعوهم إلى التفرق عنه ويبين لهم الغاية التي سار من أجلها , والتي ليس من مراميها كسب الأموال أو الزعامة أو الإمارة والسلطان . وإنما أراد بذلك ألا يصحبه أي إنسان إلا على بصيرة . فكان الناس يتفرقون عنه يميناً وشمالاً , إذ أنهم ظنوا أن السعادة في تحصيل المكتسبات المادية , ونيل الشهوات الدنيوية , دون أن يدركوا أن السعادة الحقيقية هي في الشهادة في سبيل المبدأ الحق وفي التضحية من أجل الرسالة الإلهية .
    ومازال سيد الشهداء ( عليه السلام ) يتابع مسيره , تحفه النخبة العامرة من أصحابه الذين خرجوا معه من مكة , وعددهم يقارب الثمانين شخصاً حتى وصل ( زرود ) فألقى رحاله تنازعه رغبتان : رغبة في الإقامة , للركون إلى الراحة والتخفيف من مشقة السفر , ورغبة في شم رائحة الشهادة والإسراع إلى نهاية المطاف حيث السعادة والشهادة والنهاية المنشودة .
    وهناك جمعه الطريق على غير سابق موعد مع جماعة من المسافرين على رأسهم زهير بن القين . وكان زهير كارهاً للقاء الحسين ( عليه السلام ) , فبعث إليه يستدعيه . وكان زهير وصحبه قد وضعوا الطعام للغداء . وبينما هم يأكلون إذ أقبل رسول الحسين ( عليه السلام ) حتى سلم , ثم دخل فقال : يازهير إن أبا عبد الله بعثني إليك لتأتيه .
    فطرح كل إنسان منهم ما في يده كأن على رؤوسهم الطير , كراهية أن يذهب زهير إلى الحسين ( عليه السلام ) . ولما رأت زوجة زهير وهي دلهم بنت عمرو , رأت زوجها متردداً ابتدرته قائلة : يازهير سبحان الله أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه , فلو أتيته فسمعت من كلامه , ثم انصرفت . فقام زهير إلى الحسين ( عليه السلام ) على كره , فدخل على خيمة الحسين ( عليه السلام ) واجماً . فما أن تناجى مع الحسين ( عليه السلام ) بحديث لا يعرف سره أحد , حتى أشرق وجهه وتهلل فرحاً , وكانه قد ربح جائزة كبيرة .
    كيف لا , وقد ربح في تلك اللحظة السعادة كلها , سعادة الدنيا والآخرة , ونعيم الآخرة الذي لا انقضاء له , ثم ما لبث أن رجع إلى قومه مستبشراً قد أشرق وجهه . فأمر بفسطاطه وثقله ورحله فحول إلى الحسين ( عليه السلام ) . والتفت زهير إلى زوجته دلهم بنت عمرو, إلى شريكة حياته المخلصة , ولم يرد أن تترمل بسببه , فقال لها : أنت طالق الحقي بأهلك , فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير ,وقد عزمت على صحبة الحسين (عليه السلام) لأفديه بروحي وأقيه بنفسي .ثم أعطاها مالها , وسلمها إلى بعض بني عمها , ليوصلها إلى أهلها . فقامت دلهم إلى زوجها ( وهي مثال الزوجة الوفية الموالية للحق ) , وبكت وودعته وقالت : خار الله لك. ثم أتدرون ماذا كان طلبها الأخير منه ساعة وداعه ؟ لقد قالت له : أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين ( صلى الله عليه وآله وسلم).
    وقال زهير لأصحابه : من أحب منكم أن يتبعني , وإلا فهو آخر العهد مني . إني سأحدثكم حديثاً : إنا غزونا بلنجر – وهي بلدة ببلاد الخزر – ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ففرحنا بذلك . فقال لنا سلمان الفارسي : إذا أدركتم قتال شباب آل محمد فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معهم مما أصبتم من الغنائم . فأما أنا فأستودعكم الله .
    وظل هذا العلم السامي , والمؤمن الصادق , والصاحب المخلص , مع إمامه الحسين ( عليه السلام ) يذود عنه في كل موقف , ويتسابق مع برير وحبيب ونافع في نصيحة قوم عمر بن سعد , وكأنه الأخ الحنون للحسين ( عليه السلام ) , وكأنه الصاحب الشفيق للحسين ( عليه السلام ) . وهو لا يبغي بذلك غير مودة الدين , ومودة أهل البيت ( عليهم السلام ) كما أمره الله تعالى .
    ولقد اندفع هذا التائب , العادل إلى الحق .اندفع لنصرة الحق اندفاعاً فاق كثيراً من بقية الأصحاب , كأنه اراد بذلك أن يعوض ما فاته من هذا الشرف وهذا الواجب الذي لم يقم به مع أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) لأنه كان عثماني الرأي , بعد أن كشف له الحسين ( عليه السلام ) عن بصيرته , وأزاح عن قلبه ماكان علق به من حجب وأستار . فها هو زهير بن القين يرمق القوم من عسكر الحر بن يزيد الرياحي وقد منعوا الحسين ( عليه السلام ) من نزول نينوى أو الغاضرية أو شفية . فلم يطق هذا الموقف وهذا الانتظار . فابتدر الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : يابن رسول الله ذرنا نقاتل هؤلاء القوم فإن قتالنا إياهم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا معهم بعد هذا , فلعمري ليأتينا من بعدهم مالا قبل لنا به فأجابه إمام العدالة والسلام عليه الصلاة وأزكى السلام : صدقت يازهير ولكن ما كنت لأبدأهم بالقتال حتى يبتدؤوني . ويقال بينما هم يسيرون إذ وقف جواد الحسين ( عليه السلام ) ولم يتحرك كما أوقف الله ناقة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند الحديبية . فعندها سأل الحسين ( عليه السلام) عن الأرض , فقال له زهير : سر راشداً ولا تسأل عن شيء حتى يأذن الله بالفرج . إن هذه الأرض تسمى الطف . فقال ( عليه السلام ) : فهل لها اسم غيره ؟ قال : تعرف كربلاء . فدمعت عيناه , وقال : اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء . ههنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا , بهذا حدثني جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
    نزل الحسين ( عليه السلام ) كربلاء يوم الثاني من المحرم , وبدأ القتال يوم العاشر من المحرم .. ها هو زهير بن القين يتسابق مع أصحاب الحسين ( عليه السلام ) إلى الشهادة , يتسابق معهم إلى الذود عن الحسين ( عليه السلام ) يفديه بروحه ويقيه بنفسه , تماماً كما وعد زوجته ( دلهم ) تحت الخيمة ساعة الوداع الأخير .
    ( روى أبو مخنف ) أنه لما قتل حبيب بن مظاهر , بان الانكسار في وجه الحسين ( عليه السلام ) ثم قال : لله درك ياحبيب , لقد كنت فاضلاً تختم القرآن في ليلة واحدة . فقام إليه زهير بن القين وقال : بأبي أنت وأمي يابن رسول الله ما هذا الانكسار الذي أراه في وجهك ؟ ألست تعلم إنا على الحق ؟! . قال : بلى وإله الخلق إني لأعلم علماً يقيناً أني وإياكم على الحق والهدى . فقال زهير : إذن لا نبالي ونحن نصير إلى الجنة ونعيمها . ثم تقدم أمام الحسين ( عليه السلام ) فقال : يامولاي أتأذن لي بالبراز ؟ فقال : ابرز . ثم حمل على القوم ولم يزل يقاتل حتى قتل خمسين فارساً , وخشي أن تفوته الصلاة مع الحسين ( عليه السلام ) . فرجع وقال : يامولاي إني خشيت أن تفوتني الصلاة فصل بنا .
    وقام الحسين ( عليه السلام ) إلى الصلاة . فقيل إنه صلى بمن بقي من أصحابه صلاة الخوف . وتقدم أمامه زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي في نصف من أصحابه .
    لقد تقدم زهير أمام الحسين ( عليه السلام ) يتقي سهام العدو أن تصيب جسد أمامه , يتقي بنفسه الأخطار والحتوف أن تصيب سيد عقيدته . لأن الدين لا وجود له بدون أمامه , فهو عمود الخيمة لا يقوم لها بدونه قيام .
    لنتذكر دائماً هذه الصورة الأليمة في مظهرها المشرفة في مضمونها :
    النبال تغور في جسد زهير , في عدة مواضع , تتزايد باستمرار كلما اقتربت الصلاة من نهايتها ولعمري أية نهاية أعظم من أن تكون الصلاة هي واسطة الانتقال من الحياة الفانية إلى الآخرة الباقية . عندها تكون الصلاة نهاية طريق الحياة إلى جنة الخلود .
    ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الأبدي الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
يعمل...
X