بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
هناك نظرتان في هذه المسألة نبينهما :
الاُولى : نظرة تقول بعدم الحاجة إلى العائلة ، فلنا أن نعيش حياة إباحية ونكون سعداء بذلك ، ومعنى ذلك : إنّنا نرجّح من يقول بأنّ الحياة الاُسرية هي حياة وضعية اختارها الإنسان وليست حياة طبيعية له ، فعلى هذا ستكون العلاقة الجنسية عامة مشتركة بين الأفراد ، ويعيش الرجل منفصلاً عن المرأة ، وهذا يؤدي إلى وجود دور خاصة للأطفال يقوم أفراد معيّنون بتربيتهم وحضانتهم .
أقول : لم يثبت لحدّ الآن وجود عصر من عصور التاريخ لم يعش فيه الإنسان الحياة العائلية ، فحتى القبائل المتوحشة الموجودة في العصر الحاضر ـ والتي تكون نموذجاً لحياة الإنسان القديم ـ لم تكن العلاقة الجنسية بين الذكور والإناث عامة ، بحيث تعيش المرأة منفصلة عن الرجل .
وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدلّ على أنّ المشاعر العائلية عند الإنسان الحاصلة من الزواج وعدم الإباحية هو أمر طبيعي وغريزي ، وليس حاصلاً من التمدّن والحضارات الحديثة .
الثانية : نظرة الإسلام التي ترى أنّ سعادة البشرية تكون في الحياة الزوجية العائلية الطبيعية ، وأنّ المجتمع السعيد بلحاظ الحياة الدنيا ـ وبغض النظر عن مسألة الآخرة ـ هو المجتمع المبني من وحدات صغيرد عائلية متماسكة ، وذلك :
1 ـ لأنّ استقرار الحياة ونظامها يتوقّف في نظر الإسلام على الحياة الزوجية العائلية ، فالنظام العائلي هو النظام الأنجح في تأمين ما يحتاج إليه الإنسان من استقرار ونظمها بأحسن وجه .
2 ـ إنّ الحاجات البشرية ليست كلّها عبارة عن حاجات مادية ، فحتى لو فرضنا أنّ مجتمعاً إباحياً استطاع أن يوفّر الحاجات المادية لكلّ أحد بشكل مستقرّ ، فإنّ هذا لا يكفي لإسعاد البشر ، إذ يوجد جانب روحي في البشر يبقى ضماناً ، وهو جانب السكون النفسي والاُلفة والمحبة والحنان ، فإنّ الزوجة إذا لم تُحِسّ بمن يحنّ عليها فلا تشعر بسعادة ، وكذلك الزوج فضلاً عن الأطفال ، فانّهم إذا لم يُحسوا بالمحبة والحنان يكونوا معقّدين في الحياة ، قال تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ}(1) .
ولهذا فقد جعل الإسلام النفقة والمسكن واجباً على الزوج ، وهذا الوجوب لا يستفاد منه مزيّة للرجل على المرأة التي تحتاج إلى ذلك غالباً ، بل حتى لو كانت الزوجة غنيّة فمع ذلك يجب على الزوج نفقة الزوجة وتهيئة السكن لها ، وما ذاك إلاّ لأن يشعر الرجل بالمسؤولية وبالارتباط بالحياة الزوجية وتكوين الأُسرة التي تكون مفيدة للطرفين ; لما فيها من الحماية والسكن والاستقرار ، فلو فرضنا أنّ المرأة لا تحتاج إلى نفقة وإلى مسكن ، إلاّ أنّها بلاشكّ بحاجة إلى حماية الزوج لها ، وبحاجة إلى السكن الذي هو استقرار روحي ونفسي لها ، ولانجد هذه الفوائد إلاّ بتكوين الأُسرة المتكوّنة من الزواج .
بالإضافة إلى أنّ الأولاد إذا عاشوا في كنف والديهم فسيكونون قد حصلوا على الضمان الكافي لمعيشتهم عيشة يكون الأبوان محامين عنهم عاملين على سعادتهم ، بخلاف دور الرعاية العامة التي تتعرّض لنقص في الحماية على الأطفال ، مثلاً : إذا مرض الطفل في الأُسرة فإنّ الأبوين سيعملان كلّ ما في وسعهما لإنقاذه من المرض بعرضه على الطبيب وإجراء العملية الجراحية له إن احتاج إليها ، أمّا الطفل في دور الرعاية فلا توجد تلك الحماية له ; لعدم وجود ذلك الحنان الدافع للحماية التامة .
إذن ، استقرار الحياة ونظامها وحاجات البشر تفرض نظام الحياة الزوجية العائلية ، ثمّ إنّ الإسلام جاء لتنظيم هذه الحياة العائلية على أُسس هي :
1 ـ الإيمان بأنّ الحياة الموحّدة بحاجة إلى قيادة موحّدة ، فلابدّ من قيادة في الحياة الزوجية ، ولهذا فرض الإسلام قيادة الزوج على الزوجة ، ولم يفرض قيادة الأب على البنت وقيادة الأخ على الاُخت ، وهذا دليل على أنّ الإسلام يجعل الاُنثى كاُنثى في عرض الرجل في الحقوق البشرية ، ولهذا جعل القيمومة على الزوجية فقط لصالحها وتدبير اُمورها لخصوصية في الزواج تعفي الزوجة من مسؤولية النفقة وترتيب بيت الزوجية .
ثمّ إنّ إعطاء القيادة بيد الزوج قد تمثّل في اُمور عديدة كلّها بيد الزوج على شكل حتم ، مثل النفقة والطلاق والجماع والمهر ، والاذن أو المنع من الخروج من البيت والرجوع في العدّة وأمثالها .
2 ـ الشهوة الجنسية : إنّ الإسلام باعتباره ديناً واقعياً ينظر إلى حاجات الروح والجسم على حدٍّ سواء ، ولا يقبل بإدخال نقص على جانب على حساب جانب آخر ، ولم يكن من دأبه أن يقضي بعض الحاجات دون بعض . بل إنّه دين فطرة يُلبّي جميع الحاجات بشكل مهذّب من دون إسراف . وعلى هذا الأساس كان على الإسلام أن يُلبّي هذه الحاجة الطبيعية ، وتلبيتها عن طريق الإباحية لم يكن صحيحاً على ما مضى في الأساس الأول ، فلبى الحاجة عن طريق سنّ قانون الزواج .
ولأجل أن يؤكّد الإسلام على الاُسلوب الذي يُلبّي الجانب الروحي والنظام ، ولكي يمنع من مفاسد الشهوة الجنسية لو لم يشبع عن طريق محلل ، ورد التأكيد الشديد على الزواج المبكر فضلاً عن أصل الزواج .
وبما أنّ الشهوة الموجودة عند الرجل تفترق(2) عن الشهوة الموجودة عند المرأة ، حيث تظهر الشهوة عند الرجل بصورة فوران ، أمّا الشهوة عند المرأة فتكون تدريجية ، فلهذا الفرق جعل الإسلام الجماع بيد الزوج . وقد وردت روايات كثيرة تحثّ المرأة على التجاوب مع الرجل ، حيث ذكرت الروايات استحباب أن تلزق المرأة جسمها بجسم الرجل وتطيعه ولو كانت على ظهر قتب .
ملاحظة : بالرغم من أنّ الشروط في ضمن العقود إذا كان متعلّقها مباحاً لا تكون مخالفة للكتاب والسنّة ، فهي ليست من قبيل الالتزام بترك الواجب أو فعل الحرام ، ولكن في خصوص الجماع فإنّ الروايات صريحة في قولها : إذا اشترطت المرأة أن يكون بيدها الجماع والطلاق فإنّها خالفت السنّة ، فكأنّ الرواية ترى أنّ إعطاء حقّ الجماع بيد الزوج هو لإشباع القوامية ، ولوجود مقتضى شديد للزوج . وكذا الأمر في الطلاق ، مع أنّ الجماع والطلاق كلاهما مباحان .
ففي معتبرة محمّد بن قيس عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قضى في رجل تزوّج امرأة وأصدقته هي واشترطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق؟ قال : "خالفت السنّة ، ووليت حقّاً ليست بأهله ، فقضى أنّ عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق"(3) .
ورغم أنّ شهوة الرجل بحالة الثوران فهو يشبع المرأة جنسياً ، إلاّ أنّ الإسلام أخذ احتياطاته في توصية الرجل ، فأوجب المبيت في كلّ أربع ليالي ليلة واحدة ، وأوجب الجماع في حالات خاصّة كلّ أربعة أشهر مرّة ، إلاّ أن تسقط المرأة حقّها ، وجعل المداعبة مستحبة ، وأن لا يكون عمله كعمل الحمار ، ويوجد في الروايات حثّ على مجامعة المرأة حينما ترغب ، حتى عبّرت بعض الروايات بأنّ إصابة الأهل صدقة .
3 ـ السكينة : إنّ السكينة هي أساس الاُلفة والمحبة والمودّة ، فحيث إنّ الحياة الزوجية تختلف عن حياة التاجر مع عملائه أو ما شابه ، فإنّ الارتباطات بين صاحب المصنع وعملائه يمكن افتراضها ارتباطات محددة قاطعة ، ولكن الارتباطات بين الزوج والزوجة لم يكن الهدف منها اشباع الحاجات المادية كما في صاحب المصنع مع عملائه ، فلاتثمر إذا كانت ارتباطات محددة قاطعة ، بل الهدف من ارتباطات الزوج والزوجة هي مادية وروحية ، والارتباطات الروحية لا يمكن تلبيتها إلاّ إذا قامت حياة على الاُلفة والمحبة والمودة ، والإسلام لكي يحفظ المودة والاُلفة خطا ثلاثة خطوات :
1 ـ قام الإسلام بتحسيس المرأة اتجاه حقوق الزوج تحت عنوان احترامه وتعظيمه وتبجيله فقال : {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} ليقرّر أنّ الرجل هو أقوى الموجودَين .
2 ـ قام الإسلام بتحسيس الرجل اتجاه المرأة عن طريق ترقيق عواطف الرجل أمام المرأة فقال مثل : "اتقوا الله في الضعيفين ، يعني بذلك اليتيم والنساء"(4) .
"إنماالمرأة لعبة من اتخذها فلايضيّعها"(5) .
"أوصاني جبرائيل بالنساء حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة"(6) .
"المرأة ريحانة وليست بقهرمانة"(7) .
كلّ هذا لتحسيس الرجل أنّ المرأة أضعف الموجودَين .
3 ـ إنّ الحقوق التي جعلها الإسلام للزوج على الزوجة في الحياة الزوجية العامة فهي واجبة ، كالاستمتاع بالزوجة متى أراد ، ولكن توجد حقوق للزوج على زوجته في الاُمور التي هي أمسّ بالحياة الخاصة بالزوجة ، قد جعلها الإسلام مستحبة على الزوجة ، كالتصرّف في أموالها وأعمالها المستحبة ، كالقيام بالطبخ وكلّ عمل يوجب المودّة ، ولم يجعلها واجبة لحفظ حرية المرأة باعتبارها إنسانة تحتاج إلى حرية في أعمالها .
هكذا رغّب الإسلام في الحياة الزوجية العائلية ، ورسمَ لها أُسسها ، وإليك شطراً ممّا يثبت ذلك :
1 ـ روى الحسن بن الفضل الطبرسي في مكارم الأخلاق عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : "لا يحلّ لامرأة تنام حتى تعرض نفسها على زوجها ، تخلع ثيابها وتدخل معه في لحافه ، فتلزق جلدها بجلده ، فإذا فعلت ذلك فقد عرضت"(8) .
2 ـ ما رواه أبو بصير بسند معتبر عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : أتت أمرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: ما حقّ الزوج على المرأة؟ قال: "أن تجيبه إلى حاجته وإن كانت على قتب ، ولا تعطي شيئاً إلاّ بإذنه ، فإن فعلت فعليها الوزر وله الأجر ، ولا تبيت ليلة وهو عليها ساخط"(9) .
3 ـ صحيحة سليمان بن خالد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : "إنّ قوماً أتو رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله إنّا رأينا أُناساً يسجد بعضهم لبعض ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"(10) .
4 ـ صحيحة ابن أبي يعفور عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : "نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله)النساء أن يتبتّلن ويعطّلن أنفسهنّ من الأزواح"(11) .
5 ـ وروى السكوني عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "إنّما المرأة لعبة مَنْ اتخذها فلايضيّعها"(12) .
6 ـ موثّقة سماعة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : "اتقوا الله في الضعيفين ، يعني بذلك اليتيم والنساء"(13) .
7 ـ معتبرة إسحاق بن عمّار قال : قلت للإمام الصادق (عليه السلام) : ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال (عليه السلام) : "يشبعها ويكسوها ، وإن جهلت غفر لها" ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : "كانت امرأة عند أبي (عليه السلام) تؤذيه فيغفر لها"(14) .
8 ـ صحيحة محمّد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة"(15) .
وأخيراً اتضح إنّ الحقوق في الأُسرة سوف تكون متفاوتة ، فالاُسرة متكوّنة مثلاً من الزوج والزوجة والأب والاُم والأولاد والإخوة والأخوات ، لا تكون حقوقهم وواجباتهم واحدة ومتساوية ، بل الزوج له حقوق وعليه واجبات ، والزوجة أيضاً لها حقوق وعليها واجبات أُخرى تختلف عن حقوق وواجبات الزوج ، وكذلك الأبوان والأولاد لكلّ واحد منهما حقوق وواجبات تختلف عن الآخر ، كلّ ذلك لاختلاف الرجل عن المرأة في أُمور متعدّدة أقرّها الجميع من الناحية الجسمية والنفسية والشعورية وغيرها .
والمناداة بتساوي الحقوق والواجبات في الأُسرة الواحدة منبعثاً من التأثّر بالمشاعر ، مردود بالحجج العلمية التي ذكرها علماء الاجتماع والنفس حول اختلاف وظيفة الرجل عن وظيفة المرأة ; نتيجة الاختلاف الجسمي والنفسي والشعورى وأمثال ذلك .
وهذا له مجاله الخاص الخارج عن موضوعنا هذا ، ولكن الذي يقود هذه السفينة ـ الأُسرة ـ إلى شاطئ السلامة هو الزوج .
____________
1- الروم : 21 .
2- نعم ، المرأة تفترق عن الرجل في جانبين :
الأول : الصبر على عدم العمل الجنسي كصبر عشرة رجال .
الثاني : المرأة لها قوة عشرة رجال في تقبّل العمل الجنسي ، فهي لها قابلية للعمل الجنسي بقدر عشرة رجال ، ولذتها أيضاً كذلك .
3- وسائل الشيعة 15 : باب 29 من المهور ، حديث 1 .
4- وسائل الشيعة 14 : باب 86 من مقدّمات النكاح و آدابه ، حديث 3 .
5- وسائل الشيعة 14 : باب 86 من مقدّمات النكاح و آدابه ، حديث 2 .
6- وسائل الشيعة 14 : باب 88 من مقدّمات النكاح و آدابه ، حديث 4 .
7- وسائل الشيعة : 14 باب 87 من مقدّمات النكاح و آدابه ، حديث 1 .
8- وسائل الشيعة 14 : باب 91 من مقدّمات النكاح ، حديث 5 .
9- المصدر نفسه : باب 79 من مقدّمات النكاح ، حديث 3 .
10- المصدر نفسه : باب 81 من مقدّمات النكاح ، حديث 1 .
11- وسائل الشيعة 14 : باب 84 من مقدّمات النكاح ، حديث 1 .
12- المصدر نفسه : باب 86 من مقدّمات النكاح ، حديث 2 .
13- المصدر نفسه ، حديث 3 .
14- المصدر نفسه باب 88 من مقدّمات النكاح ، حديث 1 .
15- المصدر نفسه ، حديث 4 .
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
هناك نظرتان في هذه المسألة نبينهما :
الاُولى : نظرة تقول بعدم الحاجة إلى العائلة ، فلنا أن نعيش حياة إباحية ونكون سعداء بذلك ، ومعنى ذلك : إنّنا نرجّح من يقول بأنّ الحياة الاُسرية هي حياة وضعية اختارها الإنسان وليست حياة طبيعية له ، فعلى هذا ستكون العلاقة الجنسية عامة مشتركة بين الأفراد ، ويعيش الرجل منفصلاً عن المرأة ، وهذا يؤدي إلى وجود دور خاصة للأطفال يقوم أفراد معيّنون بتربيتهم وحضانتهم .
أقول : لم يثبت لحدّ الآن وجود عصر من عصور التاريخ لم يعش فيه الإنسان الحياة العائلية ، فحتى القبائل المتوحشة الموجودة في العصر الحاضر ـ والتي تكون نموذجاً لحياة الإنسان القديم ـ لم تكن العلاقة الجنسية بين الذكور والإناث عامة ، بحيث تعيش المرأة منفصلة عن الرجل .
وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدلّ على أنّ المشاعر العائلية عند الإنسان الحاصلة من الزواج وعدم الإباحية هو أمر طبيعي وغريزي ، وليس حاصلاً من التمدّن والحضارات الحديثة .
الثانية : نظرة الإسلام التي ترى أنّ سعادة البشرية تكون في الحياة الزوجية العائلية الطبيعية ، وأنّ المجتمع السعيد بلحاظ الحياة الدنيا ـ وبغض النظر عن مسألة الآخرة ـ هو المجتمع المبني من وحدات صغيرد عائلية متماسكة ، وذلك :
1 ـ لأنّ استقرار الحياة ونظامها يتوقّف في نظر الإسلام على الحياة الزوجية العائلية ، فالنظام العائلي هو النظام الأنجح في تأمين ما يحتاج إليه الإنسان من استقرار ونظمها بأحسن وجه .
2 ـ إنّ الحاجات البشرية ليست كلّها عبارة عن حاجات مادية ، فحتى لو فرضنا أنّ مجتمعاً إباحياً استطاع أن يوفّر الحاجات المادية لكلّ أحد بشكل مستقرّ ، فإنّ هذا لا يكفي لإسعاد البشر ، إذ يوجد جانب روحي في البشر يبقى ضماناً ، وهو جانب السكون النفسي والاُلفة والمحبة والحنان ، فإنّ الزوجة إذا لم تُحِسّ بمن يحنّ عليها فلا تشعر بسعادة ، وكذلك الزوج فضلاً عن الأطفال ، فانّهم إذا لم يُحسوا بالمحبة والحنان يكونوا معقّدين في الحياة ، قال تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَات لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ}(1) .
ولهذا فقد جعل الإسلام النفقة والمسكن واجباً على الزوج ، وهذا الوجوب لا يستفاد منه مزيّة للرجل على المرأة التي تحتاج إلى ذلك غالباً ، بل حتى لو كانت الزوجة غنيّة فمع ذلك يجب على الزوج نفقة الزوجة وتهيئة السكن لها ، وما ذاك إلاّ لأن يشعر الرجل بالمسؤولية وبالارتباط بالحياة الزوجية وتكوين الأُسرة التي تكون مفيدة للطرفين ; لما فيها من الحماية والسكن والاستقرار ، فلو فرضنا أنّ المرأة لا تحتاج إلى نفقة وإلى مسكن ، إلاّ أنّها بلاشكّ بحاجة إلى حماية الزوج لها ، وبحاجة إلى السكن الذي هو استقرار روحي ونفسي لها ، ولانجد هذه الفوائد إلاّ بتكوين الأُسرة المتكوّنة من الزواج .
بالإضافة إلى أنّ الأولاد إذا عاشوا في كنف والديهم فسيكونون قد حصلوا على الضمان الكافي لمعيشتهم عيشة يكون الأبوان محامين عنهم عاملين على سعادتهم ، بخلاف دور الرعاية العامة التي تتعرّض لنقص في الحماية على الأطفال ، مثلاً : إذا مرض الطفل في الأُسرة فإنّ الأبوين سيعملان كلّ ما في وسعهما لإنقاذه من المرض بعرضه على الطبيب وإجراء العملية الجراحية له إن احتاج إليها ، أمّا الطفل في دور الرعاية فلا توجد تلك الحماية له ; لعدم وجود ذلك الحنان الدافع للحماية التامة .
إذن ، استقرار الحياة ونظامها وحاجات البشر تفرض نظام الحياة الزوجية العائلية ، ثمّ إنّ الإسلام جاء لتنظيم هذه الحياة العائلية على أُسس هي :
1 ـ الإيمان بأنّ الحياة الموحّدة بحاجة إلى قيادة موحّدة ، فلابدّ من قيادة في الحياة الزوجية ، ولهذا فرض الإسلام قيادة الزوج على الزوجة ، ولم يفرض قيادة الأب على البنت وقيادة الأخ على الاُخت ، وهذا دليل على أنّ الإسلام يجعل الاُنثى كاُنثى في عرض الرجل في الحقوق البشرية ، ولهذا جعل القيمومة على الزوجية فقط لصالحها وتدبير اُمورها لخصوصية في الزواج تعفي الزوجة من مسؤولية النفقة وترتيب بيت الزوجية .
ثمّ إنّ إعطاء القيادة بيد الزوج قد تمثّل في اُمور عديدة كلّها بيد الزوج على شكل حتم ، مثل النفقة والطلاق والجماع والمهر ، والاذن أو المنع من الخروج من البيت والرجوع في العدّة وأمثالها .
2 ـ الشهوة الجنسية : إنّ الإسلام باعتباره ديناً واقعياً ينظر إلى حاجات الروح والجسم على حدٍّ سواء ، ولا يقبل بإدخال نقص على جانب على حساب جانب آخر ، ولم يكن من دأبه أن يقضي بعض الحاجات دون بعض . بل إنّه دين فطرة يُلبّي جميع الحاجات بشكل مهذّب من دون إسراف . وعلى هذا الأساس كان على الإسلام أن يُلبّي هذه الحاجة الطبيعية ، وتلبيتها عن طريق الإباحية لم يكن صحيحاً على ما مضى في الأساس الأول ، فلبى الحاجة عن طريق سنّ قانون الزواج .
ولأجل أن يؤكّد الإسلام على الاُسلوب الذي يُلبّي الجانب الروحي والنظام ، ولكي يمنع من مفاسد الشهوة الجنسية لو لم يشبع عن طريق محلل ، ورد التأكيد الشديد على الزواج المبكر فضلاً عن أصل الزواج .
وبما أنّ الشهوة الموجودة عند الرجل تفترق(2) عن الشهوة الموجودة عند المرأة ، حيث تظهر الشهوة عند الرجل بصورة فوران ، أمّا الشهوة عند المرأة فتكون تدريجية ، فلهذا الفرق جعل الإسلام الجماع بيد الزوج . وقد وردت روايات كثيرة تحثّ المرأة على التجاوب مع الرجل ، حيث ذكرت الروايات استحباب أن تلزق المرأة جسمها بجسم الرجل وتطيعه ولو كانت على ظهر قتب .
ملاحظة : بالرغم من أنّ الشروط في ضمن العقود إذا كان متعلّقها مباحاً لا تكون مخالفة للكتاب والسنّة ، فهي ليست من قبيل الالتزام بترك الواجب أو فعل الحرام ، ولكن في خصوص الجماع فإنّ الروايات صريحة في قولها : إذا اشترطت المرأة أن يكون بيدها الجماع والطلاق فإنّها خالفت السنّة ، فكأنّ الرواية ترى أنّ إعطاء حقّ الجماع بيد الزوج هو لإشباع القوامية ، ولوجود مقتضى شديد للزوج . وكذا الأمر في الطلاق ، مع أنّ الجماع والطلاق كلاهما مباحان .
ففي معتبرة محمّد بن قيس عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قضى في رجل تزوّج امرأة وأصدقته هي واشترطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق؟ قال : "خالفت السنّة ، ووليت حقّاً ليست بأهله ، فقضى أنّ عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق"(3) .
ورغم أنّ شهوة الرجل بحالة الثوران فهو يشبع المرأة جنسياً ، إلاّ أنّ الإسلام أخذ احتياطاته في توصية الرجل ، فأوجب المبيت في كلّ أربع ليالي ليلة واحدة ، وأوجب الجماع في حالات خاصّة كلّ أربعة أشهر مرّة ، إلاّ أن تسقط المرأة حقّها ، وجعل المداعبة مستحبة ، وأن لا يكون عمله كعمل الحمار ، ويوجد في الروايات حثّ على مجامعة المرأة حينما ترغب ، حتى عبّرت بعض الروايات بأنّ إصابة الأهل صدقة .
3 ـ السكينة : إنّ السكينة هي أساس الاُلفة والمحبة والمودّة ، فحيث إنّ الحياة الزوجية تختلف عن حياة التاجر مع عملائه أو ما شابه ، فإنّ الارتباطات بين صاحب المصنع وعملائه يمكن افتراضها ارتباطات محددة قاطعة ، ولكن الارتباطات بين الزوج والزوجة لم يكن الهدف منها اشباع الحاجات المادية كما في صاحب المصنع مع عملائه ، فلاتثمر إذا كانت ارتباطات محددة قاطعة ، بل الهدف من ارتباطات الزوج والزوجة هي مادية وروحية ، والارتباطات الروحية لا يمكن تلبيتها إلاّ إذا قامت حياة على الاُلفة والمحبة والمودة ، والإسلام لكي يحفظ المودة والاُلفة خطا ثلاثة خطوات :
1 ـ قام الإسلام بتحسيس المرأة اتجاه حقوق الزوج تحت عنوان احترامه وتعظيمه وتبجيله فقال : {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} ليقرّر أنّ الرجل هو أقوى الموجودَين .
2 ـ قام الإسلام بتحسيس الرجل اتجاه المرأة عن طريق ترقيق عواطف الرجل أمام المرأة فقال مثل : "اتقوا الله في الضعيفين ، يعني بذلك اليتيم والنساء"(4) .
"إنماالمرأة لعبة من اتخذها فلايضيّعها"(5) .
"أوصاني جبرائيل بالنساء حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة"(6) .
"المرأة ريحانة وليست بقهرمانة"(7) .
كلّ هذا لتحسيس الرجل أنّ المرأة أضعف الموجودَين .
3 ـ إنّ الحقوق التي جعلها الإسلام للزوج على الزوجة في الحياة الزوجية العامة فهي واجبة ، كالاستمتاع بالزوجة متى أراد ، ولكن توجد حقوق للزوج على زوجته في الاُمور التي هي أمسّ بالحياة الخاصة بالزوجة ، قد جعلها الإسلام مستحبة على الزوجة ، كالتصرّف في أموالها وأعمالها المستحبة ، كالقيام بالطبخ وكلّ عمل يوجب المودّة ، ولم يجعلها واجبة لحفظ حرية المرأة باعتبارها إنسانة تحتاج إلى حرية في أعمالها .
هكذا رغّب الإسلام في الحياة الزوجية العائلية ، ورسمَ لها أُسسها ، وإليك شطراً ممّا يثبت ذلك :
1 ـ روى الحسن بن الفضل الطبرسي في مكارم الأخلاق عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : "لا يحلّ لامرأة تنام حتى تعرض نفسها على زوجها ، تخلع ثيابها وتدخل معه في لحافه ، فتلزق جلدها بجلده ، فإذا فعلت ذلك فقد عرضت"(8) .
2 ـ ما رواه أبو بصير بسند معتبر عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : أتت أمرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: ما حقّ الزوج على المرأة؟ قال: "أن تجيبه إلى حاجته وإن كانت على قتب ، ولا تعطي شيئاً إلاّ بإذنه ، فإن فعلت فعليها الوزر وله الأجر ، ولا تبيت ليلة وهو عليها ساخط"(9) .
3 ـ صحيحة سليمان بن خالد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : "إنّ قوماً أتو رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله إنّا رأينا أُناساً يسجد بعضهم لبعض ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"(10) .
4 ـ صحيحة ابن أبي يعفور عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : "نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله)النساء أن يتبتّلن ويعطّلن أنفسهنّ من الأزواح"(11) .
5 ـ وروى السكوني عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "إنّما المرأة لعبة مَنْ اتخذها فلايضيّعها"(12) .
6 ـ موثّقة سماعة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : "اتقوا الله في الضعيفين ، يعني بذلك اليتيم والنساء"(13) .
7 ـ معتبرة إسحاق بن عمّار قال : قلت للإمام الصادق (عليه السلام) : ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال (عليه السلام) : "يشبعها ويكسوها ، وإن جهلت غفر لها" ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : "كانت امرأة عند أبي (عليه السلام) تؤذيه فيغفر لها"(14) .
8 ـ صحيحة محمّد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : "أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنة"(15) .
وأخيراً اتضح إنّ الحقوق في الأُسرة سوف تكون متفاوتة ، فالاُسرة متكوّنة مثلاً من الزوج والزوجة والأب والاُم والأولاد والإخوة والأخوات ، لا تكون حقوقهم وواجباتهم واحدة ومتساوية ، بل الزوج له حقوق وعليه واجبات ، والزوجة أيضاً لها حقوق وعليها واجبات أُخرى تختلف عن حقوق وواجبات الزوج ، وكذلك الأبوان والأولاد لكلّ واحد منهما حقوق وواجبات تختلف عن الآخر ، كلّ ذلك لاختلاف الرجل عن المرأة في أُمور متعدّدة أقرّها الجميع من الناحية الجسمية والنفسية والشعورية وغيرها .
والمناداة بتساوي الحقوق والواجبات في الأُسرة الواحدة منبعثاً من التأثّر بالمشاعر ، مردود بالحجج العلمية التي ذكرها علماء الاجتماع والنفس حول اختلاف وظيفة الرجل عن وظيفة المرأة ; نتيجة الاختلاف الجسمي والنفسي والشعورى وأمثال ذلك .
وهذا له مجاله الخاص الخارج عن موضوعنا هذا ، ولكن الذي يقود هذه السفينة ـ الأُسرة ـ إلى شاطئ السلامة هو الزوج .
____________
1- الروم : 21 .
2- نعم ، المرأة تفترق عن الرجل في جانبين :
الأول : الصبر على عدم العمل الجنسي كصبر عشرة رجال .
الثاني : المرأة لها قوة عشرة رجال في تقبّل العمل الجنسي ، فهي لها قابلية للعمل الجنسي بقدر عشرة رجال ، ولذتها أيضاً كذلك .
3- وسائل الشيعة 15 : باب 29 من المهور ، حديث 1 .
4- وسائل الشيعة 14 : باب 86 من مقدّمات النكاح و آدابه ، حديث 3 .
5- وسائل الشيعة 14 : باب 86 من مقدّمات النكاح و آدابه ، حديث 2 .
6- وسائل الشيعة 14 : باب 88 من مقدّمات النكاح و آدابه ، حديث 4 .
7- وسائل الشيعة : 14 باب 87 من مقدّمات النكاح و آدابه ، حديث 1 .
8- وسائل الشيعة 14 : باب 91 من مقدّمات النكاح ، حديث 5 .
9- المصدر نفسه : باب 79 من مقدّمات النكاح ، حديث 3 .
10- المصدر نفسه : باب 81 من مقدّمات النكاح ، حديث 1 .
11- وسائل الشيعة 14 : باب 84 من مقدّمات النكاح ، حديث 1 .
12- المصدر نفسه : باب 86 من مقدّمات النكاح ، حديث 2 .
13- المصدر نفسه ، حديث 3 .
14- المصدر نفسه باب 88 من مقدّمات النكاح ، حديث 1 .
15- المصدر نفسه ، حديث 4 .
تعليق