لعشاق الفلسفة
وكان مشتغلاً بتعلّم الفلسفة المتعارفة وبلغ أعلى مراتبها قال: لم يطمئن قلبي بنيل الحقائق ولم تسكن نفسي بدرك الدقائق فعطفت وجه قلبي إلى مطالب أهل العرفان فذهبت إلى استاذ العرفاء والسالكين السيّد أحمد المعروف بالكربلائي في كربلاء وتلمّذت عنده حتّى نلت معرفة النفس وأعطاني ورقة أمضاها وذكر اسمي مع جماعة بأنّهم وصلوا إلى معرفة النفس وتخليتها من البدن، ومع ذلك لم تسكن نفسي إذ رأيت هذه الحقائق والدقائق الّتي سمّوها بذلك لا توافق ظواهر الكتاب وبيان العترة ولابدّ من التأويل والتوجيه.ووجدت كلتا الطائفتين كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً، فطويت عنهما كشحاً، وتوجّهت وتوسّلت مجدّاً مكدّاً إلى مسجد السهلة في غير أوانه باكياً متضرّعاً متخشّعاً إلى صاحب العصر والزمان(عليه السلام)، فبان لي الحقّ وظهر لي أمر الله ببركة مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه، ووقع نظري في ورقة مكتوبة بخط جليّ: طلب المعارف من غيرنا أو طلب الهداية من غيرنا (الشك منّي) مساوق لإنكارنا، وعلى ظهرها مكتوب: أقامني الله وأنا حجّة ابن الحسن.
قال: فتبرّأت من الفلسفة والعرفان وألقيت ما كتبت منهما في الشطّ ووجّهت وجهي بكلّه إلى الكتاب الكريم وآثار العترة الطاهرة فوجدت العلم كلّه في كتاب الله العزيز وأخبار أهل بيت الرسالة الّذين جعلهم الله خزّاناً لعلمه وتراجمة لوحيه، ورغّب وأكّد الرسول(صلى الله عليه وآله) بالتمسّك بهما، وضمن الهداية للمتمسّك بهما، فاخترت الفحص عن أخبار أئمّة الهدى والبحث عن آثار سادات الورى، فاُعطيت النظر فيها حقّه واُوفيت التدبّر فيها حظّه، فلعمري وجدتها سفينة نجاة مشحونة بذخائر السعادات وألفيتها فلكاً مزيّناً بالنيرات المنجية من ظلمات الجهالات، ورأيت سبلها لائحة وطرقها واضحة وأعلام الهداية والفلاح على مسالكها مرفوعة، ووصلت في سلوك شوارعها إلى رياض نضرة وحدائق خضرة مزّينة بأزهار كلّ علم وثمار كلّ حكمة إلهيّة الموحاة إلى النواميس الإلهيّة فلم أعثر على حكمة إلاّ وفيها صفوها، ولم أظفر بحقيقة إلاّ وفيها أصلها. والحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
راجع مستدرك سفينة البحار – للنمازي رحمه الله تعالى
تعليق