إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الانتظار.. رؤية نحو المستقبل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الانتظار.. رؤية نحو المستقبل





    نزار حيدر



    موقع الإمام الشيرازي
    أنْ تنتظر شيئاً، يعني أنك تنتظر المستقبل وليس الحاضر أو الماضي، أياً كان هذا الشيء الذي تنتظره، سلبيا كان ام إيجابيا.

    هذا من جانب، ومن جانب آخر، يعني أنك تستعد له نفسياً وشعورياً وفكرياً وربما جسدياً.
    في ذكرى مولد الأمل، الإمام الثاني عشر المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) من أئمة أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخامس عشر من شعبان المعظم، نلحظ أن المنتظرين على نوعين:
    الأول؛ هو الذي ينتظره بطريقة سلبية، فيضع يداً على يد، يرفض أن يعمل ولا يقبل بأي نشاط، وقد يعتزل الناس فيختار الجبال والكهوف بعيدا عن المدينة، بحجة أنه ينتظر الموعود فلا يريد أن ينشغل بالحياة الدنيا!.
    هذا النوع هم الفاشلون والسلبيون والذين ليس لهم نصيب من الدنيا، لا بالعلم ولا بالاقتصاد ولا بالمجتمع، ولا باي مجال من مجالات الحياة التي خلقها الله تعالى فسخرها لعباده، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}.
    الثاني؛ هو الذي يفهم الانتظار ع
    لى أنه استعداد للمستقبل، فيجدّ ويجتهد ويسعى ويحاول وينجح وينجز ويتحرك ويتحمّس ويتفاعل ويهيّء ويصحّح ويُصلح ويحسّن ويطوّر ويسخّر ما خلق الله له في الارض وما تحتها والسماء والبحار وما فيهما.
    إنه تعبير عن الفهم الصحيح والسليم لجوهر معاني الانتظار، والذي يعني أولاً وقبل أي شيء آخر، النظر الى المستقبل وعدم الانشغال بالماضي فقط، وبهذا الصدد يقول الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) في كتابه الرائع (فقه المستقبل) [إن معرفة المستقبل أمر واجب في الجملة، والتخطيط له واجب آخر، لأنهما مقدمة الواجب، وهي، وإن لم تكن كذلك شرعاً، إلا إنها لازمة عقلاً، وبهما يتم تحقيق أغراض المولى جلّ وعلا الملزمة، وهذه تُعد أول خطوة في هذا الاتجاه، فاللازم معرفة المستقبل بكل أبعاده وأجزائه وجزئياته، فبدون المعرفة لا يستطيع الإنسان أن يُحسن التخطيط للمستقبل، وبدون حسن التخطيط لا يملك الإنسان حلولاً له، وربما أوجب المستقبل سقوطه].
    فما هي، يا ترى، أسس الرؤية المستقبلية في إطار فلسفة الانتظار؟.
    أولاً: الانطلاق من الماضي للمستقبل، وعدم التوقف عنده، كما يفعل البعض.
    إن الماضي مهم بلا شك، ولكنه لن ينفع الإنسان إذا توقّف عنده، لأنه سيعجز عن أن يعيشه أولاً، وهو أعجز من أن يغيّر أو يبدّل فيه مقدار أنملة، ثانياً، فالماضي حجّة على أهله، أما الحجة علينا فهو الحاضر الذي نعُدّ فيه للمستقبل، ولذلك فعندما سأل فرعون موسى عليه السلام بقوله: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ}، أجاب نبي الله بقوله: {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى}.
    الماضي، إذن، ليس حجة علينا أبداً، كيف يكون حجّة علينا ونحن لم نشهده ولم نشترك في صناعته؟ كيف يحاسبنا الله تعالى عليه، وهو العَدْلْ، ونحن لسنا جزءا منه؟ إنما هو درس وتجربة وعبرة، كما يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
    ثانياً: إن صناعة الرؤية المستقبلية بحاجة الى أدوات معينة، وعلى رأسها مراكز الأبحاث والدراسات التي تهتم بجمع المعلومات وتحليلها ودراستها وتوظيفها في رسم الرؤية للمستقبل.
    وكلنا يعلم علم اليقين، بأنّ واحدة من أبرز نقاط قوة الغرب التي تمكن بها من رسم معالم مستقبله ووضع خارطة طريق للمستقبل، هي مراكز الأبحاث التي تنتشر في كل مكان وبمختلف الاهتمامات، ولذلك تراهم يمتلكون رؤية واضحة في كل مناحي الحياة، فيما ترى شعوبنا تتخبط خبط عشواء، لا تدري ماذا يراد لها وبها، كما يصف ذلك أمير المؤمنين عليه السلام: {كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا}. لأننا لا نقرأ، وإذا قرأنا لا نحفظ، وإذا حفظنا لا نحلّل، وإذا حلّلنا لا نتعلم، وإذا تعلمنا لا نستفيد، وإذا استفدنا فسنستفيد متأخرين أو بعد فوات الأوان، وصدق أمير الؤمنين (عليه السلام) الذي قال: {مِنَ الْخُرْقِ الْمُعَاجَلَةُ قَبْلَ الاْمْكَانِ، وَالاْناةُ بَعْدَ الْفُرْصَةِ}.
    إن مراكز الأبحاث ثقافة يجب علينا أن نتعلمها ونهتم بها، لتكون جزءا لا ينفك من حياتنا اليومية، نؤسسها في كل مكان، في الجامعة وفي المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وفي المدارس والعتبات المقدسة وفي حوزاتنا الدينية وفي دور العبادة، لتتحول عندنا ثقافة البحث والتحقيق والتدقيق والمعلومة وتحليلها الى ثقافة، فلا نتحدث قبل أن نعود إليها، ولا نكتب قبل أن نطّلع على آخر أوراقها البحثية، ولا نقرر قبل أن نصغ إليها، وهكذا، لنكون أكثر علميّة ومنطقاً في حياتنا اليومية نبتعد عن الارتجال والإنشاء والتهريج الإعلامي الذي أحاط بنا من كل جانب.
    ولكي تنجح مراكز الأبحاث عندنا، ينبغي أن يتميز المؤسسين والعاملين فيها، بما يلي:
    ألف: العلمية من خلال الالتزام بشعار الآية: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}. فلا يقبلون معلومة قبل التثبّت، ولا يرفضون أخرى قبل اليأس منها، يطاردون المعلومة أينما كانت وعند من كانت وكيفما كانت.
    باء: سعة الاطلاع التي تمكّن المرء من تحليل المعلومة بشكل دقيق، والتي تمنح الباحث، كذلك، عمقاً في الرؤية على اعتبار أن المعلومات شبكة واسعة ومتشعّبة لا يمكن لمحدود الثقافة أن يفكّكها ويوظّفها بشكل سليم.
    جيم: أنْ لا يكونوا يحملون في أذهانهم أحكاما مسبقة، لأن ذلك يحدد معارفهم وتفكيرهم، وتالياً يضيّق عليهم مجالات التفكير الواسعة.
    دال: إلغاء كل الخطوط الحمراء عند البحث في أية قضية من القضايا المطروحة، طبعاً من دون اللجوء الى سياسات الاتهام والتسقيط والتشكيك بالنوايا وغير ذلك.
    إن الباحث كلما زادت من حوله الخطوط الحمراء ومساحات اللامفكر فيه أو أراضي الحرام التي لا يحق له اقتحامها، كلما اقترب أكثر فأكثر من الفشل، والعكس هو الصحيح، ولذلك ينبغي أن يتمتع الباحث بحرية الرأي والتفكير بأقصى مداها
    وأوسع مساحاتها، ليصدُق قوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}. بشكل صحيح وفعّال.


    دال: أنْ ينصب كل اهتمام الباحثين في هذه المراكز على قراءة المستقبل والسعي لرسم معالمه، من خلال دراسات استراتيجية جادة ومعقمة، وعدم الانشغال بتحليل الآني من الأخبار والأحداث، فإن لها مجالها، وكذلك ينبغي نشر الأوراق البحثية في وقتها لأن تأخيرها قد يضيّع فرصة على المعنيّين للاستفادة منها عند التخطيط ووضع البرامج.
    هنا يجب أن ننتبه الى نقطة حساسة في غاية الأهمية، وهي:
    على اعتبار أن مراكز الأبحاث تتمتع بحرية كاملة، ولذلك فقد تصل الى نتائج حساسة وأحيانا خطيرة، قد لا يتقبلها المجتمع أو النظام السياسي أو النخبة سواء أكانت (الطبقة الدينية مثلاً أو الثقافية أو ما أشبه)، لذلك يمكن أن تقسّم أوراقها البحثية الى نوعين، الأول؛ هو المخصص للنشر العام لصناعة رأي عام سليم وصحيح في القضايا العامة، والثاني؛ هو المخصص لمن يهمه الأمر من أصحاب الرأي والمعنيين بالقضية مورد النقاش، إذ ليس بالضرورة أن يفكر الباحث بنشر كل ما يصل إليه من نتائج في القضايا مورد البحث، فقد يكون أثرها سلبياً على المجتمع إذا ما تم نشرها على الملأ، أو قد تسبب إحباطاً عاماً أو لا تساعد في حل أو تدفع باتجاه التعقيد أكثر فأكثر.
    إنه أمر طبيعي جداً ومنطقي وعقلي أن تنقسم الأبحاث الى عام وخاص، فإذا كان الهدف الحقيقي من البحث هو المساهمة في توضيح الصورة وتنوير المناطق المعتمة في أمر من الأمور، لذلك قد يتحقق ذلك بالنشر العام، وقد يتحقق بالنشر الخاص، خاصة إذا كان الموضوع المطروح يحتاج الى معالجة من أصحاب القرار أو ذوي الاختصاص، ولذلك نرى حتى في الغرب، فليس كل الأبحاث تُنشر على الملأ، كما أنها ليست كلها خاصة لطبقة دون أخرى.
    14/شعبان/1435
    التعديل الأخير تم بواسطة ام البنين ; الساعة 19-06-2014, 04:34 PM. سبب آخر:
يعمل...
X