بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين
والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين
هذه الحلقة الثالثة في الرد على اشكال ورد على اية الولاية :
ثالثاً: لو التزمنا جدلاً بأنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً، فإنّ في آي الذكر الحكيم ما يدلّ على تعيين (وليّ الأمر) كما في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55)، وحيث ثبت أنّ الولاية - في هذه الآية - هي لله ولرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وللذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون لا لغيرهم بقرينة (إنّما)، وهي أداة حصر، فهذه فسّرت من هو المراد بـ(أُولي الأمر) في الآية المشار إليها في السؤال.
بقي تعيين مَن تنطبق عليه تلك الأوصاف الثلاثة مجتمعة: (الإيمان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة وهو راكع)، وهو ما ثبت لأمير المؤمنين(عليه السلام)، كما في تفسير ابن جرير، وكشّاف الزمخشري، والفخر الرازي، والقرطبي، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، والدرّ المنثور للسيوطي، وغيرهم.
وبهذه الآية التي تكفّلت معنى الولاية في المقام وأنّها من سنخ ولاية الله وولاية الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفسّر الآية المشار إليها آنفاً في السؤال؛ فلاحظ !
وتعقيباً على ما تقدّم من أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً، نقول: إنّ آية المباهلة التي هي قوله تعالى: (( ...فقل تَعَالَوا نَدع أَبنَاءنَا وَأَبنَاءكم وَنسَاءنَا وَنسَاءكم وَأَنفسنَا وأَنفسكم... )) (آل عمران:61) قد نصّت على أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) هو نفس النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ حيث أخرج مسلم والترمذي وأحمد والبيهقي والحاكم والرازي والزمخشري وابن جرير والواحدي وابن حجر وغيرهم: أنّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعا عليّاً وفاطمة والحسن والحسين، وقال: (اللّهمّ هؤلاء أهلي...) ، فإذا كان عليّ(عليه السلام) نفس الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنصّ الآية المذكورة، فلماذا تخلّف المسلمون عنه وقد أمرهم الله تعالى بأن لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، كما في قوله تعالى: (( مَا كَانَ لأَهل المَدينَة وَمَن حَولَهم مّنَ الأَعرَاب أَن يَتخلّفوا عَن رَّسول اللّه وَلاَ يَرغَبوا بأَنفسهم عَن نفسه... )) (التوبة:120)؟
ولو لم يكن عليّ(عليه السلام) هو المراد لمّا عبّر تعالى عنه بقوله: (( عَن نفسه ))، ولقال: (ولا يرغبوا بأنفسهم عنه)؛ فلاحظ !
وأمّا أنّ المراد من (أولوا الأمر) في قوله تعالى: (( وَلَو رَدّوه إلى الرَّسول وَإلَى أولي الأَمر منهم لَعَلمَه الَّذينَ يَستَنبطونَه منهم... )) (النساء:83)، هم: أُمراء السرايا أوّل الكلام.
كيف وقد عممت الآية في أوّلها الأمر على حالتي الأمن والخوف لا خصوص حالة الخوف، كما يدّعي هذا المستشكل، قال تعالى: (( وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدّوه... )).
والآية نازلة لبيان حالة إشاعة الأراجيف بين المسلمين من قبل ضعاف النفوس، وأنّهم لو ردّوا الأمر إلى الرسول وإلى أُولي الأمر لأعلموهم حقيقة الحال وواقع هذه الأراجيف.
فهذه الآية ناظرة إلى ما يمس أمن الدولة واستقرارها، واتّخاذ القرار في هذا الشأن أنسب بمنصب الإمام ورئيس الدولة لا بأُمراء السرايا الذين هم قادة عسكريون. مع أنّ الآية ساوت في الردّ إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأُولي الأمر، وأخبرت بأنّ ما يستنبطونه يحصل به العلم، ولا يصحّ ذلك إلا إذا ثبتت لهم العصمة كرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّ من قوله يحصل العلم لمحلّ العصمة، وأُمراء السرايا لا يصيبون دائماً؛ لأنّهم غير معصومين.
ومن هنا وردت الروايات الكثيرة عندنا بأنّ المراد من (أُولوا الأمر) في الآية هم: الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام .
فظهر من هذا أنّ (أُولي الأمر) في آية الولاية هم المعنيون نفسهم في قوله تعالى: (( وَلَو رَدّوه إلى الرَّسول وَإلَى أولي الأَمر منهم لَعَلمَه الَّذينَ يَستَنبطونَه منهم... )).