بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
إن القضاء والقدر من الأصول الإسلامية الواردة في الكتاب والسنة، وليس لمن له إلمام بهذين المصدرين الرئيسيين أن ينكرهما أو ينكر واحدا منهما، إلا أن المشكلة في توضيح ما يراد منهما،فيجب ان نعرف ان مسألة القضاء والقدر ترجع الى الفعل الالهي في ايجاد الكائنات وخلقها من قبل الله سبحانه وتعالى،فمسألة القضاء والقدر مسألة صعبة لا تتمكن العقول من نيلها ،لأنها ترتبط بمشيئة الله تعالى ،مشيئته وأرادته وعمله الازلي الذي هو عين ذاته ،فلا يتمكن أي انسان من أن يتوصل الى كيفية الفيض الالهي ، فهو يرجع الى مراتبه المتعددة من الواحد الذي صدر من الحق سبحانه، فأن معنى القضاء(ما يدل على إحكام أمر وإتقانه وإنفاذه لجهته)، قال الله تعالى: (فقضاهن سبع سماوات في يومين) أي أحكم خلقهن ، وقد سمي القاضي قاضيا لأنه يحكم الأحكام وينفذها، وسميت المنية قضاء لأنها أمر ينفذ في ابن آدم وغيره من الخلق "والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
ومعنى القدر هو حد كل شئ ومقداره وقيمته وثمنه، ومنه قوله تعالى: (ومن قدر عليه رزقه) أي قدر بمقدار قليل " وقد روي عن الأمام أبي الحسن الرضا (ع) وقد سأله يونس بن عبد الرحمن عن معنى القضاء و القدر، فقال: " هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، والقضاء هو الإبرام وإقامة العين "
وهناك لكل من القضاء والقدر مراتب أو أقسام منها القضاء والقدر التشريعيان: ويعني به الأوامر والنواهي الإلهية الواردة في الكتاب والسنة، وقد أشار إليه الإمام أمير المؤمنين (ع) في كلامه حينما سأله الشامي عن معنى القضاء والقدر فقال: " الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية، والتمكين من فعل الحسنة وترك السيئة، والمعونة على القربة إليه والخذلان لمن عصاه، والوعد والوعيد " إلى آخر كلامه الشريف.
ومنها القضاء والقدر التكوينيان: ويعني به ما يرجع إلى الحقائق الكونية ونظام الوجود وهو على اقسام
القسم الأول القضاء والقدر العلميان فالتقدير العلمي عبارة عن تحديد كل شئ بخصوصياته في علمه الأزلي سبحانه، قبل إيجاده، فهو تعالى يعلم حد كل شئ ومقداره وخصوصياته الجسمانية وغير الجسمانية. والمراد من القضاء العلمي هو علمه تعالى بضرورة وجود الأشياء وإبرامها عند تحقق جميع ما يتوقف عليه وجودها من الأسباب والشرائط ورفع الموانع.
قال سبحانه: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا)
وقال أيضا (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون)
والقسم الثاني القضاء والقدر العينيان التقدير العيني عبارة عن الخصوصيات التي يكتسبها الشئ من علله عند تحققه وتلبسه بالوجود الخارجي. والقضاء العيني هو ضرورة وجود الشئ عند وجود علته التامة ضرورة عينية خارجية.
فالعالم المشهود لنا لا يخلو من تقدير و قضاء، فتقديره تحديد الأشياء الموجودة فيه من حيث وجودها، وآثار وجودها، وخصوصيات كونها بما أنها متعلقة الوجود والآثار بموجودات أخرى أعني العلل والشرائط فيختلف وجودها وأحوالها باختلاف عللها وشرائطها، فالتقدير يهدي هذا النوع من الموجودات إلى ما قدر له في مسير وجوده، قال تعالى: (الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى)
قال شيخ من أهل الشام حضر صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام بعد انصرافهم من صفين: أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء من الله وقدر؟ قال: نعم يا أخا أهل الشام والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا ولا علونا تله إلا بقضاء من الله وقدره. فقال الشامي: عند الله تعالى أحتسب عناي إذا يا أمير المؤمنين وما أظن أن لي أجرا في سعيي إذا كان الله قضاه علي وقدره لي. فقال أمير المؤمنين عليه السلام إن الله قد أعظم لكم الأجر على مسيركم وأنتم سائرون وعلى مقامكم وأنتم مقيمون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين ولا عليها مجبرين. فقال الشامي: فكيف يكون ذلك والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا وانصرافنا؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ويحك يا أخا أهل الشام لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد والأمر من الله عز وجل والنهي منه، وما كان المحسن أولى بثواب الإحسان من المسيء ولا المسيء أولى بعقوبة الذنب من المحسن. تلك مقالة عبدة الأوثان وحزب الشيطان وخصماء الرحمن وشهداء الزور وقدرية هذه الأمة ومجوسها، إن الله أمر عباده تخييرا ونهاهم تحذيرا وكلف يسيرا وأعطى على القليل كثيرا ولم يطع مكرها ولم يعص مغلوبا ولم يكلف عسيرا ولم يرسل الأنبياء لعبا ولم ينزل الكتب على العباد عبثا (وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار).
قال الشامي: فما القضاء والقدر اللذان كان مسيرنا بهما وعنهما؟ قال: الأمر من الله تعالى في ذلك والحكم منه ثم تلا (وكان أمر اللهِ قدرا مقدورا). فقام الشامي مسرورا فرحا لما سمع هذا المقال وقال: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك.
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
مختصر الالهيات للشيخ الكلبيكاني
محاضرات في الاخلاق و العقيدة للشيخ محمد كاظم ال شبر
تصحيح اعتقادات الامامية للشيخ المفيد
تعليق