الفصل الثاني / اذهاب الرجس في الآية
ورد في كتب عقائد الإمامية أن العصمة هي قوة العقل من حيث لا يغلب ، مع كونه قادرا على المعاصي كلها كجائز الخطاء وليس معنى العصمة إن الله يجبره على ترك المعصية ، بل يفعل به ألطافا يترك معها المعصية باختياره مع قدرته عليها ، كقوة العقل وكمال الفطنة والذكاء التي يبلغ بها إلى نهاية صفاء النفس وكمال الاعتناء بطاعة الله عز وجل ولو لم يكن قادرا على المعاصي بل كان مجبورا على الطاعات لكان ذلك منافيا للتكليف وعدم الإكراه في الدين ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أول من كلف قال الله تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) الحجر ، وقوله تعالى (لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) الأنعام ، وقوله تعالى (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) الزخرف
فالعصمة تعني حالة تقوى الله التي توجد عند الأنبياء والأئمّة بمعونة الله سبحانه، لكن وجود هذه الحالة لا يعني أنّهم غير قادرين على ارتكاب المعصية، بل إنّهم قادرون على إتيانها، غير أنّهم يجلّون أنفسهم عن التلوّث بها باختيارهم، ويغضّون الطرف عنها طوعاً وهذه التقوى موهبة خاصّة منحت للأنبياء لا للآخرين، لكن الله سبحانه قد منحها الأئمة عليهم السلام بعد خاتم الأنبياء للمسؤوليات الثقيلة الخطيرة الملقاة على عاتقهم في قيادة الناس وإرشادهم .
و الرِجْس في الآية صفة من الرجاسة و هي القذارة ، و القذارة هيئة في الشيء توجب التجنب و التنفر منها ، و تكون بحسب ظاهر الشيء و بحسب باطنه ، والرجاسة بحسب الباطن القذارة المعنوية كالشرك و الكفر و أثر العمل السيئ ، قال تعالى : ( و أما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم و ماتوا و هم كافرون ) التوبة 152، و قال : ( و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) الأنعام 152.
والرجس في الآية لا يعني الرجس الظاهري ، بل هو إشارة إلى الأرجاس الباطنية ، كما أن إطلاق كلمة الرجس ينفي أن تكون منحصرة ومحدودة بالشرك والكفر والأعمال المنافية للعفّة وأمثال ذلك ، فهي تشمل كلّ الذنوب والمعاصي والمفاسد العقائدية والأخلاقية والعملية.
كما أن الألف واللام في إذهاب الرجس هي للجنس فيكون معنى إزالة الرجس إزالة كل هيئة خبيثة في النفس تخطيء حق الاعتقاد و العمل فتنطبق على العصمة الإلهية التي هي صورة علمية نفسانية تحفظ الإنسان من باطل الاعتقاد و سيء العمل.
فيتعين حمل إذهاب الرجس في الآية على العصمة و يكون المراد بالتطهير في قوله : ( و يطهركم تطهيرا ) إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله ، و من المعلوم أن ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحق فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحق في الاعتقاد و العمل .
وعلى ما تقدم يكون المعنى : أن الله سبحانه وتعالى تستمر إرادته أن يخصكم بموهبة العصمة بإذهاب الاعتقاد الباطل و أثر العمل السيئ عنكم أهل البيت و إيراد ما يزيل أثر ذلك عليكم و هي العصمة.
والأدلة التي دلت على عصمة أهل البيت عليهم السلام كثيرة منها العقلية ومنها النقلية ، والنقلية هي الكتاب والسنة
فمن الكتاب قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) (59) النساء وقوله تعالى (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (23) الشورى وقوله تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (124) البقرة
ومن السنة النبوية الشريفة فما دل منها على عصمة أهل البيت عليهم السلام كثير نذكر منها :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق )
وقال صلى الله عليه وآله وسلم ( إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم (من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب وذريته الطاهرين ، أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده فإنهم لم يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة )
وغيرها من الأحاديث الشريفة الدالة على عصمة أهل البيت عليهم السلام
الفصل الثالث / الارادة في الآية
إن لله سبحانه وتعالى إرادة تكوينيّة وإرادة تشريعيّة وكلا القسمين واردان في القرآن الكريم ، فإلا رادة التكوينيّة كقوله تعالى : ( إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) و الإرادة التشريعيّة كقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيْدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) فالإرادة ، تارةً تكوينيّة ، وأُخرى تشريعيّة
و المراد من الإرادة في الآية لا يمكن أن يكون إلاّ الإرادة التكوينيّة ، لان الإرادة التشريعيّة لا تختصّ بأحد دون أحد سواء كان المراد من أهل البيت في الآية هم الأربعة الأطهار ، أو غيرهم أيضاً لأن الإرادة التشريعيّة تعني ما يريد الله سبحانه وتعالى أن يفعله المكلَّف ، أو يريد أن لا يفعله المكلّف ، فنعلم مثلا أنّ الله سبحانه يريد منّا أداء الصلاة والصوم والحجّ والجهاد فهي أوامر الله ونواهيه ، فهذه الإرادة التشريعيّة ، تتعلّق بأفعالنا لا بأفعال الله عزّ وجلّ في حين أنّ الآية الكريمة تتعلّق بأفعال الله سبحانه وتعالى ، فهي تقول : إنّ الله أراد أن يذهب عنكم الرجس ، وبناءً على هذا فإنّ مثل هذه الإرادة يجب أن تكون تكوينية ، ومرتبطة بإرادة الله سبحانه في عالم التكوين إذ لا معنى لان تكون الإرادة هنا تشريعيّة ومختصّة بأهل البيت أو غير أهل البيت كائناً من كان المراد من أهل البيت في هذه الآية المباركة ، إذ ليس هناك تشريعان ، تشريع يختصّ بأهل البيت في هذه الآية وتشريع يكون لسائر المسلمين المكلّفين ، فالإرادة هنا تكون تكوينيّة لا محالة .
ورد في كتب عقائد الإمامية أن العصمة هي قوة العقل من حيث لا يغلب ، مع كونه قادرا على المعاصي كلها كجائز الخطاء وليس معنى العصمة إن الله يجبره على ترك المعصية ، بل يفعل به ألطافا يترك معها المعصية باختياره مع قدرته عليها ، كقوة العقل وكمال الفطنة والذكاء التي يبلغ بها إلى نهاية صفاء النفس وكمال الاعتناء بطاعة الله عز وجل ولو لم يكن قادرا على المعاصي بل كان مجبورا على الطاعات لكان ذلك منافيا للتكليف وعدم الإكراه في الدين ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أول من كلف قال الله تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99) الحجر ، وقوله تعالى (لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) الأنعام ، وقوله تعالى (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) الزخرف
فالعصمة تعني حالة تقوى الله التي توجد عند الأنبياء والأئمّة بمعونة الله سبحانه، لكن وجود هذه الحالة لا يعني أنّهم غير قادرين على ارتكاب المعصية، بل إنّهم قادرون على إتيانها، غير أنّهم يجلّون أنفسهم عن التلوّث بها باختيارهم، ويغضّون الطرف عنها طوعاً وهذه التقوى موهبة خاصّة منحت للأنبياء لا للآخرين، لكن الله سبحانه قد منحها الأئمة عليهم السلام بعد خاتم الأنبياء للمسؤوليات الثقيلة الخطيرة الملقاة على عاتقهم في قيادة الناس وإرشادهم .
و الرِجْس في الآية صفة من الرجاسة و هي القذارة ، و القذارة هيئة في الشيء توجب التجنب و التنفر منها ، و تكون بحسب ظاهر الشيء و بحسب باطنه ، والرجاسة بحسب الباطن القذارة المعنوية كالشرك و الكفر و أثر العمل السيئ ، قال تعالى : ( و أما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم و ماتوا و هم كافرون ) التوبة 152، و قال : ( و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) الأنعام 152.
والرجس في الآية لا يعني الرجس الظاهري ، بل هو إشارة إلى الأرجاس الباطنية ، كما أن إطلاق كلمة الرجس ينفي أن تكون منحصرة ومحدودة بالشرك والكفر والأعمال المنافية للعفّة وأمثال ذلك ، فهي تشمل كلّ الذنوب والمعاصي والمفاسد العقائدية والأخلاقية والعملية.
كما أن الألف واللام في إذهاب الرجس هي للجنس فيكون معنى إزالة الرجس إزالة كل هيئة خبيثة في النفس تخطيء حق الاعتقاد و العمل فتنطبق على العصمة الإلهية التي هي صورة علمية نفسانية تحفظ الإنسان من باطل الاعتقاد و سيء العمل.
فيتعين حمل إذهاب الرجس في الآية على العصمة و يكون المراد بالتطهير في قوله : ( و يطهركم تطهيرا ) إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله ، و من المعلوم أن ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحق فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحق في الاعتقاد و العمل .
وعلى ما تقدم يكون المعنى : أن الله سبحانه وتعالى تستمر إرادته أن يخصكم بموهبة العصمة بإذهاب الاعتقاد الباطل و أثر العمل السيئ عنكم أهل البيت و إيراد ما يزيل أثر ذلك عليكم و هي العصمة.
والأدلة التي دلت على عصمة أهل البيت عليهم السلام كثيرة منها العقلية ومنها النقلية ، والنقلية هي الكتاب والسنة
فمن الكتاب قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) (59) النساء وقوله تعالى (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (23) الشورى وقوله تعالى (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (124) البقرة
ومن السنة النبوية الشريفة فما دل منها على عصمة أهل البيت عليهم السلام كثير نذكر منها :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق )
وقال صلى الله عليه وآله وسلم ( إنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم (من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب وذريته الطاهرين ، أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده فإنهم لم يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة )
وغيرها من الأحاديث الشريفة الدالة على عصمة أهل البيت عليهم السلام
الفصل الثالث / الارادة في الآية
إن لله سبحانه وتعالى إرادة تكوينيّة وإرادة تشريعيّة وكلا القسمين واردان في القرآن الكريم ، فإلا رادة التكوينيّة كقوله تعالى : ( إِذَا أَرَادَ شَيْئَاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) و الإرادة التشريعيّة كقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيْدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) فالإرادة ، تارةً تكوينيّة ، وأُخرى تشريعيّة
و المراد من الإرادة في الآية لا يمكن أن يكون إلاّ الإرادة التكوينيّة ، لان الإرادة التشريعيّة لا تختصّ بأحد دون أحد سواء كان المراد من أهل البيت في الآية هم الأربعة الأطهار ، أو غيرهم أيضاً لأن الإرادة التشريعيّة تعني ما يريد الله سبحانه وتعالى أن يفعله المكلَّف ، أو يريد أن لا يفعله المكلّف ، فنعلم مثلا أنّ الله سبحانه يريد منّا أداء الصلاة والصوم والحجّ والجهاد فهي أوامر الله ونواهيه ، فهذه الإرادة التشريعيّة ، تتعلّق بأفعالنا لا بأفعال الله عزّ وجلّ في حين أنّ الآية الكريمة تتعلّق بأفعال الله سبحانه وتعالى ، فهي تقول : إنّ الله أراد أن يذهب عنكم الرجس ، وبناءً على هذا فإنّ مثل هذه الإرادة يجب أن تكون تكوينية ، ومرتبطة بإرادة الله سبحانه في عالم التكوين إذ لا معنى لان تكون الإرادة هنا تشريعيّة ومختصّة بأهل البيت أو غير أهل البيت كائناً من كان المراد من أهل البيت في هذه الآية المباركة ، إذ ليس هناك تشريعان ، تشريع يختصّ بأهل البيت في هذه الآية وتشريع يكون لسائر المسلمين المكلّفين ، فالإرادة هنا تكون تكوينيّة لا محالة .
تعليق