إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دور الصيام في بناء الفرد والمجتمع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دور الصيام في بناء الفرد والمجتمع




    دور الصيام في بناء الفرد والمجتمع

    في الرواية الواردة عن الإمام الرضا (ع): ((إنما أمروا بالصوم لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الآخرة، وليكون الصائم خاشعا ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا عارفا صابرا على ما أصابه من الجوع والعطش، فيستوجب الثواب، وليكون ذلك واعظا لهم في العاجل، ورايضا(او رائضا) لهم على أداء ما كلفهم، ودليلا لهم في الآجل، وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا، فيؤدوا إليهم ما افترض الله لهم في أموالهم)) وسائل الشيعة ج10 ب1 وجوب الصيام ح 5
    تكشف لنا هذه الرواية عن فلسفة الصيام من مختلف أبعاده، ويمكن لنا أن نستفيد من الرواية عدة أمور فيما يرتبط بدور الصيام بالنسبة إلى الفرد وفي واقع الأمة:

    1-البناء الفكري:
    أن أهم نقطة ولعلها النقطة المركزية في الرواية عندما تتحدث عن فلسفة الصيام هي ما يتعلق بالجانب الفكري والعقيدي، ((لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الآخرة)) ألم الجوع والعطش يكشف للإنسان مقدار ضعفه وعجزه، حتى عن احتمال هذا الألم المحدود المرتبط بالطعام والشراب، فتنفتح آفاق الإنسان على القدرة اللامتناهية والعظمة اللامحدودة، فمن فقره يستدل على الغنى المطلق ومن عجزه يستدل على القدرة المطلقة ومن ضعفه يستدل على العظمة المطلقة ومن نقصه يستدل على الكمال المطلق، من هنا تخرج العبادة عن إطار الممارسة المجردة لتعطي للإنسان بعدا آخر في استيعاب حقيقة وجوده وبلورة هويته ويحقق عمقا في حركة التواصل مع الله سبحانه وتعالى مما يجعل للعبادة دورا مهما وحيويا في مجمل حركة الإنسان.

    2- الإعداد النفسي:
    إن المشكلة الكبيرة التي يعاني منها الإنسان أنه لا يعيش انسجاما نفسيا مع الكثير من الممارسات العبادية، لإحساسه بثقلها وصعوبتها، وهذا الأمر إنما هو نتيجة أمرين، الأول عدم التدريب للنفس على ذلك والثاني انفتاح الإنسان على الكثير من الأجواء والممارسات التي تضعف ارتباطه بالعبادة وتثقلها في نفسه، ومن هنا يحتاج الإنسان إلى عملية ترويض دائم للنفس، كي تعتاد على الطاعات وتعيش بعدا نفسيا عن المعاصي والمحرمات، وفي هذا الإطار نلاحظ أن الرواية في حديثها عن فلسفة الصيام تشير إلى هذا الجانب ((ورايضا لهم على أداء ما كلفهم)) وذلك من خلال تعويد النفس على الصبر على الجوع والعطش، وإذا تمكن الإنسان من أن يعوّد نفسه على حالة الحرمان من أهم متطلباتها المادية المحللة من الطعام والشراب، فهي خطوة في طريق تعويد النفس على الصبر على غيرها من الأمور، وخصوصا ما كان محرما ومبغوضا من قبل الله سبحانه وتعالى، ((وليكون الصائم خاشعا ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا عارفا صابرا على ما أصابه من الجوع والعطش فيستوجب الثواب)) وهكذا يكون لحالة الانصهار في أجواء الصيام الدور الكبير في الانفتاح على بقية العبادات، وتشكيل النفس القوية والإرادة القادرة على ضبط حركة الإنسان وتوجيهه نحو الصواب.

    3-البعد الاجتماعي:
    ارتباط العبادة بالجانب الاجتماعي يعطي للعبادة بعدا حيويا بعيدا عن الجمود والتقوقع في إطار محدود، و نلاحظ ذلك من خلال الرواية ((وليعرفوا شدة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا، فيؤدوا إليهم ما افترض الله لهم في أموالهم))، إن أكثر العبادات تملك بعدا اجتماعيا مهما يخرج العبادة عن كونها سلوكا فرديا ليجعلها مفردة متحركة في واقع الحياة، وكلما أخلص الإنسان في تفعيل هذا الدور كلما أحس بقيمة العبادة ودورها، وهكذا ينمو ويرتفع المستوى الروحي للإنسان ويتحقق دور العبادة الحقيقي في حياة الإنسان، ولهذا نلاحظ الكثير من المستحبات الشرعية المرتبطة بالجانب الاجتماعي في شهر رمضان، ففي خطبة الرسول (ص): (وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا صغاركم وصلوا أرحامكم)، (وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم)، (من فطّر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه)، (من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ومن أكرم فيه يتيما أكرمه الله يوم يلقاه ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه)، والذي نستفيده من جملة هذه الكلمات ضرورة استثمار الشهر في مجموعة من البرامج الاجتماعية، التي تهدف إلى تمتين العلاقات الاجتماعية ورفع كل نقاط الخلل والقصور في هذه العلاقات، وملاحظة الفئات المحرومة والتي تعاني من الحرمان المادي كالفقراء والمساكين أو الحرمان المعنوي كالأيتام، ومن ثم ينتهي الشهر أيضا بزكاة الفطرة ليعطي هذا الامتداد الواسع للعبادة في حياة الإنسان والمجتمع، من أجل أن يكون للإنسان دوره الفاعل في الحياة الاجتماعية، ومن أجل ألا يعيش منفصلا عن مجتمعه يعيش هما خاصا به دون الالتفات إلى غيره من أفراد المجتمع، كما تتحرك بنا سفينة المدنية باتجاه ذلك، وكما تريد لنا الحضارة المزعومة أن نكون في حالة تفكك وشلل اجتماعي، ليسهل تمرير كل المؤامرات وليسهل القضاء على هذه الأمة في أهم نقاط قوتها ومنعتها، ألا وهي اللحمة الاجتماعية القوية التي تقف أمام كل المؤامرات والدسائس.

    4-البعد السياسي:
    شهر رمضان شهر الانتصارات الكبيرة والمواقف الكبيرة في تاريخ الأمة، وهذا ليس بغريب لأن حركة العبادة في هذا الشهر تعطي للإنسان المؤمن وللأمة الإحساس بعزتها وكرامتها من خلال قربها من الله، وكلما عاشت الأمة مع الله فهي لا تعرف الخوف ولا تعرف الانكسار ولا الهزيمة، وهكذا رأينا كيف صاغ هذا الشهر حركة الأمة السياسية ليكون لها الموقف الواضح من كل قوى الشرك والضلال والانحراف، ولتعطي الدروس الكبيرة للأجيال فالانتصار على المشركين في معركة بدر، والنصر الأكبر بفتح مكة، وانتصار المسلمين في حرب رمضان ضد الصهاينة وغيرها من الانتصارات، لهي شاهد مهم على دور هذا الشهر وأهميته على الصعيد السياسي، الذي يجب أن تقف فيه الأمة لتراجع كل مواقفها وحركتها السياسية، من أجل أن تضمد كل جراحاتها، وتشحذ هممها، وتبلور مواقفها، فيكون هذا الشهر منطلقا للعمل السياسي الحقيقي الناجح والمؤثر في واقع الأمة.

    والحمد لله رب العالمين

    المصدر

    مركز آل البيت العالمي قم
يعمل...
X