بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين واللعن الأبدي الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين
الإمام الباقر(عليه السلام) والريادة الربانية
ما برح ينادي نداء (العاشق الولهان : يا باقر يا باقر ) ولم يزل يكرر هذا النداء ويفوه بهذا الاسم المشرق المقدس , حتى ارتفعت الصيحات من حوله وكثر اللغط ضده وأصابته الألسن بسهامها واتهامها له بفقدان العقل , لم يأبه بذلك كله لأنه كان يحمل بين جنبيه إيماناً راسخاً واعتقاداً ثابتاً بصدق الحبيب المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأن البشارة ستحقق لا محاله . من هو العاشق هذا ؟ وماهي البشارة؟
إنه جابر بن عبدالله الأنصاري الذي يقول عنه الإمام الصادق (عليه السلام ) إن جابر بن عبدالله الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وكان رجلاً منقطعاً إلينا أهل البيت فكان يقعد في مسجد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) معتجراً بعمامه وكان يقول : يا باقر يا باقر فكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر فكان يقول : لا والله لا أهجر ولكني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : إنك ستدرك رجلاً مني إسمه إسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقراً فذلك الذي دعاني إلى ماأقول . ( معتجراً : الاعتجار : هو أن يلف العمامة على رأسه ويرد طرفها على وجهة ولا يعمل منها شيئاً تحت ذقنه ).
ولقد التقى العاشق بمعشوقه فزهر قلبه وانتشت روحه فرحاً وجذلاً , عن محمد بن مسلم المكي أنه قال : كنا عند جابر بن عبدالله الأنصاري فأتاه علي بن الحسين ومعه ابنه محمد وهو صبي فقال علي لابنه : قبل رأس عمك , فدنا محمد بن جابر فقبل رأسه فقال جابر : من هذا _ وكان قد كف بصره _ فقال له علي ( عليه السلام ) : هذا ابني محمد فضمه جابر إليه وقال : يامحمد ! محمد رسول الله يقرأ عليك السلام فقالوا لجابر : كيف ذلك يا أبا عبدالله ؟ فقال : كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) والحسين في حجره وهو يلاعبه فقال :يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له علي إذا كان يوم القيامه نادى مناد ليقم سيد العابدين فيقوم علي بن الحسين , ويولد لعلي إبن يقال له محمد , يا جابر إن رأيته فأقرأه مني السلام وإعلم أن بقاءك بعد رؤيته يسير فلم يعش بعد ذلك إلا قليلاً ومات . ( بحار الانوار 46 وكشف الغمة ج 2 ).
ولد الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) سنة 57 هجرية واستشهد سنة 114 هجرية وهو خامس أعلام التقى ومصابيح الدجى وقد ولد ( عليه السلام ) والأمة قد انتابتها ويلات حيث كانت ترزخ تحت ظل الطغاة الجبابرة الذين أذاقوها صنوف الأذى والآلام وقد أحكموا قبضتهم بقسوة بشعة على رقاب الناس فلم تجد الأمة بداً من الانتفاضة لنيل الخلاص من الإذلال والاستبعاد حيث تتالت الثورات وبشكل واسع وكبير .
شاهد الإمام الباقر ( عليه السلام ) _وهو في غضارة الصبا وريعان العمر حيث لم يبلغ الخامسة من عمره الشريف _ واقعة الطف الدامية التي اهتز لها الكون بأسره , يقول الإمام الشافعي عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) ورزيته العظمى :
قتيل بلا جرم كأن قميصه
صبيغ بماء الأرجوان خضيب وللسيف إعوال وللرمح رنّة
وللخيل من بعد الصهيل نحيب تزلزلت الدنيا لآل محمد
وكادت لهم شم الجبال تذوب ومن الكوارث المؤلمة التي عاصرها الإمام (عليه السلام ) وهو في ريعان العمر واقعة الحرة في المدينة المنورة التي عاث فيها الجيش الظالم فساداً بقيادة المجرم اللعين مسرف بن عقبة بأمر من طاغيته يزيد الفسق والخنا , فهتكوا الأعراض وأزهقوا الأرواح وقد طالت قسوتهم حتى الأطفال والشيوخ ونهبوا الأموال وأباحوا المدينة المنورة ثلاثة أيام بلياليها ولم تبق حرمة لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) إلا وانتهكت ولم ينج من أهوال تلكم الكوارث والويلات إلا الإمام زين العابدين (عليه السلام ) ومن لاذَ بداره .
ولم يتقرب الإمام (عليه السلام ) من سلطان ولم يتصل بسلطة ومما يؤكد هذا الأمر ماذكر من أن الوليد بن عبد الملك عندما زار المدينة المنورة ليقف على مدى سيرة التوسعة في المسجد النبوي الشريف التي أمر بها _وهو ما يعمله السلطان للدعاية لنفسه في أنه خادم للمسجد الحرام _ وكان واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز يحث الأشراف والوجوه والعلماء لاستقباله وزيارته , ما عدا الإمام الباقر ( عليه السلام ) لأنه (( كان يعلم أن الإمام الباقر (عليه السلام ) ليس ممن يسعى إلى لقاء الخلفاء والملوك فتدارك الأمر وجاء بنفسه إلى الإمام الباقر (عليه السلام ) , وسأله : هل هل تزور الخليفة غداً ؟ فردً عليه الإمام بالنفي . وطال الحوار ينهما وكان من قول الإمام الباقر (عليه السلام ) مما يسلط الضوء على مسألتنا : ما كان ذلك (يعني الامتناع من الزيارة للوليد بن عبد الملك ) غروراً أو كبرياء مني ولكني آثرت العزلة على مخالطة السلاطين )) . (تاريخ التشريع الإسلامي للدكتور الفضلي ص 96 )
لذلك اتجه الإمام الباقر ( عليه السلام ) بكل ما يملك من مواهب ربانية وفيوضات إلهية إلى إنشاء الجامعة الكبرى فكان المرجع الأوحد والأستاذ الفذ والقائد الملهم للأمة في مسيرتها الثقافية وكان أول ماعنى به الإمام الباقر ( عليه السلام ) هو نشر فقه آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي يحمل روح الإسلام وجوهره لذا تخرج من مدرسته كبار الفقهاء والمجتهدين الذين أجمع العلماء على تصديق أقوالهم والاذعان لهم بالفقه والفضيلة وصدق الحديث .
قال الكشي في( رجاله ) : <أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبدالله ( عليه السلام ) وإنقادوا لهم بالفقه ( أعترفوا بانهم فقهاء ) , فقالوا : أفقه الأولين ستة : زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي >>. أعيان الشيعة 1/142_143)
ولولا هؤلاء لضاعت أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) ذلك التراث الحضاري وذلك العطاء الضخم الذي أنار القلوب والعقول ولم يقتصر الإمام ( عليه السلام ) في تدريسه وبحوثه على الفقه والحديث وإنما خاض النواحي الأخرى من العلوم كعلم الكلام والطب وغير ذلك , وقد ناظر (عليه السلام ) النصارى والازارقة والملحدين كان دائماً الظافر المنتصر وكان خصمه العاجز المنكسر ومن مناظراته كما في الأحتجاج ج328 _330
عن أبي بصير قال: كان مولانا أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام ) جالساً في الحرم وحوله عصابة من أوليائه , إذ أقبل طاووس اليماني في جماعة من أصحابه ثم قال لأبي جعفر ( عليه السلام ) :
أتأذن لي في السؤال ؟
فقال (عليه السلام ) : أذنّا لك فسل .
قال : أخبرني متى هلك ثلث الناس ؟
قال
عليه السلام ) وهمت ياشيخ , أردت أن تقول :<<متى هلك ربع الناس ؟>> وذلك يوم قتل قابيل هابيل, كانوا أربعة :آدم وحواء وقابيل وهابيل فهلك ربعهم .
فقال : اصبت ووهمت أنا , فأيهما كان أباً للناس القاتل أو المقتول ؟
قال (عليه السلام ) لا واحد منهما , بل أبوهم شيث بن آدم (آبن نزلة السماء ) .
قال : فلم سمي آدم بآدم ؟
قال : (عليه السلام ) لأنه رفعت طينته من أديم الأرض السفلى .
قال : ولم سميت حواء حواء ؟
قال :لأنها خلقت من ضلع حي يعني ضلع آدم .
قال : فلم سمي ابليس إبليس ؟
قال : ( عليه السلام ) لأنه أبلس من رحمة الله عز وجل فلا يرجوها .
قال : فلم سمي الجن جناً ؟
قال :(عليه السلام ) لأنهم استجنّوا فلم يروا .
قال : اخبرني عن اول كذبة كذبت ومن أصحابها ؟
قال: ( عليه السلام ): ابليس حين قال
أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) .
قال: فأخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحق وكانوا كاذبين ؟
قال (عليه السلام ) : المنافقون حين قالوا لرسول الله نشهد إنك رسول الله ,
فأنزل الله عز وجل : ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك رسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون )
قال : فأخبرني عن طائر طار مرة ولم يطر قبلها ولابعدها , ذكره الله عز وجل في القرآن ما هو ؟
قال (عليه السلام ) طور سيناء , اطاره الله عز وجل على بني اسرائيل حين أظلهم بجناح منه , فيه ألوان العذب , حتى قبلوا التوراة وذلك قوله عز وجل : ( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا انه واقع بهم )
قال: فأخبرني عن رسول بعثه الله تعالى ليس من الجن ولا من الانس ولا الملائكة ذكره الله تعالى في كتابه ؟
قال (عليه السلام ): الغراب , حين بعثه الله عزَّ وجل ليري قابيل كيف يواري سوأة أخيه هابيل حين قتله , قال الله عز وجل : (فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه ) .
قال فأخبرني عمن أنذر قومه ليس من الجن ولا من الانس ولا من الملائكة ذكره الله عز وجل في كتابه ؟ قال (عليه السلام ) النملة حين قالت
يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ).
قال : فأخبرني عمن كذب عليه , ليس من الجن ولا من الانس ولا من الملائكة , ذكره الله عز وجل في كتابه ؟ قال (عليه السلام ) : الذئب الذي كذب عليه اخوه يوسف .
قال فأخبرني : عن شيء قليله حلال وكثيره حرام , ذكره الله عز وجل في كتابه ؟
قال (عليه السلام ) : نهر طالوت ,قال الله عز وجل :( إلا من اغترف غرفة بيده .. ) قال : فأخبرني عن صلاة فريضة تصلي بغير وضوء وعن صوم لا يحجز عن أكل ولا شرب ؟
قال (عليه السلام ) : أما الصلاة بغير وضوء فالصلاة على النبي وآله (عليهم السلام ) وأما الصوم فقول الله عز وجل : ( إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم انسيا) .
قال : فأخبرني عن شيء يزيد وينقص وعن شيء يزيد ولا ينقص وعن شيء ينقص ولا يزيد ؟
فقال الباقر (عليه السلام ) أما الشيء الذي يزيد وينقص فهو : القمر , والشيء الذي يزيد ولا ينقص فهو : البحر, والشيء الذي ينقص ولا يزيد هو : العمر ( الأحتجاج ج2/ ص 328_330 ).
روى الصفار في البصائر بسنده عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين . وكان جابر بن عبدالله الانصاري على شيخوخته وكبر سنه حيث قارب عمره المائة أو جاوزها كان يأتيه فيجلس بين يديه فيعلمه وقد أخذ جابر من سعة علوم الإمام ومعارفه وطفق يقول : يا باقر العلم لقد أوتيت الحكم صبياً .
(( ليس من الغريب إذا أعطى الله تعالى الأئمة من آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) قوة قدسية يتمكنون بها من استعلام ما وقع أو يقع في الكون من حوادث ووقفوا على اسرار الطبايع وخواص الأشياء وإلى هذه القوة أشار الحديث << إذا ولد المولود منا رفع له عمود نور يرى به أعمال العباد >> ولم يعزب عنهم كل شيء إقداراً لهم من منشيء كيانهم عظمت آلاؤه وليس هو من الغيب المختص بالله تعالى حتى يستحيل في حقهم (عليهم السلام ) فإنه في الباري سبحانه ذاتي كإرادته وقدرته وسائر صفاته وفيهم ( عليهم السلام ) بواسطة فيضه ولطفه إذن فالغيب على قسمين : ذاتي وهو عين واجب الوجود بحيث لم يكن صادراً عن علة وجعل , وجعلي وهو ما كان صادراً عن علة ومتوقفاً على وجود لطف المولى تعالى وفيضه وهو الموجود في الائمة والانبياء وأوصيائهم فالأئمة جميع الآنات محتاجون الى الفيض الإلهي بحيث لولا الجعل الربوبي واستمرار الفيض الرحماني لنفد ماعندهم وبعد هذا فأي غرابة في اعتقاد نسبة الغيب إليهم (عليهم السلام ) إلا أن يقال بنقصانهم وعدم قابليتهم للفيض الرحماني ومن يقدر على هذه الدعوى ويأتي ببرهان يساعده على ذلك مع أن الأحاديث دلت بأن ماعند النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) عندهم ومنها قول الإمام الصادق (عليه السلام ) : والله لوكنت بين موسى والخضر لأنبأتهما بما لا يعلمانه إنما أعطيا علم ماكان واعطينا علم ما كان وما هو كائن ويكون ولقد ورثنا رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وراثة ولم يكن فرق بيننا وبينه إلا بالنبوة والأزواج )) ( وفاة الامام الرضا (عليه السلام ) للسيد عبد الرزاق المقرم ص13 _14)
عن عبدالله بن عطاء المكي قال: اشتقت إلى أبي جعفر وأنا بمكة فقدمت المدينة , ماقدمتها إلا شوقاً إليه , فأصابني تلك الليلة مطر وبرد شديد فانتهيت إلى بابه نصف الليل فقلت أطرقه الساعة أو انتظره حتى يصبح فإني لأفكر في ذلك إذ سمعته يقول : يا جارية افتحي الباب لابن عطاء فقد أصابه في هذه الليلة برد وأذى , قال : فجاءت ففتحت الباب ودخلت .
وعن مالك الجهني قال: كنت قاعداعند أبي جعفر فنظرت إليه وجعلت أفكر في نفسي وأقول : لقد عظمك الله وكرمك وجعلك حجة على خلقه , فالتفت إلي وقال : يا مالك الأمر أعظم مما تذهب إليه .
(هاتان الروايتان تسلطان الضوء على ماقلناه سابقاً في علمهم (عليهم السلام )
كلمات العلماء في إمامنا الباقر ( عليه السلام ) <<إن الباقر (عليه السلام ) هاشمي من هاشميين وعلوي من علويين وفاطمي من فاطمين لأنه أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وكانت أمه أم عبدالله بنت الحسن بن علي (عليه السلام ) >> (بحار الانوار46 نفلا عن المناقب ج 3 ص 338 )
عن الحكم بن عيينه في قوله تعالى ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين )
قال: كان والله محمد بن علي منهم .
قال محمد بن طلحة الشافعي :
(هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه ومنفق دره وراضعه ومنمق دره وواضعه , صفا قلبه وزكا علمه , وطهرت نفسه وشرفت أخلاقه وعمرت بطاعة الله أوقاته ورسخت في مقام التقوى قدمه وظهرت عليه سمات الإزدلاف وطهارة الاجتباء فالمناقب تسبق اليه والصفات تشرف به >>.(كشف الغمة ج2)
قال محمد بن الصبان : محمد الباقر صاحب المعارف وأخو الدقائق واللطائف ظهرت كراماته وكثرت في السلوك إشاراته , ولقب بالباقر لأنه بقر العلم أي شقه .
وقال أبن خلكان :
كان الباقرعالما سيدا كبيراً وإنما قيل له الباقر لأنه تبقر في العلم أي توسع والبقر التوسع , وفيه يقول الشاعر :
يا باقر العلم لأهل التقى
وخير من لبى على الأجبل
رعايته لأصحابه وشيعته
كان يرعاهم كما يرعى الأب أبنائه فكان روحي له الفداء يعيش آلامهم ويتحسس اوجاعهم ويمد لهم يد العون وينتشلهم من معاناتهم .
قال الأسود بن كثير وفي رواية الحسن بن كثير : شكوت الى أبي جعفر الحاجة وجفاء الأخوان فقال: بئس الأخ أخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا , ثم أمر غلامه فأخرج كيساً فيه سبعمائة درهم فقال : استنفق هذه فإذا نفدت فإعلمني . قالت سلمى مولاة ابي جعفر : كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ويكسوهم الثياب الحسنة ويهب لهم الدراهم , فأقول له في ذلك ليقل منه فيقول : يا سلمى ما حسنة الدنيا الا صلة الإخوان والمعارف . وكان (عليه السلام ) يجيز بالخمسمائة والستمائة إلى الألف وكان لايمل من مجالس إخوانه .
يقول الشاعر في حقهم (عليهم السلام )
كرموا وجاد قبيلهم من قبلهم
وبنوهم من بعدهم كرماء فالناس أرض في السماحة والندى
وهم إذا عد الكرام سماء
ويقول الكميت في حقهم (عليهم السلام )
والغيوث الليوث إن أمحل الناس
فمأوى حواضن الأيتام
نصائحه ومواعظه
الإمام هو الطبيب الدوار بطبه لا يدع مريضاً إلا يداويه ولا ظاهرة سلبية الا ويعالجها فهو الحريص على سلامة المجتمع ونقائه , قال ابو عثمان الجاحظ في كتابه البيان والتبين :
جمع محمد بن علي الباقر صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين فقال : صلاح شأن المعاش والتعاشر ملء مكيال ثلثان فطنه وثلث تغافل . وقال يوما رجل عنده : اللهم اغننا عن جميع خلقك , فقال ابو جعفر ( عليه السلام ) : لا تقل هكذا ولكن قل اللهم أغننا عن اشرار خلقك فان المؤمن لايستغني عن أخيه , وقال ( عليه السلام ) ماعرف الله من عصاه وانشد :
تعصي الإله وانت تظهر حبه
هذا لعمرك في الفعال بديع لو كان صادقاً لأطعته
إن المحب لمن أحب مطيع
عن الأصمعي قال : قال محمد بن علي لابنه : يا بني إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر إنك إن كسلت لم تؤد حقا وإن ضجرت لم تبصر على حق
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين واللعن الأبدي الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين
الإمام الباقر(عليه السلام) والريادة الربانية
ما برح ينادي نداء (العاشق الولهان : يا باقر يا باقر ) ولم يزل يكرر هذا النداء ويفوه بهذا الاسم المشرق المقدس , حتى ارتفعت الصيحات من حوله وكثر اللغط ضده وأصابته الألسن بسهامها واتهامها له بفقدان العقل , لم يأبه بذلك كله لأنه كان يحمل بين جنبيه إيماناً راسخاً واعتقاداً ثابتاً بصدق الحبيب المصطفى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأن البشارة ستحقق لا محاله . من هو العاشق هذا ؟ وماهي البشارة؟
إنه جابر بن عبدالله الأنصاري الذي يقول عنه الإمام الصادق (عليه السلام ) إن جابر بن عبدالله الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وكان رجلاً منقطعاً إلينا أهل البيت فكان يقعد في مسجد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) معتجراً بعمامه وكان يقول : يا باقر يا باقر فكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر فكان يقول : لا والله لا أهجر ولكني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : إنك ستدرك رجلاً مني إسمه إسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقراً فذلك الذي دعاني إلى ماأقول . ( معتجراً : الاعتجار : هو أن يلف العمامة على رأسه ويرد طرفها على وجهة ولا يعمل منها شيئاً تحت ذقنه ).
ولقد التقى العاشق بمعشوقه فزهر قلبه وانتشت روحه فرحاً وجذلاً , عن محمد بن مسلم المكي أنه قال : كنا عند جابر بن عبدالله الأنصاري فأتاه علي بن الحسين ومعه ابنه محمد وهو صبي فقال علي لابنه : قبل رأس عمك , فدنا محمد بن جابر فقبل رأسه فقال جابر : من هذا _ وكان قد كف بصره _ فقال له علي ( عليه السلام ) : هذا ابني محمد فضمه جابر إليه وقال : يامحمد ! محمد رسول الله يقرأ عليك السلام فقالوا لجابر : كيف ذلك يا أبا عبدالله ؟ فقال : كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) والحسين في حجره وهو يلاعبه فقال :يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له علي إذا كان يوم القيامه نادى مناد ليقم سيد العابدين فيقوم علي بن الحسين , ويولد لعلي إبن يقال له محمد , يا جابر إن رأيته فأقرأه مني السلام وإعلم أن بقاءك بعد رؤيته يسير فلم يعش بعد ذلك إلا قليلاً ومات . ( بحار الانوار 46 وكشف الغمة ج 2 ).
ولد الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) سنة 57 هجرية واستشهد سنة 114 هجرية وهو خامس أعلام التقى ومصابيح الدجى وقد ولد ( عليه السلام ) والأمة قد انتابتها ويلات حيث كانت ترزخ تحت ظل الطغاة الجبابرة الذين أذاقوها صنوف الأذى والآلام وقد أحكموا قبضتهم بقسوة بشعة على رقاب الناس فلم تجد الأمة بداً من الانتفاضة لنيل الخلاص من الإذلال والاستبعاد حيث تتالت الثورات وبشكل واسع وكبير .
شاهد الإمام الباقر ( عليه السلام ) _وهو في غضارة الصبا وريعان العمر حيث لم يبلغ الخامسة من عمره الشريف _ واقعة الطف الدامية التي اهتز لها الكون بأسره , يقول الإمام الشافعي عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) ورزيته العظمى :
قتيل بلا جرم كأن قميصه
صبيغ بماء الأرجوان خضيب وللسيف إعوال وللرمح رنّة
وللخيل من بعد الصهيل نحيب تزلزلت الدنيا لآل محمد
وكادت لهم شم الجبال تذوب ومن الكوارث المؤلمة التي عاصرها الإمام (عليه السلام ) وهو في ريعان العمر واقعة الحرة في المدينة المنورة التي عاث فيها الجيش الظالم فساداً بقيادة المجرم اللعين مسرف بن عقبة بأمر من طاغيته يزيد الفسق والخنا , فهتكوا الأعراض وأزهقوا الأرواح وقد طالت قسوتهم حتى الأطفال والشيوخ ونهبوا الأموال وأباحوا المدينة المنورة ثلاثة أيام بلياليها ولم تبق حرمة لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) إلا وانتهكت ولم ينج من أهوال تلكم الكوارث والويلات إلا الإمام زين العابدين (عليه السلام ) ومن لاذَ بداره .
ولم يتقرب الإمام (عليه السلام ) من سلطان ولم يتصل بسلطة ومما يؤكد هذا الأمر ماذكر من أن الوليد بن عبد الملك عندما زار المدينة المنورة ليقف على مدى سيرة التوسعة في المسجد النبوي الشريف التي أمر بها _وهو ما يعمله السلطان للدعاية لنفسه في أنه خادم للمسجد الحرام _ وكان واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز يحث الأشراف والوجوه والعلماء لاستقباله وزيارته , ما عدا الإمام الباقر ( عليه السلام ) لأنه (( كان يعلم أن الإمام الباقر (عليه السلام ) ليس ممن يسعى إلى لقاء الخلفاء والملوك فتدارك الأمر وجاء بنفسه إلى الإمام الباقر (عليه السلام ) , وسأله : هل هل تزور الخليفة غداً ؟ فردً عليه الإمام بالنفي . وطال الحوار ينهما وكان من قول الإمام الباقر (عليه السلام ) مما يسلط الضوء على مسألتنا : ما كان ذلك (يعني الامتناع من الزيارة للوليد بن عبد الملك ) غروراً أو كبرياء مني ولكني آثرت العزلة على مخالطة السلاطين )) . (تاريخ التشريع الإسلامي للدكتور الفضلي ص 96 )
لذلك اتجه الإمام الباقر ( عليه السلام ) بكل ما يملك من مواهب ربانية وفيوضات إلهية إلى إنشاء الجامعة الكبرى فكان المرجع الأوحد والأستاذ الفذ والقائد الملهم للأمة في مسيرتها الثقافية وكان أول ماعنى به الإمام الباقر ( عليه السلام ) هو نشر فقه آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي يحمل روح الإسلام وجوهره لذا تخرج من مدرسته كبار الفقهاء والمجتهدين الذين أجمع العلماء على تصديق أقوالهم والاذعان لهم بالفقه والفضيلة وصدق الحديث .
قال الكشي في( رجاله ) : <أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبدالله ( عليه السلام ) وإنقادوا لهم بالفقه ( أعترفوا بانهم فقهاء ) , فقالوا : أفقه الأولين ستة : زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي >>. أعيان الشيعة 1/142_143)
ولولا هؤلاء لضاعت أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) ذلك التراث الحضاري وذلك العطاء الضخم الذي أنار القلوب والعقول ولم يقتصر الإمام ( عليه السلام ) في تدريسه وبحوثه على الفقه والحديث وإنما خاض النواحي الأخرى من العلوم كعلم الكلام والطب وغير ذلك , وقد ناظر (عليه السلام ) النصارى والازارقة والملحدين كان دائماً الظافر المنتصر وكان خصمه العاجز المنكسر ومن مناظراته كما في الأحتجاج ج328 _330
عن أبي بصير قال: كان مولانا أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام ) جالساً في الحرم وحوله عصابة من أوليائه , إذ أقبل طاووس اليماني في جماعة من أصحابه ثم قال لأبي جعفر ( عليه السلام ) :
أتأذن لي في السؤال ؟
فقال (عليه السلام ) : أذنّا لك فسل .
قال : أخبرني متى هلك ثلث الناس ؟
قال

فقال : اصبت ووهمت أنا , فأيهما كان أباً للناس القاتل أو المقتول ؟
قال (عليه السلام ) لا واحد منهما , بل أبوهم شيث بن آدم (آبن نزلة السماء ) .
قال : فلم سمي آدم بآدم ؟
قال : (عليه السلام ) لأنه رفعت طينته من أديم الأرض السفلى .
قال : ولم سميت حواء حواء ؟
قال :لأنها خلقت من ضلع حي يعني ضلع آدم .
قال : فلم سمي ابليس إبليس ؟
قال : ( عليه السلام ) لأنه أبلس من رحمة الله عز وجل فلا يرجوها .
قال : فلم سمي الجن جناً ؟
قال :(عليه السلام ) لأنهم استجنّوا فلم يروا .
قال : اخبرني عن اول كذبة كذبت ومن أصحابها ؟
قال: ( عليه السلام ): ابليس حين قال

قال: فأخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحق وكانوا كاذبين ؟
قال (عليه السلام ) : المنافقون حين قالوا لرسول الله نشهد إنك رسول الله ,
فأنزل الله عز وجل : ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك رسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون )
قال : فأخبرني عن طائر طار مرة ولم يطر قبلها ولابعدها , ذكره الله عز وجل في القرآن ما هو ؟
قال (عليه السلام ) طور سيناء , اطاره الله عز وجل على بني اسرائيل حين أظلهم بجناح منه , فيه ألوان العذب , حتى قبلوا التوراة وذلك قوله عز وجل : ( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا انه واقع بهم )
قال: فأخبرني عن رسول بعثه الله تعالى ليس من الجن ولا من الانس ولا الملائكة ذكره الله تعالى في كتابه ؟
قال (عليه السلام ): الغراب , حين بعثه الله عزَّ وجل ليري قابيل كيف يواري سوأة أخيه هابيل حين قتله , قال الله عز وجل : (فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه ) .
قال فأخبرني عمن أنذر قومه ليس من الجن ولا من الانس ولا من الملائكة ذكره الله عز وجل في كتابه ؟ قال (عليه السلام ) النملة حين قالت

قال : فأخبرني عمن كذب عليه , ليس من الجن ولا من الانس ولا من الملائكة , ذكره الله عز وجل في كتابه ؟ قال (عليه السلام ) : الذئب الذي كذب عليه اخوه يوسف .
قال فأخبرني : عن شيء قليله حلال وكثيره حرام , ذكره الله عز وجل في كتابه ؟
قال (عليه السلام ) : نهر طالوت ,قال الله عز وجل :( إلا من اغترف غرفة بيده .. ) قال : فأخبرني عن صلاة فريضة تصلي بغير وضوء وعن صوم لا يحجز عن أكل ولا شرب ؟
قال (عليه السلام ) : أما الصلاة بغير وضوء فالصلاة على النبي وآله (عليهم السلام ) وأما الصوم فقول الله عز وجل : ( إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم انسيا) .
قال : فأخبرني عن شيء يزيد وينقص وعن شيء يزيد ولا ينقص وعن شيء ينقص ولا يزيد ؟
فقال الباقر (عليه السلام ) أما الشيء الذي يزيد وينقص فهو : القمر , والشيء الذي يزيد ولا ينقص فهو : البحر, والشيء الذي ينقص ولا يزيد هو : العمر ( الأحتجاج ج2/ ص 328_330 ).
روى الصفار في البصائر بسنده عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين . وكان جابر بن عبدالله الانصاري على شيخوخته وكبر سنه حيث قارب عمره المائة أو جاوزها كان يأتيه فيجلس بين يديه فيعلمه وقد أخذ جابر من سعة علوم الإمام ومعارفه وطفق يقول : يا باقر العلم لقد أوتيت الحكم صبياً .
(( ليس من الغريب إذا أعطى الله تعالى الأئمة من آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) قوة قدسية يتمكنون بها من استعلام ما وقع أو يقع في الكون من حوادث ووقفوا على اسرار الطبايع وخواص الأشياء وإلى هذه القوة أشار الحديث << إذا ولد المولود منا رفع له عمود نور يرى به أعمال العباد >> ولم يعزب عنهم كل شيء إقداراً لهم من منشيء كيانهم عظمت آلاؤه وليس هو من الغيب المختص بالله تعالى حتى يستحيل في حقهم (عليهم السلام ) فإنه في الباري سبحانه ذاتي كإرادته وقدرته وسائر صفاته وفيهم ( عليهم السلام ) بواسطة فيضه ولطفه إذن فالغيب على قسمين : ذاتي وهو عين واجب الوجود بحيث لم يكن صادراً عن علة وجعل , وجعلي وهو ما كان صادراً عن علة ومتوقفاً على وجود لطف المولى تعالى وفيضه وهو الموجود في الائمة والانبياء وأوصيائهم فالأئمة جميع الآنات محتاجون الى الفيض الإلهي بحيث لولا الجعل الربوبي واستمرار الفيض الرحماني لنفد ماعندهم وبعد هذا فأي غرابة في اعتقاد نسبة الغيب إليهم (عليهم السلام ) إلا أن يقال بنقصانهم وعدم قابليتهم للفيض الرحماني ومن يقدر على هذه الدعوى ويأتي ببرهان يساعده على ذلك مع أن الأحاديث دلت بأن ماعند النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) عندهم ومنها قول الإمام الصادق (عليه السلام ) : والله لوكنت بين موسى والخضر لأنبأتهما بما لا يعلمانه إنما أعطيا علم ماكان واعطينا علم ما كان وما هو كائن ويكون ولقد ورثنا رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وراثة ولم يكن فرق بيننا وبينه إلا بالنبوة والأزواج )) ( وفاة الامام الرضا (عليه السلام ) للسيد عبد الرزاق المقرم ص13 _14)
عن عبدالله بن عطاء المكي قال: اشتقت إلى أبي جعفر وأنا بمكة فقدمت المدينة , ماقدمتها إلا شوقاً إليه , فأصابني تلك الليلة مطر وبرد شديد فانتهيت إلى بابه نصف الليل فقلت أطرقه الساعة أو انتظره حتى يصبح فإني لأفكر في ذلك إذ سمعته يقول : يا جارية افتحي الباب لابن عطاء فقد أصابه في هذه الليلة برد وأذى , قال : فجاءت ففتحت الباب ودخلت .
وعن مالك الجهني قال: كنت قاعداعند أبي جعفر فنظرت إليه وجعلت أفكر في نفسي وأقول : لقد عظمك الله وكرمك وجعلك حجة على خلقه , فالتفت إلي وقال : يا مالك الأمر أعظم مما تذهب إليه .
(هاتان الروايتان تسلطان الضوء على ماقلناه سابقاً في علمهم (عليهم السلام )
كلمات العلماء في إمامنا الباقر ( عليه السلام ) <<إن الباقر (عليه السلام ) هاشمي من هاشميين وعلوي من علويين وفاطمي من فاطمين لأنه أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وكانت أمه أم عبدالله بنت الحسن بن علي (عليه السلام ) >> (بحار الانوار46 نفلا عن المناقب ج 3 ص 338 )
عن الحكم بن عيينه في قوله تعالى ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين )
قال: كان والله محمد بن علي منهم .
قال محمد بن طلحة الشافعي :
(هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه ومنفق دره وراضعه ومنمق دره وواضعه , صفا قلبه وزكا علمه , وطهرت نفسه وشرفت أخلاقه وعمرت بطاعة الله أوقاته ورسخت في مقام التقوى قدمه وظهرت عليه سمات الإزدلاف وطهارة الاجتباء فالمناقب تسبق اليه والصفات تشرف به >>.(كشف الغمة ج2)
قال محمد بن الصبان : محمد الباقر صاحب المعارف وأخو الدقائق واللطائف ظهرت كراماته وكثرت في السلوك إشاراته , ولقب بالباقر لأنه بقر العلم أي شقه .
وقال أبن خلكان :
كان الباقرعالما سيدا كبيراً وإنما قيل له الباقر لأنه تبقر في العلم أي توسع والبقر التوسع , وفيه يقول الشاعر :
يا باقر العلم لأهل التقى
وخير من لبى على الأجبل
رعايته لأصحابه وشيعته
كان يرعاهم كما يرعى الأب أبنائه فكان روحي له الفداء يعيش آلامهم ويتحسس اوجاعهم ويمد لهم يد العون وينتشلهم من معاناتهم .
قال الأسود بن كثير وفي رواية الحسن بن كثير : شكوت الى أبي جعفر الحاجة وجفاء الأخوان فقال: بئس الأخ أخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا , ثم أمر غلامه فأخرج كيساً فيه سبعمائة درهم فقال : استنفق هذه فإذا نفدت فإعلمني . قالت سلمى مولاة ابي جعفر : كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ويكسوهم الثياب الحسنة ويهب لهم الدراهم , فأقول له في ذلك ليقل منه فيقول : يا سلمى ما حسنة الدنيا الا صلة الإخوان والمعارف . وكان (عليه السلام ) يجيز بالخمسمائة والستمائة إلى الألف وكان لايمل من مجالس إخوانه .
يقول الشاعر في حقهم (عليهم السلام )
كرموا وجاد قبيلهم من قبلهم
وبنوهم من بعدهم كرماء فالناس أرض في السماحة والندى
وهم إذا عد الكرام سماء
ويقول الكميت في حقهم (عليهم السلام )
والغيوث الليوث إن أمحل الناس
فمأوى حواضن الأيتام
نصائحه ومواعظه
الإمام هو الطبيب الدوار بطبه لا يدع مريضاً إلا يداويه ولا ظاهرة سلبية الا ويعالجها فهو الحريص على سلامة المجتمع ونقائه , قال ابو عثمان الجاحظ في كتابه البيان والتبين :
جمع محمد بن علي الباقر صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين فقال : صلاح شأن المعاش والتعاشر ملء مكيال ثلثان فطنه وثلث تغافل . وقال يوما رجل عنده : اللهم اغننا عن جميع خلقك , فقال ابو جعفر ( عليه السلام ) : لا تقل هكذا ولكن قل اللهم أغننا عن اشرار خلقك فان المؤمن لايستغني عن أخيه , وقال ( عليه السلام ) ماعرف الله من عصاه وانشد :
تعصي الإله وانت تظهر حبه
هذا لعمرك في الفعال بديع لو كان صادقاً لأطعته
إن المحب لمن أحب مطيع
عن الأصمعي قال : قال محمد بن علي لابنه : يا بني إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر إنك إن كسلت لم تؤد حقا وإن ضجرت لم تبصر على حق
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
تعليق