بسم الله الرحمن الرحيم
ان المتأمل لقوله تعالى: "و لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه": طه - 114، و قوله تعالى: "لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه و قرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه:" القيامة - 19، يجد إن الآيات ظاهرة في أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان له علم بما سينزل عليه فنهي عن الاستعجال بالقراءة قبل قضاء الوحي، وعليه فيكون هذا القرآن المنزل على النبي تدريجا متكئا على حقيقة متعالية عن أن تدركها أبصار العقول العامة أو تناولها أيدي الأفكار المتلوثة، و أن تلك الحقيقة سماها القران بالكتاب المبين تارة وبالكتاب المكنون أخرى وباللوح المحفوظ ثالثة، وام الكتاب رابعة فقال تعالى: حم و الكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون و إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم: الزخرف - 4 فإنه ظاهر في أن هناك كتابا مبينا عرض عليه جعله مقروا عربيا، و إنما ألبس لباس القراءة و العربية ليعقله الناس و إلا فإنه - و هو في أم الكتاب - عند الله، علي لا تصعد إليه العقول.و في الآية تعريف للكتاب المبين و أنه أصل القرآن العربي المبين، و في هذا المساق أيضا قوله تعالى: فلا أقسم بمواقع النجوم و إنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين: الواقعة - 80، فإنه ظاهر في أن للقرآن موقعا هو في الكتاب المكنون لا يمسه هناك أحد إلا المطهرون من عباد الله و أن التنزيل بعده، و أما قبل التنزيل فله موقع في كتاب مكنون عن الأغيار و هو الذي عبر عنه في آيات الزخرف، بأم الكتاب، و في سورة البروج، باللوح المحفوظ، حيث قال تعالى: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ: البروج - 22، و هذا اللوح إنما كان محفوظا لحفظه من ورود التغير عليه، و من المعلوم أن القرآن المنزل تدريجا لا يخلو عن ناسخ و منسوخ و عن التدريج الذي هو نحو من التبدل، فالكتاب المبين الذي هو أصل القرآن و حكمه الخالي عن التفصيل أمر وراء هذا المنزل، و إنما هذا بمنزلة اللباس لذاك.
ومن خلال ما تقدم نتعرف على جواب الاشكال المعروف بان نزول القران في ليلة كما هو ظاهر سورة الدخان (انا انزلناه في ليلة مباركة) وقوله تعالى (انا انزلناه في ليلة القدر) ينافي نزوله بمدة ثلاثة وعشرين عاماً؟
فالجواب ان مانزل في ليلة القدر على قلب النبي الخاتم صلى الله عليه واله هو الكتاب المبين وان ما ما تدرج هو تفصيل هذا الكتاب.
تعليق