بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلم
بين يديك * سيّدي أبا تراب
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلم
بين يديك * سيّدي أبا تراب
لقد كنت ـ سيّدي ـ بين محرابي الولادة والشهادة محراباً لا يدانيك أحدٌ أبداً ، وكيف لا تكون كذلك وأنت أكثرهم جهاداً وأمضاهم عزيمةً وأشدّهم توثّباً حتّى قال فيك تلميذُك حبرُ الاُمّة عبدالله بن عبّاس : ما رأيتُ محراباً مثله؟!
كنت جريئاً على الموت مقتحماً لميادينه ، لا تخشى ولا تهاب أحداً بالغاً ما بلغ من القوّة والشجاعة والاقدام ، بل لا تجد هيبة هولاء الأبطال من قلبك شيئاً .
فقد نزل عمرو بن ودّ المعروف بقوّته وصلابته وصولته وبأنّه يعدل ألف فارس ، وقد لفّه الحديد من هامته إلى أخمص قدمه ، ينادي بصوت مخيف هل من مبارز؟ أين جنتكم التي زعمتم أنّكم داخلوها إن قتلتم؟ . . ولا مجيب إلاّ صوتك «أنا له يا رسول الله» فوثبتَ إليه ، وصوت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يلاحقك : «برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه» فإذا هو مجدّل بين يديك بضربة تعدل عبادة الثقلين ، ولا ذت الأحزاب بالفرار .
وأنت في عبادتك الأواب المتبتّل الواله بربّه ، الذي عبد الله كأنّه يراه ، وأنت القائل : أفأعبد ما لا أرى ؟
وأنت القلب الطاهر المطمئن الذي لا يخفق إلاّ بحبّ الله وحبّ رسوله . . .
وأنت القِمّة السامقة في تسليمك وانقيادك إلى الله سبحانه وتعالى ، فكنت الإيمان كلّه ، وكنت الغاية في الإخلاص والغاية في الصدق .
وأنت في فصاحتك الخطيب الأوّل الغنيّ ببدائع الخطابة وألوان البيان وضروب الحكمة وفنون الكلام .
وأنت الذي اتسمتَ بالثراء والفرادة في إيمانك وفي صدقك وعدلك وورعك وفي علمك وعبقريتك وحصافتك وفي زهدك وقناعتك وفي نهجك وطريقتك ، فخصائصك ما أعظمها وأخلاقك وما أسماها وفضائلك ما أكثرها!
وهذه كتب التأريخ والحديث عند الفريقين . . وقد ملئت بخصالك ومناقبك وفضائلك وآثارك وجهودك ومواقفك ولم يذكر فيها لغيرك ما ذكر لك .
يقول أحمد بن حنبل وإسماعيل القاضي وأحمد بن شعيب بن علي النسائي وأبو علي النيسابوري : «لم يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب(عليه السلام)» .
وليس هذا فحسب ، بل كان الأوحد في صفاته وفضائله . دلّني على فضيلة لم يكن عليّ فيها الأشهر ولم يكن المتفرِّد بها دون غيره سواء أكانوا في زمنه أو الأزمان المتعاقبة الاُخرى!
وهكذا أنت ـ سيّدي ـ لقد اصطنعتك السماءُ وأفاضت عليك خصائص وفضائل خلقت منك إنساناً ربّانياً في كلّ ما حملتَه واتسمّتَ به . وأقحمتك عالَماً آخر غير ما ألفوه فتحيّرت عقولهم وأذهلت نفوسهم ، فراحوا يتنازعون أمرهم فيك; تعدّدت آراؤهم وتنوّعت فيك اجتهاداتهم ، وتقاطعت فيك مواقفهم ، ولما أدحضتهم حجّتُك وألجمت ألسنتهم وخيّبت أدلّتهم وكشفت افتراءاتهم . . لم تطاوعهم أنفسهم المقيتة على الرضوخ للحق والانصياع للعدل فأبت إلاّ نفوراً واستكباراً . وركن شانئوك ومن نصبوا لك العداء إلى سيوفهم فلعلّ آمالهم وأطماعهم تتحقّق ، فما اشتبكت الأسنّة على أحد كما اشتبكت عليك ، ولا اختلفت الألسن والأقلام في أحد كما اختلفت فيك . . فَظَلمك قومٌ وأنصفك آخرون ، وختاماً تركوك وحيداً ـ وإن كنت حقّاً الوحيد بينهم بنعم ظلّت حسرةً عليهم ـ إلاّ أنّهم لم يتركوك حبّاً لغيرك وتفضيلا له عليك ، وهم يعرفون أن ليس هناك من يدانيك إيماناً وعلماً وفضلا . . . بل تركوك; لأنّهم لم يتحمّلوا صدقك ولم يطيقوا عدلك . . خافوك على دنياهم وخفتهم على آخرتك .
حتى قال الرسول فيك (صلى الله عليه وآله) : «لولا أن يقول فيك الغالون من اُمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم; لقلت فيك قولا لا تمرُّ بملإ من الناس إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك يستشفون به» .
والحمد لله رب العالمين
المصدر
المكتبة المختصة بأمير المؤمنين عليه السلام الالكترونية