بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلم
انتبه انها ليلة القدر
{ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِنْ عِندِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } (الدخان1-5)
و(فيها يفرق كل أمر حكيم) التعبير بـ (يفرق) إشارة إلى أن كل الأُمور والمسائل المصيرية تقدر في تلك الليلة، والتعبير بـ «الحكيم» بيان لاستحكام هذا التقدير، وعدم تغيره، وكونه حكيماً. وهذا البيان ينسجم مع الرّوايات الكثيرة التي تقول: إنّ مقدرات كل بني آدم لمدّة سنة تقدر في ليلة القدر، وكذلك تفرق الأرزاق والآجال والأُمور الأُخرى في تلك الليلة.(1)وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلم
انتبه انها ليلة القدر
{ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِنْ عِندِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } (الدخان1-5)
كيف نستفيد من ليلة القدر المباركة ونحن نعيش ساعاتها المحدودة والمعدودة؟
أقول: ان العمر كله محدود، والمناسبات فيه محدودة أيضاً، وحري بنا أن نستفيد منها بصورة نتمكن بها مقاومة الوساوس الشيطانية التي تؤثر علينا وتبعدنا عنها، كمناسباتٍ وفرصٍ، ما هي في الحقيقة إلا نفحات رحمانية، من الضروري جداً أن نتعرض لها.
ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر! إنها ليلة عظيمة جداً، لاتصالها المباشر بمصير كل إنسان على وجه الأرض. فقد يدخل الإنسان هذه الليلة وقد كتب شقياً؛ أي إنه مثبَّتٌ إسمه في ديوان الله سبحانه وتعالى في قائمة الأشقياء والمحرومين من ثواب الله ورحمته. ولكن بعض الناس يدخلون هذه الليلة ويخرجون منها وهم سعداء مكتوب اسمهم في أسماء أهل الجنة والرضوان والطاعة، وفي قائمة المرحومين برحمة الله.
وأنا وأنت مسؤولون عن إستغلال هذه الليلة بكل ما أوتينا من قوة..
وقد تعلّل تكاسلك في إستغلال هذه الليلة بوجود ليالي قدر أخرى -كأن تكون هذه الليلة ليلة التاسع عشر من شهر رمضان- وأنه من الممكن الاستفادة منها.
وأقول لك مذكراً: كم من إنسان تمنى أن يعيش ليلة القدر، ولكنه لم يوفق لذلك بدواع متنوعة، كأن يكون مريضاً، أو كان يعاني ظروفاً إجتماعية ونفسية خاصة، فلا يستطيع مجرد الدعاء.فدعنا نستغل كل ما له تأثير في حياتي وحياتك، وليس أعظم التأثير من ليلة القدر على مصيري ومصيرك..
فلنفكر ثم نصمم ماذا نريد لأنفسنا، ولنتعرف على كيفية صياغة حياتنا من جديد، ولنضع لأنفسنا مثلاً أعلى ثم نحاول الوصول إلى هذا المثل الأعلى. ولنثق بأن الله سيأخذ بأيدينا، لأنه أرحم الراحمين، ولأن موازينه ومحاسباته لها قواعدها الخاصة، دونما هو متعارف بين الناس، وخير نموذج لذلك، أن العبد العائد التائب إذا إقترب منه شبراً إقترب الله إليه ميلا، بل أميالا..
فهل تريد من الله التوبة أو الذرية والحياة الطيبة، أو الثروة والإمكانات، أو البرزخ الهادئ، أو الجنة والرضوان؟ أكتب رغباتك وتمنياتك على الله سبحانه وتعالى، واسأله الحصول عليها، واستعد نفسياً وروحياً وأخلاقياً لكي تعايش ليالي القدر الأخرى بالروحية نفسها أو أرقى منها.
ليلة القدر وسيلة الرحمة { إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر } ِ القدر/1-5)
جعل الله ليلة القدر المباركة خيرا من ألف شهر، وألف شهر يعادل عمر الإنسان، وهو ثلاث وثمانون سنة؛ أي ان ليلة القدر لوحدها خير من عمر الإنسان كله.. ترى كيف صار ذلك؟!
أقول: ان من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده وفضله عليهم أنه سخر لهم وسائل الوصول إليه. فقد تكون الوسيلة ليلة، وقد تكون منطقة، وقد تكون شخصا.
فالكعبة جعلها البارئ عز وجل مثابة للناس وأمنا ووسيلة إلى رحمته، وصحراء عرفات وسيلة من وسائل رحمته، والأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام وكذلك الائمة الأطهار وسائل رحمته؛ فمن أراد الله بدأ بهم.
ومن تلكم الليالي ليلة الجمعة، وليلة العيد، وليلة النصف من شعبان، وغيرها.وان من المؤكد أن أفضل الليالي هي ليلة القدر، وهي وسيلة عظيمة جعلها الله في شهر رمضان المبارك وسيلة إلى رحمته المعنوية. فمن أراد الله سبحانه وتعالى دخل من باب هذه الليلة، ووصل إلى الرحمة الربانية المطلقة..
ففي هذه الليلة تتنزل رحمة الله، وتتنزل الملائكة بالبركة والإذن بإستجابة الدعاء، بل والدعاء لعباد الله الصالحين والتأمين على دعائهم.
ومن هنا كان المؤمنون مدعوين إلى التوبة والاستغفار؛ التوبة التي تعني الندم وإصلاح الذات وإعادة الحسابات، فليحاسب المؤمنون أنفسهم وتاريخهم، إذ لا يتسنى لأحد أن يبرئ نفسه وينسب الكمال إليها.
فتعالوا في هذه الليلة المباركة -ليلة القدر- لنراجع حساباتنا، وندعو الله سبحانه من خلال عدة ساعات، ولو للحظة واحدة حيث تتصل قلوبنا بنور الرب العظيم. وإذ ذاك ستكفينا هذه اللحظة الواحدة، لأنها أحدثت في ذواتنا التحول المطلوب، وأسقطت كل الحجب التي تقف بيننا وبين ربنا.
فلنحاول ثم نحاول، ولنجتهد ثم نجتهد للإمساك بهذه اللحظة، حيث يتم اللقاء الأبدي بين قلوبنا وبين نور الرب.
(1) تفسير الامثل لناصر مكارم الشيرازي
المصدر: بتصرف
كتاب أحاديث رمضانية
آية الله السيد محمد تقي المدرسي
كتاب أحاديث رمضانية
آية الله السيد محمد تقي المدرسي