بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلم
ايمان ابو طالب بين السائل والمجيب
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلم
ايمان ابو طالب بين السائل والمجيب
في الحقيقة الموضوع مركب من مقاطع اخذناها من مجموعة مناظرات وصغناها بهيئة سؤال وجواب حول حقيقة ايمان ابو طالب (1)عليه السلام .
1- ما ذنب ابو طالب حتى يتهم بالشرك ؟
ذنب أبو طالب هو انّه والد علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقد بذل الاَعداء الحاقدون على ابنه الوصي عليه السلام ، وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان مبالغ طائلة من بيت مال المسلمين، لعناصر باعوا دينهم بدنياهم وضمائرهم لاِهوائهم، لافتعال الاَحاديث والروايات المجعولة الكاذبة لتشويه شخصية الاِمام علي عليه السلام ، قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج 4 ص 63 : وذكر شيخنا أبو جعفر الاسكافي رحمه الله تعالى ... أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يُرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير .
حتى وصل بهم الحد إلى أنّهم نقلوا عن أبي هريرة أنه قال: « إنّه يشهد بالله أنّ علياً أحدث بعد الرسول فاستوجب لعن الملائكة والناس أجمعين » (2) .
فمع وجود هؤلاء الاَراذل في عصر معاوية والخلفاء الاَخرين من بني اُمية، فمن الطبيعي أن تظهر روايات مفتعلة كثيرة في شرك أبي طالب عليه السلام حتى بذلوا الكثير من الجهود والطاقات في ذمه، ولم يبذلوا واحداً من ألف منها في أبي سفيان الذي كان يمثل رأس الشرك، ويمتلك طينة خبيثة، وصفحات سوداء في التأريخ.
فعليه، نشأت جذور تهمة الشرك لاَبي طالب عليه السلام من دافع سياسي استغلها معاوية لمصالحه الشخصية.
2- هل كان ابو طالب يدعو الله ويستجيب الله دعاءه ؟
ابو طالب هو الذي دعا على قوم أبرهة حينما جاؤوا مع الفيل لهدم الكعبة فدعا عبدالمطلب عليهم حتى أرسل الله بسبب دعائه طيراً أبابيل فأهلكهم في وادي محسر (3) قريباً من منى، فإذا كان عبدالمطلب على رأيكم مشركاً كيف يدعو على قوم أبرهة وكيف يستجيب دعائه في هلاكهم، مع أن سورة الفيل في القرآن الكريم وشأن نزولها في قوم أبرهة ودعاء عبدالمطلب يعرفه كل واحد ، وكذلك فهناك أحاديث كثيرة وردت في إسلام عبدالمطلب وأبي طالب عليهما السلام .
3- هل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعول على ابي طالب ؟
ان اتهام ابو طالب بالكفر فيه مشكلة كبرى، فالرسول صلى الله عليه وآله أساساً لا يمكنه التعويل على كافر، أو أن يحظى بحمايته على ذلك النطاق الواسع، ألم تقرأوا قوله تعالى في القرآن الكريم: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولّهم منكم فإنَّه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) (4) . قد يقول القائل : هذه الآية تعني اليهود والنصارى.
قلت : فإن لم يكن تعالى قد أباح له موالاة أهل الكتاب والاستعانة بهم، فهو لا يجيز قطعاً اتخاذ مشركي قريش حماة لنا، فضلاً عن هذا فقد جاءت في القرآن آية اخرى تنهى عن هذه العلاقات العائلية، وتحذر من موالاة الآباء والاِخوة ـ فما بالك بالاَعمام ـ إذا كانوا كفاراً، أو إيجاد صلات وثيقة معهم: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الاِيمان ومن يتولّهم منكم فأولئك هم الظالمون ) (5) .
بل إن الله عزّ وجلّ قد نهى المسلمين في ما يربو على الثلاثين موضع عن إيجاد علاقات مع الكفار، فما بالك باتخاذهم حماة وأنصاراً، هل يجوز أن يعصي الرسول ـ وهو مبلغ آيات الله ـ أوضح أحكام الله ويعصي ربه جهاراً؟
4- هل تألم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحزن لموت ابو طالب ودعا له بالخير ؟
روى المفيد قدس سره بإسناد يرفعه لما مات أبو طالب أتى أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله فآذنه بموته فتوجع توجعاً عظيماً وحزن حزناً شديداً، ثم قال لاَميرالمؤمنين : إمض يا علي ، فتولَّ غسله وتحنيطه وتكفينه ، فإذا رفعته على سريره فأعلمني ، ففعل ذلك أميرالمؤمنين ، فلما رفعه على السرير اعترضه النبي صلى الله عليه وآله فرقّ وحزن فقال : وصلت رحماً وجزيت خيراً يا عم ، فلقد ربيت وكفلت صغيراً ، ونصرت وآزرت كبيراً ، ثم أقبل على الناس وقال: أما والله لاشفعن لعمي شفاعة يعجب منها أهل الثقلين. (6)
وقال اليعقوبي في تاريخه (7) قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله إن أبا طالب قد مات! عظم ذلك في قلبه واشتد له جزعه ، ثم دخل فمسح جبينه الاَيمن اربع مرات وجبينه الاَيسر ثلاث مرات ، ثم قال : يا عم ربيت صغيراً وكفلت يتيماً ونصرت كبيراً ، فجزاك الله عني خيراً ، ومشى بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول: وصلت رحماً وجزيت خيراً .
وأخرج ابن سعد في طبقاته (8) عن عبدالله بن أبي رافع عن علي عليه السلام قال: أخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله بموت أبي طالب فبكى ، ثم قال: إذهب فغسله وكفنه وواره، غفر الله له ورحمه.
5- هل بقيت زوجة ابي طالب المؤمنة تحته طيلة حياته ؟
عن الاِمام السجاد زين العابدين عليه السلام أنه سئل عن أبي طالب أكان مؤمناً؟ فقال : نعم ، فقيل له: إن هاهنا قوماً يزعمون أنه كان كافراً ؟ فقال عليه السلام : واعجباً كل العجب أيطعنون على أبي طالب أو على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد نهاه الله تعالى أن يقرّ مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن ، ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها من المؤمنات السابقات ، فإنها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبوطالب رضي الله عنه. (9)
6- هل كانت اشعار ابي طالب تفوح منها رائحة الايمان ؟
الاَشعار الدالة على إسلام أبي طالب ـ التي قالها في مدح الرسول صلى الله عليه وآله ـ كثيرة منها:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً *** نبياً كموسى خط في أول الكتب
ومنها :
ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية دينا (10)
ومنها :
ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية دينا (10)
7- بعد كل هذا ماذا نقول في ابي طالب ؟
قال عبدالرحمن بن كثير: قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : إن الناس يزعمون أن أبا طالب في ضحضاح من نار ! فقال :
كذبوا ، ما بهذا نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله ، قلت : وبما نزل ؟ قال : أتى جبرئيل في بعض ما كان عليه فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك : إن اصحاب الكهف أسروا الاِيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين ، وإن أبا طالب أسر الاِيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين ، وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنة ، ثم قال: كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب ، فقال : يا محمد أخرج من مكة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب (11).
____________
(1) هو : عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ، جد النبي صلى الله عليه وآله ويسمى بشيبة الحمد لشيبة كانت في رأسه حين ولد كان عبد المطلب ذا جلالة ظاهرة ومناقب وافرة وآيات باهرة ويظهر ذلك من انحناء سرير أبرهة له ، ومن انفجار الماء تحت خف راحلته في مفازةٍ لا ماء فيها ، وتظهر جلالته وكثرة إيقانه من قصة أصحاب الفيل واحترام الفيلة له وقوله لبعض ولده : أعلُ أبا قبيس فانظر ماذا يأتي من قبل البحر ، فيظهر انّه كان عالماً بأنه يأتي الطير لاستئصال أصحاب أبرهة ، وتظهر أيضاً جلالته من حفرة زمزم ومن دخوله على سيف بن ذي يزن ، وعن ابن عباس قال : كان يُوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد إلاّ هو ، إجلالاً له ، وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج عبد المطلب فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج وهو غلام صبي فيجيء حتى يجلس على الفراش فيعظم ذلك أعمامه ويأخدون ليؤخروه ، فيقول لهم عبد المطلب : دعوا ابني فوالله إنّ له لشأناً عظيماً ، إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم وهو سيدكم ، ثم يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره ويقبله ويوصيه إلى أبي طالب . وجاء في الروايات أنه كان على دين إبراهيم الخليل عليه السلام ، وعن أبي طالب عليه السلام: ولقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعاً ، ولقد قال : إن من صلبي لنبياً لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به ، فمن أدركه من ولدي فليؤمن به ، وجاء عن الصادق عليه السلام أنه قال : يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمّةواحدة عليه سيماء الاَنبياء وهيبة الملوك ، وقال : إن عبدالمطلب حجة وأبو طالب وصيّه ، وقيل ان عبد المطلب عاش مائة وأربعين سنة ، وتوفي عبد المطلب وللنبي صلى الله عليه وآله ثمان سنين ، وكان خلف جنازة عبد المطلب يبكي حتى دفن بالحجون، ويعرف أيضاً بالمعلاة . راجع ترجمته في : سفينة البحار للقمي : ج 2 ص 139 ـ 140 .
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج4 ص67.
(3) مُحَسَّر : هو وادٍ بين منى ومزدلفة ، ليس من منى ولا من مزدلفة ، هذا هو المشهور، وقيل : موضع بين مكة وعرفة ، وقيل بين منى وعرفة ، راجع : مراصد الاطلاع : ج 2 ص1224.
(4) سورة المائدة: الآية 51.
(5) سورة التوبة: الآية 23.
(6) إيمان أبي طالب للمفيد : ص 25 ـ 26 (المجلد العاشر من مصنفات الشيخ المفيد)، السيرة الحلبية : ج 2 ص 47 .
(7) تاريخ اليعقوبي : ج 2 ص 35 .
(8) الطبقات الكبرى لابن سعد : ج 1 ص 123 ، السيرة الحلبية : ج 2 ص 47 .
(9) تقدمت تخريجاته .
(10) بحار الاَنوار : ج 35 ص 115 ح 35 ، الغدير للاَميني : ج 7 ص 389 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 14 ص 69 .
(11) بحار الاَنوار : ج 35 ص 111 ـ 112 ، الغدير للاَميني : ج 7 ص 390 .
المصدر: بتصرف
مناظرة الشيخ محمد الإشتهاري مع بعضهم في إيمان أبي طالب
مناظرة السيد علي البطحائي مع الشيخ عبد الله بن جحش في مسألة إيمان أبي طالب ( عليه السلام )
مناظرة السيد محمد جواد المهري مع الأستاذ عمر الشريف في مسألة إيمان أبي طالب ( عليه السلام )
مركز آل البيت العالمي قم
تعليق