إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دور العراق في حركة الإمام المهدي عليه السلام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دور العراق في حركة الإمام المهدي عليه السلام

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلم

    دور العراق في حركة الإمام المهدي عليه السلام
    العراق له دور مستقبلي في حركة الإمام المهدي عليه السلام ، وبملاحظة الروايات التي تحدّثت عن العراق نجدها قد أخذت عدة صور في الحديث عنه، فمرّة تحدّثت الروايات عن العراق الذي يسبق الظهور، وأخرى تحدّثت عن العراق الذي يمهد للظهور، وأخرى تحدّثت عن العراق الذي سوف يشارك في الظهور.

    بمعنى أن هناك مراحل ثلاثاً يمر بها العراق، وهذه المراحل الثلاث هي:

    المرحلة الأولى: قبل التمهيد:
    وهي المرحلة التي تسبق التمهيد للظهور، وقد قالت عنها الروايات: أن الأمّة في العراق سوف تعاني التمحيص، وسوف تعاني الابتلاء والشدة من حكام جور سيحكمون هذا البلد، ويحكمون هذه البقعة الجغرافية، حتّى يؤدي هذا الجور إلى حالات صعبة يمر بها العراق والشعب العراقي، وقد عبرت الروايات عن هذه الحالات بأنواع مختلفة.
    ومن جملة تلك الأنواع التي يمر بها العراق في عصر قبل التمهيد، وهو العصر الأوّل الذي نتحدّث عنه المرارة التي يمر بها المجتمع العراقي، التي سوف تؤدّي إلى ضغوط كثيرة، منها ضغوط نفسيّة، وضغوط دينيّة، وضغوط اقتصادية، وحتّى ضغوط تكوينية تغير في طوبوغرافية المجتمع العراقي.
    وإن هذه الصور المتعددة التي تحدّثت عنها الروايات قد صورت لنا أن العراق سوف يُحكم من قبل حكّام جور، وإن هؤلاء الحكام يغيرون كثيراً من خصوصيّة هذه المنطقة مما يجعل المنطقة تعيش في حصار اقتصادي، وهو المعبر عنه في الروايات بالجوع: (يشمل أهل العراق جوع ذريع.. يشمل أهل العراق نقص في الأموال)؛(1 ) هذا كله موجود في نصوص وروايات وردت عن الإمام الصادق عليه السلام والأئمّة عليهم السلام حيث تحدّثوا عن الجوع والحصار والألم الاقتصادي الذي يمر به الشعب العراقي قبل مرحلة التمهيد.
    ومن الصحيح أن هذا شيء قد مر به العراق مرات كثيرة، ولكنّه قد يكون آخر مرة مرَّ به خلال الحقبة الزمنية الأخيرة التي تجاوزت العشر سنوات.
    والشيء الآخر الذي يمر به العراق حالة الحروب المتكررة، وكثرة الدم، وكثرة القتل، وكثرة الذبح، مما يؤدي إلى انتشار حالة اجتماعية مرفوضة، وهي حالة الخوف الذريع. والخوف الذريع سببه إنعدام الأمن الذي سوف يكون في العراق.
    وهذا الخوف الذريع _ للأسف الشديد _ سوف يؤثر على إرادة الإنسان، لأن الإنسان بطبيعته تحكمه خصوصيات اجتماعية ونفسية وإن أراد أن يتجرد منها أو يكبر عليها، لكن هناك ضغوط اجتماعية قد تفقد الإنسان في كثير من الأحيان إرادته، وهذه الحالة سببها الخوف، والذي يمكن أن نرجع سكوت الشعب العراقي أو كثير من قطاعات الشعب العراقي عما مرَّ عليه من الاضطهاد، والحرمان، والعذاب، والقتل وما إلى ذلك، مع أنه كان _ تقريباً _ ساكتاً بالشكل العام نتيجة في كثير من الأحيان لما يفسر بفقدان الإرادة، فالإنسان عندما يرى الظلم لا بدّ أن يقاتل الظلم لكنه كان فاقد الإرادة أمام الظلم، وغير قادر على أن يجابه الظلام والحكام الذين سبق وأن حكموه وسلبوا إرادته.
    إنّ هذه الحالة تظهر قبل مرحلة التمهيد، والتي عبر عنها الأئمّة عليهم السلام في كثير من تلك الأحيان بأنه وخوف يشمل أهل العراق وموت ذريع فيه.(2)
    هذا الخوف الذريع قد يؤدي إلى تغيير خصوصيات التفكير عند الإنسان، ولكن مع كل ذلك فإن هذا الخوف الذريع، قد يؤدّي إلى حالة إيجابية أيضاً، ليست الحالة سلبية فقط، فقد تكون هناك حالة إيجابية، وهذه الحالة الإيجابية تميز وتغربل الناس بغربال كما يقول الإمام الصادق عليه السلام: (بغربال) تميّزهم على قسمين وهذه الرواية رواها النعماني في غيبته عن أبي بصير عندما كلّمه الإمام الصادق عمّا يمر على أهل العراق من الفتن والامتحان والبلايا، وأنهم يغربلون كغربلة الغربال فيميز أحدهم عن الآخر، الرديء عن الحسن.(3)
    هذا التمييز إنما يأتي من الفتن، يأتي من الضغوط التي يمر بها المجتمع العراقي في هذه المرحلة.

    وهنا قد يثار سؤال: لماذا يمتحن هذا الشعب بهذا الامتحان دون غيره من شعوب العالم، ومناطق الدنيا؟
    الجواب: لأن الله سبحانه وتعالى أخذ العراق مكاناً جغرافياً مهماً لحركة الإمام المهدي، وهو الذي نقرؤه في العصر الثالث، وهو عصر ظهوره وعصر حركته عليه السلام ، فإنّ موقع التحرك المهم يكون في العراق، ولذلك سوف يكون هذا الموقع لأهميته بمستوى هذه المهمة، وأن يكون الجمهور والمجتمع والناس الذين يسكنون في هذا الموقع الجغرافي يكونون بمستوى هذه المهمة.
    بمعنى أنه لا بدّ من تناسب طردي بين المهمة، وبين شخصية المجتمع الذي يسكن في تلك الأرض التي تتحمل هذه المهمة، فعندما نقرأ أن عاصمة الإمام المهدي عليه السلام سوف تكون في العراق، وتكون في الكوفة، وعندما نقرأ أن مرحلة تحرك الإمام المهدي عليه السلام تكون من الكوفة، أو من العراق؛ فلا بدّ أن يكون المجتمع في ذلك الموقع قد تحمل كل الامتحانات ولم يسقط أمامها، وتحمل كل الهموم ولم يسقط أمامها.
    هذا المجتمع الذي لم يسقط، أو الذي خرج من الامتحان ناجحاً يكون مؤهلاً لقيادة البشرية وقيادة العالم، فلذلك ولأجل أن يكون هذا المجتمع القائد، والمجتمع الرائد الذي يقوم بمرحلة هداية البشرية، لا بدّ أن يكون قد مر بالامتحانات السابقة الصعبة وقد خرج منها ناجحاً.
    وبالفعل كان التأكيد الإلهي على العراق؛ لأن العراق دولة الإمام، ولأن العراق مجتمع الإمام، ولأن العراق محط قادة الإمام وجند الإمام، ولذلك فلابد لهذا المجتمع أن يمر بالامتحان.
    إذن هذا الامتحان وهذا العذاب وهذا التمحيص لم يكن سخطاً إلهياً على المجتمع كما يصوّره بعض الناس عندما يقرؤون حركة الإمام، وإنما هذه العلامات التي تظهر من أجل أن يوفر المجتمع كل خصوصيات، وكل صفات القيادة المؤهلة له لقيادة البشرية.
    نلاحظ الدور الإيجابي للمجتمع العراقي في عصر الظهور، هذا الدور مترابط بالمراحل.
    إذن فهذا العذاب وهذه المرارة التي يمر بها العراق ويمر بها المجتمع العراقي سوف يؤهّله وينظّمه ليأخذ دوره الطبيعي.
    ونحن في عقيدتنا الإمامية نعتقد أن الامام المهدي عليه السلام لا يظهر بصورة إعجازية، ويريد أن يثبت الإعجاز في الأرض، وفي الوجود، وإنما يظهر عليه السلام بشكل طبيعي عندما تتوفّر القواعد وتتهيّأ القيادة المؤهّلة لذلك الدور التغييري للعالم، وليس للعراق فقط، وليس للعرب فقط، وليس للمسلمين فقط، وإنما التغيير الأرضي، وبواسطة التغيير الأرضي سوف يكون هناك تغيير كوني، فالكون سوف يتغيّر.
    وقد تعجب كيف يكون تغيير الكون؟! ولإزالة هذا التعجب نحتاج إلى حديث خاص حول دور المهدي في تغيير المجموعة الشمسيّة وحركة المجموعة الشمسيّة، وهذا فيه لحاظات ليست انطلاقاً من الروايات والأحاديث المقدسة فقط وإنما من خلال بحوث علمية تتحدّث عن هذا التغيير الكوني الذي سوف يحدث في عصر المهدي عليه السلام.

    المرحلة الثانية: التمهيد:
    هذا التغيير الذي يقوم به الإمام يبتدئ من العراق، ولذلك يحتاج هذا الدور إلى تمهيد، وهو المرحلة الثانية:
    وفي مرحلة التمهيد يأخذ العراق دوراً كبيراً قبل أن يتحرك الإمام، وقبل أن يظهر الإمام.
    ولا بدّ لهذا المجتمع الذي خرج من الامتحان ناجحاً أن يكون له دور الممهّد لظهور الإمام المهدي عليه السلام.
    وهناك روايات تتحدّث عن الممهدين للمهدي سلطانه، وعن الموطّئين الذين تعبّر عنهم الروايات: الموطئون للمهدي سلطانه(4) وان هؤلاء ينطلقون بحركتهم من العراق إلى خراسان، في حركة متواصلة.
    وعندما يأتي المهدي تكون هذه القوى قد فَرَّغَتْ العراق له، ولذلك لم نقرأ في الروايات أن هناك حرباً تجري في العراق بين الإمام المهدي وبين أهل العراق، ولا توجد أي رواية بهذا الصدد إلاّ رواية البتريّة التي تحدّثت عن أولئك الستة عشر ألف الذين يخرجون ويسمّون البتريّة يقولون عندما يظهر الإمام: ما لنا ولك يا بن فاطمة ارجع لا شأن ولا شغل لنا معك فيضع السيف فيهم.(6)
    أولئك البتريّة قوم غرباء عن العراق، والبترية لم يكونوا من الشيعة، إنما هم قوم غرباء عن العراق، وغرباء عن التشيع، وغرباء عن شخصيّة هذا المجتمع العراقي، لكنّ الحرب تكون على الأرض العراقية.
    إذن هذه القاعدة التي تكون قبل ظهور الإمام لم تكن قاعدة صغيرة، ولم تكن هذه القاعدة شاذّة أو تعبّر عن حالة فردانية بالحضور، وإنما تكون قاعدة واسعة من حيث الكم، وتكون قاعدة واعية ومتّفقة عقائديّاً وعاطفيّاًَ مع الإمام لذلك يأخذها الانفعال الذي يغلب على كل حواس الإنسان سواء السمع أو غيره، لأنّ الإنسان الحاضر قد توجّه بكلّه إلى الإمام.

    المرحلة الثالثة: العراق في عصر الظهور:
    نجد بعض تلك الروايات قد تحدّثة عن هذا المجتمع من حيث كل الخصوصيّات التغييريّة يصنع على عين الإمام(8) وحركة الإمام، ولذلك فإنّ أوّل شيء يقوم به الإمام عليه السلام هو الوصول إلى العراق، ويؤسّس في العراق هذه الدولة، وسيكون مقرّ الدولة الكوفة.
    وتقول هذه الروايات هكذا تكون الأمور، حتّى أنّها تحدّثت عن الكوفة، وعن علاقة الكوفة بهذه القيادة، تقول: (ويكون أسعد الناس به أهل الكوفة).(9) إشارة إلى العراق؛ والروايات عندما تتحدّث عن الكوفة فهي تعني العراق ككل وعموماً، أي بالشكل العام.
    وعندما تتحدّث عن العراق تقول: (أسعد الناس به أهل الكوفة)، ولم تقل الرواية: (أفرح الناس)، أي أكثر فرحاً، بل هم أكثر سعادةً، لأن هذا الشعب تحمّل الكثير من أجل الإمام عليه السلام ، وتحمّل الكثير من أجل أهل البيت عليهم السلام ، فيكون حينئذٍ محل اقتطاف تلك الثمرة هو هذا المجتمع في هذه الأرض فلذلك يكون الناس سعداء، بمعنى مرتاحين من جميع الجوانب؛ الجوانب الحضاريّة، والمدنية، والثقافية، والسياسية، والعسكرية، وكل الجوانب التي ترتبط بحياة الإنسان، وحينها تتوفّر أحسن سبل الراحة في العراق وفي عصر الإمام عليه السلام.
    ولذلك نجد الإنسان في العراق سوف يتغيّر من حالة الهزيمة والتعب، والمرارة، والعذاب، والشقاء يتحوّل إلى مجتمع مثالي.

    الهوامش
    (1 ) لاحظ: الإرشاد للشيخ المفيد 2: 369؛ كشف الغمة للأربلي 3: 256.
    (2) راجع: روضة الواعظين/ الفتال النيسابوري: 263؛ الإرشاد/ المفيد 2: 369؛ كشف الغمة/ الإربلي 3: 256؛ الفصول المهمة/ ابن الصباغ المالكي 2: 113.
    (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (... لا بدّ للناس أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا وسيخرج من الغربال خلق كثير)، راجع كتاب الغيبة للنعماني: 204/ ح6.
    (4) راجع كنز العمال للمتقى الهندي 14: 263/ ح 38657.
    (5) الإرشاد للشيخ المفيد 2: 380؛ كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 469.
    (6) دلائل الإمامة للطبري (الشيعي): 455.
    (7) وقد صدق القول هذا والتنبّؤ انتصار حزب الله الشيعة في لبنان على إسرائيل وغطرستها حتّى أذلوها وهزموها فولى اليهود الدبر، وهي أوّل مرة يعيشه الإسرائيليون الهزيمة منذ قيام كيانهم الصهيوني إلى يومنا الحاضر (17/ 9/ 2006م، 22/ شعبان/ 1427هـ).
    (8) مقتبس من قوله تعالى: (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي).
    (9) كتاب الغيبة للنعماني: 15.


    المصدر : بتصرف
    كتاب أضواء على دولة الإمام المهدي عليه السلام

    السيد ياسين الموسوي
يعمل...
X