بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلم
آيات الذم والتقريع
ابتعد كثير من الصحابة في مواقفهم وسلوكهم عن المنهج الاِلهي المرسوم لهم ، وخالفوا القواعد الاَساسية للسلوك الاِسلامي ، فنزلت الآيات في ذمّهم وتقريعهم ، وسنذكر بعض هذه الآيات حسب ترتيبها في القرآن الكريم .وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلم
آيات الذم والتقريع
الآية الاُولى :
قال تعالى : ( ومِمَّنْ حَوْلَكُم مِنَ الاَعرابِ مُنَافِقُونَ وَمِن أهلِ المدينةِ مَردُوا على النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعلَمُهُمْ ) (1).
النفاق قسمان : قسم واضح وظاهر للعيان ، وقسم خفي لا يعلمه إلاّ الله، لاَنهم يبطنون الكفر في سويداوات قلوبهم إبطاناً (2).
أو كما وصفهم الفخر الرازي : (إنّهم تمرّنوا في حرفة النفاق ، فصاروا فيها استاذين ، وبلغوا إلى حيث لا تعلم أنت نفاقهم مع قوة خاطرك وصفاء حدسك ونفسك) (3).
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتعامل مع المسلمين حسب ظواهرهم ولايتابعهم أو يعلن عن أسماء المنافقين الذين يعرفهم ، فعن أبي الدرداء أنَّ رجلاً يقال له حرملة.. قال : يا رسول الله : إنّه كان لي أصحاب من المنافقين ، وكنت رأساً فيهم ، أفلا آتيك بهم ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « من أتانا استغفرنا له ، ومن أصرَّ فالله أولى به ، ولا تخرقنَّ على أحد ستراً » (4).
فوجود منافقين بين الصحابة ، يعني أنّنا لا نستطيع أن نحكم على أفراد الصحابة بالخيرية والعدالة ، وإنّما ننظر إلى سلوكهم ومواقفهم العملية ، فمن كان سلوكه وموقفه مطابقاً لقواعد الاِسلام الثابتة فهو من الاَخيار والعدول ، ومن لم يكن كذلك ، فلا نحكم عليه بالخيرية والعدالة ، وإنّما نصفه بالوصف الذي يستحقّه دون الحاجة إلى تبرير سلوكه وموقفه تارة بالتأويل وأُخرى بالاجتهاد ، فما دام النفاق موجوداً لدى بعضهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنّه مستمر بالوجود بعد وفاته ، وخصوصاً أنّ المنافقين أصبحوا في مأمنٍ من كشف الوحي أسرارهم .
الآية الثانية :
قال الله تعالى : ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ على حَرْفٍ فإن أصابَهُ خيرٌ اطمأنَّ بِهِ وإنْ أصابَتْهُ فِتنَةٌ انقلبَ على وجهِهِ خَسِرَ الدنيا والآخرةِ...) (5).
نزلت الآية في الذين أسلموا إسلاماً غير مستقر ، قال الزمخشري : (على حرف : على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه ، وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة... قالوا : نزلت في أعاريب قدموا المدينة ، وكان أحدهم إذا صحّ بدنه ونتجت فرسه مهراً سرياً ، وولدت امرأته غلاماً سوياً ، وكثر ماله وماشيته ، قال : ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلاّ خيراً... وإن كان الاَمر بخلافه قال : ما أصبت إلاّ شرّاً) (6) . ونحو ذلك قال ابن كثير (7).
والاَعراب هم قوم من الصحابة ، لاَنّهم صحبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو ساعة من نهار حسب تعريف المشهور ، وإنَّ درجات إيمانهم تتناسب طردياً مع ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية ، فهم بين اندفاع وانكماش وبين تقدّم وتراجع تبعاً للظروف ، وهؤلاء وإن أسلموا ورافقوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعض الوقت ، إلاّ أنّ الاِيمان لم يدخل قلوبهم ، كما عبّر عنهم القرآن الكريم : (قالتِ الاَعرابُ آمنّا قُلْ لم تؤمنُوا ولكِن قُولُوا أسلَمنا ولمّا يَدخُلِ الاِيمانُ في قلوبِكُم... إنّما المؤمنونَ الَّذِينَ آمنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لم يَرتابُوا وجَاهدُوا بأموالِهِم وأنفُسِهم في سبيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصادِقُونَ ) (8).
ويلحق بهم المؤلفة قلوبهم من الصحابة ، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعطيهم الاَموال ليتألفهم على الاِسلام ، ومنهم أبو سفيان وأولاده (9).
ومثل هؤلاء الذين يكون ارتباطهم بالاِسلام قائماً على أساس مقدار العطاء ، لا نتوقع أن يكونوا بمستوى المجاهدين الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، ثم لم يرتابوا .
الآية الثالثة :
قال الله تعالى : ( إنَّ الَّذينَ جاءُوا بالاِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم... لكُلِّ امرىءٍ مِنهُم ما اكتسَبَ مِنَ الاِثمِ والَّذي تولّى كِبرَهُ منهُم لهُ عذابٌ عظيمٌ ) (10).
نزلت هذه الآية وآيات اُخرى في الصحابة الذي اتهموا إحدى زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالفاحشة ، فكان بعضهم من المنافقين ، وكان البعض الآخر من الصحابة غير المنافقين ، قال ابن كثير : (جماعة منكم يعني ماهو واحد ولا اثنان ، بل جماعة.. فكان المقدّم في هذه اللعنة عبدالله بن أُبَي بن سلول رأس المنافقين ، فإنّه كان يجمعه ويستوشيه حتى دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين فتكلموا به ، وجوزه آخرون منهم ، وبقي الاَمر كذلك قريباً من شهر حتى نزل القرآن) (11).
فقد ارتكب جماعة من الصحابة ذنباً عُدّ من كبائر الذنوب ، فاتهام المسلمة وقذفها من الكبائر ، فكيف والمتّهمة زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
ولم يحاول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبرئة زوجته محتجاً بأنّ شرف الصحبة له يمنعها من ممارسة ما اتهمت فيه ، وإنّما انتظر الوحي واكتفى صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : «يامعشر المسلمين من يعذرني من رجلٍ قد بلغني أذاه في أهل بيتي... ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلاّ خيراً » .
فقام سعد بن معاذ الاَنصاري فقال : (يا رسول الله ، أنا أعذرك منه إن كان من الاَوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك) ، فقام سعد بن عبادة ، وهو سيد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ، ولكن احتملته الحميّة ، فقال لسعد : (كذبت ، لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله)، فقام أُسيد بن حضير ، وهو ابن عم سعدٍ ، فقال لسعد بن عبادة : (كذبت ، لعمر الله لنقتلنّه ، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين)(12).
وما جرى بين الصحابة ، من مشادّة واتّهام بالكذب والنفاق يعني تجويز الكذب عليهم ، وتجويز النفاق عليهم ، وإنّ شرف الصحبة لايحصّنهم من ذلك . هذا ما كان يقوله الصحابة أنفسهم في بعضهم ، فهل للجدال فيه معنىً ؟!
الآية الرابعة :
قال الله تعالى : ( أفَمَن كانَ مُؤمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لايَستَوونَ) (13).
نزلت هذه الآية في الاِمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام والوليد بن عقبة ، قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط للاِمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : (أنا أحدّ منك سناناً ، وأبسط منك لساناً) .
فقال له الاِمام علي عليه السلام : « اسكت ، فإنّما أنت فاسق » ، فنزلت الآية ، قال عبدالله بن عباس : (يعني بالمؤمن عليّاً ، وبالفاسق الوليد بن عقبة)(14).
وقد اتّفق كثير من المفسرين في أنّ المراد بالفاسق هو الوليد بن عقبة(15) .
ونزلت آية اُخرى في الوليد بن عقبة ، وسمّته فاسقاً :
وهي قوله تعالى : (يا أيُّها الَّذينَ آمنُوا إن جاءكُمْ فاسِقٌ بِنَبأ فَتَبَيَّنُوا أن تُصيبُوا قَوماً بِجهالةٍ فَتُصبِحُوا على ما فَعَلتُم نادِمِينَ ) (16).
وسبب النزول أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث الوليد بن عقبة لجمع صدقات بني المصطلق ، فلمّا شارف ديارهم ركبوا مستقبلين له فحسبهم مقاتليه ، فرجع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال له إنّهم قد ارتدّوا ومنعوا الزكاة ، فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبروه بعدم صحة قول الوليد ، فنزلت الآية . وهي محل اتّفاق بين المفسرين والمؤرخين في نزولها في الوليد بن عقبة ، وفي تسميته فاسقاً (17).
والوليد بن عقبة كان مشهوراً بالفسق حتى بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ففي خلافة عثمان بن عفّان كان الوليد أميراً على الكوفة ، فشرب الخمر ، وصلّى بالناس جماعة وهو سكران (18).
وقال ابن حجر العسقلاني : (وقصة صلاته بالناس الصبح أربعاً وهو سكران مشهورة مخرجة ، وقصة عزله بعد أن ثبت عليه شرب الخمر مشهورة أيضاً مخرجة في الصحيحين) (19).
الآية الخامسة :
قال الله تعالى : ( وإذ يقُولُ المنافقُونَ والَّذينَ في قُلُوبِهِم مرضٌ ما وَعَدَنا اللهُ ورسُولُهُ إلاّ غُرُوراً ) (20).
وقال تعالى : ( لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنافقُونَ والَّذينَ في قُلُوبِهِم مرضٌ والمُرجفُونَ في المدينةِ... ) (21).
يذكر الله تعالى صنفين من المسلمين أو من الصحابة : المنافقين ، والذين في قلوبهم مرض ، فكلاهما يشهد الشهادتين ويعترف ولو بالظاهر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رسولاً .
وهنالك ثلاثة آراء في معنى ( الَّذينَ في قُلُوبِهِم مرضٌ ) :
فعن محمد بن كعب قال : يعني المنافقين .
وعن عكرمة قال : أصحاب الفواحش .
وعن عطاء قال : كانوا مؤمنين ، وكانوا في أنفسهم أن يزنوا و... (22).
وهذه الاَقوال كلّها واضحة الضعف .
والظاهر أنّ معنى ( الذين في قلوبهم مرض ) : (هم ضعفاء الاِيمان من المؤمنين ، وهم غير المنافقين) (23).
نعم ، هم غير المنافقين ، لاَنّهم الذين تظاهروا بالاِسلام والاِيمان لاخوفاً على أنفسهم وأموالهم بل لاغراض غير ذلك .
وضعفاء الاِيمان يمكن صدور الذنب والمعصيّة منهم ، وقد صدر بالفعل بقولهم : ( ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إلاّ غُروراً ) ، وهذا القول من أعظم الذنوب والمعاصي .
وقد حذّر الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ترقيق القول ، وقال : (... فلا تخضَعْنَ بالقولِ فَيطمَعَ الَّذي في قلبِهِ مرضٌ... ) (24).
وقال العلاّمة الطباطبائي في تفسيره : ( ( فيطمَعَ الَّذي في قلبِهِ مرضٌ ) وهو فقدانه قوة الاِيمان التي تردعه عن الميل إلى الفحشاء) (25).
فالذي في قلبه مرض يميل إلى الذنوب والمعاصي حسب درجة قوة وضعف إيمانه وعاقبته إمّا الاستقامة وإمّا الانحراف .
الآية السادسة :
قال الله تعالى : ( يا نساءَ النَّبِيِّ مَن يأتِ مِنكُنَّ بفاحشةٍ مُّبَيّنَةٍ يُضاعف لها العذابُ ضِعفَينِ... وَمَن يقنُت منكُنَّ للهِ ورسُولهِ وتعملْ صالِحاً نُؤتِها أجرَها مَرَّتين وَأعتدنا لها رِزقاً كريماً ) (26).
إنّه قد تكون المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر وأطول صحبةً له من الغير ، ولكن لا تأثير لهذه الصحبة في السلوك والموقف العملي ، فهي لا تعصم من الخطأ والزلل إلاّ إذا أعطى الصاحب للصحبة حقّها بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولهذا فالله تعالى يحذّر نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم من إتيان الفاحشة ، ويهدّد بجعل العذاب ضعفين لقربهنَّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال القرطبي : (لما كان أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مهبط الوحي وفي منزل أوامر الله ونواهيه ، قوي الاَمر عليهنّ ولزمهنَّ بسبب مكانتهنَّ أكثر ممّا يلزم غيرهن فضوعف لهنّ الاَجر والعذاب ، وقيل : إنّما ذلك لعظم الضرر في جرائمهنَّ بايذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانت العقوبة على قدر عظم الجريمة في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) (27).
فالصحبة بمفردها غير عاصمة من الزلل والخطأ ، ويكون الزلل والخطأ أكثر قبحاً إن صدر ممّن صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لاَنَّ الحجّة عليه تكون آكد وأشدّ .
والاَخطاء التي ارتكبت من قبل بعض نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر واقع ، فعن عائشة أنّها قالت : (إنَّ رسول الله كان يمكث عند زينب بنت جحش... فتواطأت أنا وحفصة أن أينّا دخل عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلتقل إني أجدُ منك ريح مغافير ، أكلت مغافير.. فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « لا بل شربتُ عسلاً عند زينب»(28).
وفي رواية أنّ عمر بن الخطاب قال لحفصة : (أتغاضبنَّ إحداكنَّ رسول الله يوماً إلى الليل ؟) قالت : نعم ، قال : (أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله فيهلكك ؟) (29).
وقد نزلت آيات عديدة في نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونساء الاَنبياء: ، منها :
قال الله تعالى : ( إنَّ تَتُوبَا إلى اللهِ فقد صَغَت قُلُوبُكُما وإن تَظَاهَرا عليهِ فإنَّ اللهَ هوَ مولاهُ وجبرِيلُ وصَالحُ المؤمنينَ والملائكةُ بَعدَ ذَلكَ ظَهيرٌ * عسى ربُّهُ إن طَلَّقَكُنَّ أن يُبدِلهُ أزواجاً خيراً مِّنكنَّ... ) (30).
وقال الله تعالى : ( ضربَ اللهُ مَثَلاً للَّذينَ كفرُوا امرأتَ نُوحٍ وامرأتَ لُوطٍ كانتا تَحتَ عَبدَينِ مِنْ عِبادِنا صالحَينِ فَخَانَتاهُما فلمْ يُغنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيئاً وقيلَ ادخُلا النَّارَ معَ الداخلينَ ) (31).
وقال تعالى : ( وضربَ اللهُ مثلاً للَّذينَ آمنُوا امرأتَ فِرعونَ... ومريمَ ابنتَ عِمرانَ ) (32).
وفي تفسير الزمخشري للآيات المتقدِّمة قال : (... وفي طيّ هذين التمثيلين تعريض بأمّي المؤمنين ـ يعني عائشة وحفصة ـ وما فرط منهما من التظاهر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما كرهه ، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده لما في التمثيل من ذكر الكفر... وإشارة إلى أنّ من حقهما أن تكونا في الاِخلاص والكمال فيه كمثل هاتين المؤمنتين ، وأن لا تتكلا على أنّهما زوجا رسول الله ، فإنَّ ذلك الفضل لا ينفعهما إلاّ مع كونهما مخلصتين...) (33).
فالصحبة الطويلة والكثيرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضل وشرف ولكنّها غير عاصمة من الزلل ، فلو كانت عاصمة لعصمت أمرأة نوح وامرأة لوط ، فكان مصيرهما النّار ، ولم تنفعهما صحبتهما للنبي .
فالميزان هو الاستقامة والاعتدال ، والاستعداد لهما ، ومجاهدة النفس للوصول إلى مراتب الكمال والعدالة .
الآية السابعة :
قال الله تعالى : (... وما كانَ لكُمْ أنْ تُؤذُوا رسُولَ اللهِ ولا أن تنكِحُوا أزواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبداً إنَّ ذلكُم كانَ عند اللهِ عظيماً ) (34).
نزلت هذه الآية في بعض الصحابة الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد روى الطبرسي : (انّ رجلين قالا : أينكح محمد نساءنا ولاننكح نساءه ، والله لئن مات لنكحنا نساؤه ، وكان أحدهما يريد عائشة ، والآخر يريد أُم سلمة) (35).
وعن السدي أنّه قال : (بلغنا أنّ طلحة بن عبيدالله قال : أيحجبنا محمد عن بنات عمِّنا ويتزوج نساءنا ، لئن حدث به حدث لنتزوجنَّ نساءه من بعد(36) .
وفي رواية أنّ محمد بن عمرو بن حزم ، قال : (إذا توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوجت عائشة)(37).
وعن عبدالله بن عباس قال : (إنَّ رجلاً أتى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلمّها وهو ابن عمها ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لا تقومنَّ هذا المقام بعد يومك هذا... فمضى ثم قال : يمنعني من كلام ابنة عمّي ، لاَتزوجنّها من بعده ، فأنزل الله هذه الآية... فأعتق ذلك الرجل رقبة ، وحمل على عشرة أبعرة في سبيل الله ، وحجَّ ماشياً توبةً من كلمته) (38).
وفي هذه الرواية أدرك ذلك الصحابي عظم الذنب ، فتاب إلى الله تعالى، وهذا إن دلَّ على شيء إنّما يدل على أنَّ الصحابي معرّض للانحراف والانزلاق ، وهو يستقيم أحياناً وينحرف أخرى وباب التوبة مفتوح للتائبين .
الآية الثامنة :
قال الله تعالى : ( يا أيُّها الَّذينَ آمنُوا أطيعُوا اللهَ وأطيعُوا الرّسُولَ ولا تُبطِلُوا أعمالَكُم ) (39).
عن أبي العالية قال : (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرون أنّه لا يضرّ مع لا إله إلاّ الله ذنب ، كما لا ينفع مع الشرك عمل ، فنزلت (الآية) ، فخافوا أن يبطل الذنب العمل) (40).
فهذه الآية نزلت لتصحيح المفاهيم الخاطئة ، وأثبتت أنّ الاَعمال الصالحة تبطل بالذنوب .
وقد أكدّ القرآن الكريم على أنّ الذنوب تبطل وتحبط الاَعمال وإن كانت غير واضحة عند مرتكبيها قال تعالى : ( يا أيُّها الَّذينَ آمنُوا لا تَرفعُوا أصَواتَكُم فوقَ صوتِ النّبي ولا تَجهرُوا لهُ بالقولِ كجَهرِ بعضِكُم لبعضٍ أن تَحْبَطَ أعمالَكُم وأنتُم لا تَشْعُرونَ ) (41).
____________
1) سورة التوبة 9 : 101 .
2) راجع الكشّاف 2 : 211 .
3) التفسير الكبير 16 : 173 .
4) تفسير القرآن العظيم 2 : 399 .
5) سورة الحج 22 : 11 .
6) الكشّاف 3 : 7 .
7) تفسير القرآن العظيم 3 : 219 .
8) سورة الحجرات 49 : 14 ـ 15 .
9) ربيع الاَبرار 1 : 788 . ومختصر تاريخ دمشق 11 : 64 . وسير أعلام النبلاء 2 : 106 .
10) سورة النور 24 : 11 .
11) تفسير القرآن العظيم 3 : 279 .
12) صحيح البخاري 6 : 130 .
13) سورة السجدة 32 : 18 .
14) أسباب نزول القرآن ، للواحدي 363 .
15) الكشّاف 3 : 514 . وأسباب النزول ، للسيوطي : 293 . والدر المنثور 3 : 514 .
16) سورة الحجرات 49 : 6 .
17) السيرة النبوية ، لابن هشام 3 : 309 . وأسباب نزول القرآن ، للواحدي : 407 . والكشّاف 3 : 559 . وتفسير القرآن العظيم 4 : 224 . والاِصابة 6 : 321 . وأسباب النزول ، للسيوطي : 347 .
18) الاِمامة والسياسة 1 : 32 . وتاريخ اليعقوبي 2 : 174 . والكشّاف 3 : 559 .
19) الاِصابة 6 : 322 .
20) سورة الاَحزاب 33 : 12 .
21) سورة الاَحزاب 33 : 60 .
22) الدر المنثور 6 : 662 ـ 663 .
23) الميزان في تفسير القرآن 16 : 286 .
24) سورة الاَحزاب 33 : 32 .
25) الميزان في تفسير القرآن 16 : 309 .
26) سورة الاَحزاب 33 : 30 ـ 31 .
27) الجامع لاَحكام القرآن 14 : 174 .
28) سير أعلام النبلاء 2 : 214 . وبنحوه في المعجم الكبير 23 : 310 . والمغافير: جمع المغفار ، وهو صمغ حلو يسيل من بعض الشجر .
29) الطبقات الكبرى ، لابن سعد 8 : 182 . وبنحوه في المعجم الكبير 23 : 209 .
30) سورة التحريم 66 : 4 ـ 5 .
31) سورة التحريم 66 : 10 .
32) سورة التحريم 66 : 11 ـ 12 .
33) الكشّاف 4 : 131 .
34) سورة الاَحزاب 33 : 53 .
35) مجمع البيان 4 : 366 .
36) أسباب النزول ، للسيوطي : 306 .
37) أسباب النزول ، للسيوطي : 306 . والدر المنثور 5 : 215 .
38) أسباب النزول ، للسيوطي : 307 .
39) سورة محمد 47 : 33 .
40) أسباب النزول ، للسيوطي : 341 .
41) سورة الحجرات 49 : 2 .
المصدر
كتاب الـصـحـابـة في القرآن والسُنّة والتأريخ
مركز الرسالة
كتاب الـصـحـابـة في القرآن والسُنّة والتأريخ
مركز الرسالة
تعليق