بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الغر الميامين
امر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بالتحرك يوماً إلى تبوك (على بعد حوالي مائة فرسخ شمال المدينة المنورة عند الحدود السورية). فاعتذر بعضهم بمختلف الأعذار، وقف المنافقون حجر عثرة في طريق ذلك.. ولكن تهيأ في النهاية جيش جرار. كانت تعوزهم التجهيزات العسكرية، ولم يكن معهم من الطعام إلاّ النزر اليسير بحيث كان بعضهم يسد جوعه بتمرات معدودات. إلاّ أ نّهم جميعاً كانوا أشد ما يكونون حيوية ونشاطاً، فقد كان الحب ينفث فيهم القوّة، وجاذبة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تزيدهم قدرة.اللهم صل على محمد وال محمد الغر الميامين
كان أبو ذر ـ أيضاً ـ بين هذا الجيش المتجه الى تبوك. وفي خلال الطريق تأخر ثلاثة أشخاص واحداً بعد واحد، فكانوا يخبرون رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، فكان في كلّ مرة يقول:
«إذا كان فيه خير فسيرجعه الله، وإذا لم يكن فيه خير فخيراً فعل».
وكان أبو ذر يركب جملا ضعيفاً نحيفاً لا يقوى على السير، فتأخر به عن الركب، فقيل لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إن أبا ذر قد تخلف أيضاً. فكرر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) جملته تلك:
«إذا كان فيه خيراً فسيرجعه الله، وإذا لم يكن فيه خير فخيراً فعل».
ويواصل الجيش مسيره وأبو ذر متخلف عن لحاق الركب، لخور مطيته، ولم ينفع فيها ضرب ولا حث، فهجر البعير، وحمل متاعه على ظهره، وراح يمشي فوق الصخور المحرقة في ذلك الحر اللافح، وقد أوشك على الهلاك من شدة العطش. ووصل إلى صخرة في ظل جبل حيث كان ماء الم قد تجمع في بركة صغيرة، فذاقه فإذا به عذب بارد، ولكنه امتنع عن الشرب قائلا: والله لن أشرب حتّى يشرب منه حبيبي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). وملأ قربته ووضعها على كتفه وأسرع خلف جيش المسلمين.
رأى الجيش شبحاً بعيداً مقبلا عليهم، فقالوا: يا رسول الله: نرى شبحاً مقبلا علينا، فأخبرهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أ نّه لابدّ أن يكون أبا ذر، وإذا اقترب عرفوه. نعم.. إنّه أبو ذر، ولكنه يكاد يقع على الأرض تعباً وعطشاً. وما أن وصل إلى حيث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى وقع على الأرض. فأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسرعوا إليه بالماء. فقال أبو ذر بصوت ضعيف: إنّ معي ماء. فتبسم(صلى الله عليه وآله وسلم) وسأله: أمعك الماء وأنت تشرف على الهلاك عطشاً؟
فقال: يا رسول الله. عندما تذوقت الماء، أحزنني أن أشرب منه قبل أن يشرب منه حبيبي رسول الله.
ترى في أية مدرسة من مدارس العالم يمكن أن نعثر على مثل هذا الوله والتشوق ونكرات الذات؟
الامام علي في قوتيه الجاذبة والدافعة
العلامة الشيخ مرتضى المطهري
تعليق