بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلى على سيدنا محمد وآله وسلم
من هم جيران اللّه !
اللهم صلى على سيدنا محمد وآله وسلم
من هم جيران اللّه !
هناك جيران غير جيراننا المعروفين وهم جيران الله ، جيران من نوع آخر وهم الذين اصطلحت عليهم بعض الأحاديث وفق ما جاء في القرآن الكريم بقوله تعالى: (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) ، (القمر:55) تعبير عن جوار الله، ولذا نقول عن المؤمن العامل إذا مات انتقل إلى جوار اللّه.
وفي الحديث الشريف عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) : ((إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الخلائق في صعيد واحد ونادى مناد من عند اللّه أين أهل الصبر؟ـ فيأتون فيقال لهم: ادخلوا الجنّة بغير حساب ـ ثم ينادي مناد آخر: أين أهل الفضل؟ ـ فيقال لهم : ادخلوا الجنة بغير حساب، ـ ثم ينادي مناد من اللّه عز وجل يسمع آخرهم كما يسمع أوّلهم، فيقول: أين جيران اللّه جلّ جلاله في داره؟ـ فاللّه تعالى يعطيهم هذه المكرمة بأن يجعلهم جيرانه وهو الشرف كلّ الشرف والعزّ كلّ العزّ ـ فيقوم عنق من الناس فتستقبلهم زمرة من الملائكة فيقولون لهم: ما كان عملكم في دار الدنيا فصرتم به اليوم جيران اللّه تعالى في داره؟ فيقولون: كنّا نتحابّ في اللّه عزّ وجل ـ فعندما نحبّ بعضنا بعضاً فإننا نحبّ من خلال عمق العلاقة باللّه سبحانه وتعالى، لأنّ اللّه أراد للمؤمن أن يحبّ المؤمن، لا على أساس مصلحة أو غاية أو قرابة ـ ونتباذل في اللّه ـ بحيث يبذل كلّ واحد من ماله ونفسه لصاحبه ـ ونتآزر في اللّه ـ أي يؤازر كلّ واحد منا صاحبه ويساعده في شؤون البرّ ومجالات الخير والعمل الصالح، وكلّ ذلك لحساب اللّه ولأجل رضاه ـ قال: فينادي منادٍ من عند اللّه تعالى: صدق عبادي خلّوا سبيلهم لينطلقوا إلى جوار اللّه في الجنّة بغير حساب)). وهذه من أعمق الأخلاق الإسلامية التي يعيشها الإنسان المؤمن في داخل نفسه لتنعكس على حركته الاجتماعية في الحياة، فالإنسان الذي تحرّكت عاطفته ومشاريعه التعاونية والتواصلية على أساس أن يقصد بها وجه اللّه ولا يقصد بها غيره هو إنسان وصل إلى مستوى إيمانيّ رفيع في محبّته للّه تعالى بحيث انعكس ذلك على كلّ علاقاته وتحرّكاته الاجتماعية.
كما أنّ قيمة هذا السلوك الذي يرتفع بصاحبه بحيث يصبح جاراً للّه هو أنّه يشدّ المجتمع المؤمن بعضه أزر بعض بحيث يشعر المؤمن أنّ إيمانه يتحرّك اجتماعياً، وأنَّ هذا الإيمان يحميه اجتماعياً ويحقّق له المحبّة في نفوس أبناء مجتمعه من خلال التواصل الاجتماعي معهم، وبذلك ينمو الإيمان في وجدان الإنسان عندما يرى أثره في المجتمع المؤمن في الدنيا، كما ينمو إيمان المجتمع المؤمن عندما تتركز علاقاته على أساس العلاقة باللّه سبحانه وتعالى. وهذا أمر لابدّ أن نربّي أنفسنا وأولادنا عليه. لأنّ المشكلة التي نعيشها في أغلب المجتمعات غير الإسلامية، وحتى في مجتمعاتنا الإسلامية هي أن هذه المجتمعات استحالت إلى تجمعات حقد وتباغض وعداوة، بحيث لم يعد الإنسان يأمن على نفسه ولا على سمعته ولا على ماله ولا على حقوقه التي له على الناس، لأنّ العلاقات الاجتماعية أصبحت تتحرّك من خلال التعقيدات الذاتية والمصالح الشخصية، أكثر مما تتحرّك من خلال الخطوط الإيمانية.
ولعلّ هذا الواقع المأساوي الذي تعيشه مجتمعاتنا الإسلامية بلغ من التمزّق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأمنيّ حدّاً أنّ اللّه تعالى لم يعد له أدنى حساب في علاقات الناس ببعضهم البعض، فالحسابات اليوم هي حسابات الناس الذين لدينا مصالح معهم، فلو نشب خلاف بين مؤمنين وأنت أحد الطرفين وجاءك الناس يتوسطون عندك ويقولون لك: في سبيل اللّه وعلى حساب اللّه تسامح في حقّك؟ إلا تقول: ما دخل اللّه في الأمر؟ أو: لا تدخلوا اللّه في هذا الحساب؟ ولكن لو قالوا لك: على حساب فلان، الذي هو رئيس عشيرة أو وجيه اجتماعي أو مسؤول سياسي، فأنت تتساهل وتلبي رغبتهم وكأنّ وجاهة فلان هي اليوم أكثر تقديراً عند بعض الناس من اللّه سبحانه وتعالى. أليس هذا هو الواقع الاجتماعي الذي نعيشه؟ .
فعلينا أن نعيد النظر في ذلك، لأنّنا نخشى - ونعوذ باللّه من ذلك - أن يكون الإيمان عندنا مجرّد شيء على السطح.
المصدر
شبكة الامامين الحسنين عليهما السلام
مؤلف محمد حسين فضل الله
شبكة الامامين الحسنين عليهما السلام
مؤلف محمد حسين فضل الله
تعليق