بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبا الزهراء محمد وعلى آله الغر الميامين المعصومين وعلى من وآلاهم وأحبهم إلى يوم الدين وبعد:
فنقول: ظاهرة البكاء عند الاِمام زين العابدين (عليه السلام) بين البكاء والتباكي:والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبا الزهراء محمد وعلى آله الغر الميامين المعصومين وعلى من وآلاهم وأحبهم إلى يوم الدين وبعد:
بين البكاء والتباكي الهادفين خيط رفيع لا يمكن تجليته واكتناه فلسفته إلاّ بفهم الهدف من البكاء أولاً ، والتباكي ثانياً.
فإذا كان الهدف من البكاء هو تربية النفوس وتجلية الصدأ الذي يرين عليها جرّاء زحمة الحياة وقساوة العيش ، ومن ثم توجيه البكاء إعلامياً للتأثير على الناس كشكل من أشكال العمل السياسي أو الرسالي الهادف النبيل ، يأتي هنا ممدوحاً ومندوباً ، وهو غير الجزع والضعف والنفاق والرياء الذي له أهداف هابطة اُخرى.
أي أنّه في الدائرة الاُولى عاطفة نبيلة يمكن أن تنتزع من الاِنسان دواعي قسوة القلب وغلظته وشدّته ، وتحيله أكثر شفافية وسماحة ورقّة من جهة ، وهو عمل تربوي لتوجيه النفوس وتربيتها وتهذيب مشاعرها وأحاسيسها من جهة اُخرى.
وهكذا التباكي هو الآخر ، إمّا أن يكون تمثيلاً أجوف لا هدف وراءه ولاجدوى منه ولا طائل ، وإمّا أن يكون مواساةً للباكي في صدق بكائه وتصديق انفعاله وتفاعله مع حدث ما أو مصيبة ما ، أو يكون مشاركةً إنسانية ووجدانية تواسي المبكى عليه في عظمة تضحيته ونبل إقدامه
وهيبة موقفه ، وبالتالي فإنّ الدائرة الاُولى غير الثانية بالتأكيد..
ومن هنا نلمس الفرق بين الندبة المعروفة :
ويصيح واذلاّه أين عشيرتي * وسراة قومي أين أهل ودادي
وبين الاُخرى التي تفجّر الدموع دماً :
لا تطلبوا قبر الحسين بشرق أرضٍ أو بغربِ * فدعوا الجميع وعرجّوا فمشهده بقلبي
تفسير ظاهرة البكاء عند الاِمام عليه السلام :
وكما ارتبك بعض المؤرخين في تفسير دور الاِمام السجاد عليه السلام في ريادة مشروع المعارضة للسلطة الاَموية ، وأخفقوا في تفسير مواقفه الدقيقة لبلورة الاتجاه المناهض لها ، ارتبك بعضهم الآخر في تفسير ظاهرة البكاء المعروفة لديه ، وراحوا يشرّقون حولها ويغرّبون أيضاً..
نعم ، اتجه بعضهم إلى تحليل الظاهرة على أنها فجيعة ولدٍ بأبيه وأخوته فقط ، وبالتالي فانها لا تعدو كونها عاطفةً جياشةً لا يمكن التحكّم بانفجارها وتدفّقها في لحظات الانفعال الوجداني الذي لا يُكبح.. فيما اعتبرها آخرون أُسلوباً سياسياً ذكياً لاستنهاض الناس وتذكيرهم بالظلامة الكبيرة التي لحقت بأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وبين هذا التفسير وذاك ، راح المؤرخون يحلّلون ويكتبون ويبحثون ، وكلّ من زاويته أو فهمه للبكاء والتباكي ، فمن حزين مفجوع ينفّس ببكائه عن غصّة وألم دفينين لا يستطيع منهما فكاكاً ، إلى بكّاءٍ متباكٍ ينوي ببكائه وتباكيه إذكاء نار الغضب المقدس ضد الظالمين الذين تجرأوا على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه والصفوة من خيرة خلق الله بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ..ومن هنا فلا يستطيع المؤرخ أو المحلل السياسي تفسير ظاهرة البكاء لدى الاِمام السجاد تفسيراً علمياً رصيناً إلاّ من خلال دراسة الظروف التي عاشها عليه السلام والفضاء الاِعلامي والسياسي الذي كان يتنفّس فيه ، وإلاّ شطّ به التحليل بين أقصى اليمين وأقصى اليسار ، وجنح في تفسير هذه الظاهرة وفق ظروف اُخرى ، ربما نفسية أو اجتماعية ، أو سياسية ، هي في الحقيقة ، غير تلك التي يجب أن تفسّر من خلالها أو على ضوئها...
فحين نفهم مثلاً أنّ طائفةً كبيرةً من الناس كانت تجهل الدواعي والاَسباب التي دفعت الاِمام الحسين عليه السلام لخوض تلك المعركة غير المتكافئة ، يمكن أن نمسك بخيط واحد من خيوط التفسير العلمي لبكاء الاِمام السجاد عليه السلام .
وللكلام بقية تأتي إن شاء الله تعالى في الحلقة الثانية تابعونا والله ولي التوفيق
والحمد لله ربِّ العالمين
والسلام على من إتبع الهدى
والسلام على من إتبع الهدى
تعليق