بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلم
هـيبــة ! ابي عبد الله الصادق عليه السلام
قد تكون الهيبة للرجال العِظام من تلك الكبرياء التي يرتديها المرء نفسه،أو من الذين حوله من خدم وأهل وقبيلة، أو جند ودولة، وهذه الهيبة لا تختصّ بقوم، فإن كلّ من تلبّس بأحد هذه الشؤون اكتسى هذه الهيبة، وهذه الهيبة جديرة بأن تسمّى الهيبة المصطنعة.وصلى الله على نبيه محمد وعلى آله وسلم
هـيبــة ! ابي عبد الله الصادق عليه السلام
وقد تكون للمرء من دون أن يُحاط بجيش وخدم وعشيرة ودولة وإِمرة وكبرياء، تلك الهيبة التي لا تكون باللباس المستعار، بل هي التي يفيضها اللّه تعالى على من يشاء من عباده، تلك الهيبة التي لا يزيلها التواضع وحسن الخُلق والانبساط، تلك التي يلبسها العلم والعمل به، من أراد عِزَّاً بلا عشيرة وهيبةً بلا سلطان، فليخرج من ذلّ معصية اللّه الى عِزّ طاعته، وإِن مَن خاف اللّه أخاف منه كلّ شيء، ومن لم يخف اللّه أخافه من كلّ شيء، وهذه الهيبة جديرة بأن تسمّى الهيبة الذاتيّة.
إِن المنصور كان صاحب تلك الهيبة المصطنعة، ومن أوسع منه مُلكاً، وأكثر جنداً، وأقوى فتكاً ؟ ولكنه كان اذا نظر الى جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام وهو عازم على قتله هابه وانثنى عن عزمه.
يقول المفضّل بن عمر: إِن المنصور قد همّ بقتل أبي عبد اللّه عليه السلام غير مرّةً فكان اذا بعث اليه ودعاه ليقتله فاذا نظر اليه هابه ولم يقتله(1)
ولا تختلف هذه الهيبة لأبي عبد اللّه عليه السلام باختلاف الناس معه فإن كلّ واحد يشعر من نفسه بتلك الهيبة له، سواء الوليّ والعدوّ، والمؤالف والمخالف، فهذا هشام بن الحكم كان جهميّاً قبل أن يقول بالإمامة، ولمّا التقى بالصادق عليه السلام في صحراء الحيرة سكت وأطرق هيبةً وإِجلالاً وهو اللّسن المفوّه، فأحسّ أن هذه الهيبة هي الهيبة التي يجلّل اللّه بها أنبياءه وأوصياءهم عليهم السلام(2).
وهذه الهيبة التي أحسّها هشام يوم كان جهميّاً كان يحسّها يوم كان إِماميّاً وكانت بين هشام وبين عمرو بن عبيد مناظرة في الإمامة، وقد قصد هشام عَمراً الى البصرة، فسأله الإمام عمّا كان بينهما ليحكي له ما كان، فقال هشام: يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إِني أجلّك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك(3).
وهذا ابن أبي العوجاء مع إِلحاده كان أحياناً يحجم عن مناظرة الصادق عليه السلام لتلك الهيبة، فإنه حضر يوماً لمناظرة الصادق ولكنه بعد أن جلس سكت، فقال له الصادق: فما يمنعك من الكلام ؟ قال: إِجلال لك ومهابة، ما ينطق لساني بين يديك، فإني شاهدت العلماء، وناظرت المتكلّمين فما تداخلني هيبة قط مثلما تداخلني من هيبتك(4).
على أن الصادق عليه السلام كان بين أصحابه وجلسائه كواحد منهم لا يتظاهر بالعظمة وحشمة الإمامة، وينبسط لهم بالكلام، ويجلس معهم على المائدة، ويؤنسهم بالحديث، ويحثّهم على زيادة الأكل، لئلا تمنعهم الهيبة من الانبساط على المائدة واكل ما يشتهونه، غير أن تلك الهيبة التي كانت شعاره من الهيبة الذاتيّة التي تمنع العيون من ملاحظته والألسنة من الانطلاق بين يديه ولم يكن محاطاً بخدم ولا حجاب.
______________________________
(1) مناقب ابن شهراشوب: 4/238.
(2) رجال الكشي: ص 166.
(3) الكافي: 1/169/3.
(4) كتاب التوحيد: باب إِثبات حدوث العالم.
المصدر
كتاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام
تأليف العلامة الجليل الشيخ محمد الحسين المظفر
كتاب الإمام جعفر الصادق عليه السلام
تأليف العلامة الجليل الشيخ محمد الحسين المظفر
تعليق