بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الغر الميامين المنتجبين وسلم تسليماً كثيراً
قال تعالى في كتابه العزيز
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْاْ مِنْكُم فِى السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَـاسِئِينَ* فَجَعَلْنَـهَا نَكَـلاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
65 البقرة
ما هو المقصود بالمسخ ؟
المَسْخ : قَلْبُ الشيء و تحويل صورته إلى ما هو أقبح منها.
و لقد مسخ الله عَزَّ و جَلَّ جماعة من البشر إلى حيوانات و حشرات مختلفة ، غير أن الممسوخين لم يبقوا أكثر من ثلاثة أيام ثم ماتوا و لم يتوالدوا ، و الحيوانات التي تُعدُّ اليوم من الممسوخات إنما سُمّيت مُسوُخاً استعارةً ، لكونها على صور أولئك الممسوخين ، و لهذه الحيوانات أحكام خاصة في الشريعة الإسلامية .
العلة من المسخ
رَوَى عَلِيُّ بْن جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ :الْمُسُوخُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ : الْفِيلُ ، وَ الدُّبُّ ، وَ الْأَرْنَبُ ، وَ الْعَقْرَبُ ، وَ الضَّبُّ ، وَ الْعَنْكَبُوتُ ، وَ الدُّعْمُوصُ ، وَ الْجِرِّيُّ ، وَ الْوَطْوَاطُ ، وَ الْقِرْدُ ، وَ الْخِنْزِيرُ ، وَ الزُّهَرَةُ ، وَ سُهَيْلٌ" .
قِيلَ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) مَا كَانَ سَبَبُ مَسْخِ هَؤُلَاءِ ؟
قَالَ : " أَمَّا الْفِيلُ فَكَانَ رَجُلًا جَبَّاراً لُوطِيّاً لَا يَدَعُ رَطْباً وَ لَا يَابِساً ،
وَ أَمَّا الدُّبُّ فَكَانَ رَجُلًا مُؤَنَّثاً يَدْعُو الرِّجَالَ إِلَى نَفْسِهِ ،
وَ أَمَّا الْأَرْنَبُ فَكَانَتِ امْرَأَةً قَذِرَةً لَا تَغْتَسِلُ مِنْ حَيْضٍ وَ لَا جَنَابَةٍ وَ لَا غَيْرِ ذَلِكَ ،
وَ أَمَّا الْعَقْرَبُ فَكَانَ رَجُلًا هَمَّازاً لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ ،
وَ أَمَّا الضَّبُّ فَكَانَ رَجُلًا أَعْرَابِيّاً يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ ،
وَ أَمَّا الْعَنْكَبُوتُ فَكَانَتِ امْرَأَةً سَحَرَتْ زَوْجَهَا ،
وَ أَمَّا الدُّعْمُوصُ (كبرغوث ، و الجمع : دَعاميص و دَعامِص ، دويبة سوداء تغوص في الماء ، و تكون في العذرات ) فَكَانَ رَجُلًا نَمَّاماً يَقْطَعُ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ ،
وَ أَمَّا الْجِرِّيُّ (نوع من السمك يشبه الحيّات (فَكَانَ رَجُلًا دَيُّوثاً يَجْلِبُ الرِّجَالَ عَلَى حَلَائِلِهِ ،
وَ أَمَّا الْوَطْوَاطُ (أي : الخَطّاف أو الخفاش ) فَكَانَ رَجُلًا سَارِقاً يَسْرِقُ الرُّطَبَ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ ،
وَ أَمَّا الْقِرَدَةُ فَالْيَهُودُ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ ،
وَ أَمَّا الْخَنَازِيرُ فَالنَّصَارَى حِينَ سَأَلُوا الْمَائِدَةَ فَكَانُوا بَعْدَ نُزُولِهَا أَشَدَّ مَا كَانُوا تَكْذِيباً ،
وَ أَمَّا سُهَيْلٌ فَكَانَ رَجُلًا عَشَّاراً ( ومعنى العَشّار:مَنْ يَأْخُذُ عَنِ السِّلَعِ مَكْساً ، أَيْ عُشْرَهَا) بِالْيَمَنِ ،
وَ أَمَّا الزُّهَرَةُ فَإِنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً تُسَمَّى نَاهِيدَ وَ هِيَ الَّتِي يَقُولُ النَّاسُ افْتَتَنَ بِهَا هَارُوتُ وَ مَارُوت
والسهيل والزهرة : "قَالَ الصَّدُوقُ ( رحمه الله ) : سُهَيْلٌ وَ الزُّهَرَةُ دَابَّتَانِ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ الْمُطِيفِ بِالدُّنْيَا .
المسخ في القرآن الكريم
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْاْ مِنْكُم فِى السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَـاسِئِينَ* فَجَعَلْنَـهَا نَكَـلاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
65 البقرة
هاتان الآيتان الكريمتان تتحدثان - كالآيات السابقة في سورة البقرة - عن روح العصيان والتمرد المتغلغلة في اليهود، والتصاقهم الشديد بالمسائل المادية.
(ولَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ....
عصاة يوم السبت:
أنّ يوم السبت كان عند اليهود يوماً مقدساً،
و"السبت" في اللغة تعني تعطيل العمل للإستراحة، وما نقرأوه في سورة النبأ (وجعلنا نومكم سباتاً) اشارة - كذلك - إلى هذا الموضوع، وسمّى "يوم السبتِ" بهذا الإسم لأنّ الأعمال العادية والمشاغل كانت تتعطل في هذا اليوم، ثمّ بقي هذا الإِسم لهذا اليوم علماً له.
وكانوا قد كُلّفوا - احتراماً لهذا اليوم بالتفرغ
للعبادة وممارسة البرامج الدينية - والكف - عن الكسب والإِشتغال بالأعمال اليومية،
ولكن سكان ميناء "أيلة" الظاهر أنّه ساحل البحر الأحمر المجاور لفلسطين) في ميناء يسمى بميناء "أيلة" (والذي يسمى الآن بميناء ايلات)
كانت مهنتهم صيد الأسماك يشكّل لدى سكنة ساحل البحر مورد كسبهم وتغذيتهم، وكأنّ الأسماك بسبب تعطيل عملية الصيد في يوم السبت صارت تحس بنوع من الأمن من ناحية الصيادين، فكانت تظهر على سطح الماء أفواجاً أفواجاً، بينما كانت تتوغل بعيداً في البحر في الأيّام الأُخرى التي كان الصيّادون فيها يخرجون للصيد.
فتجاهلوا كلَّ هذه الإِعتبارات والمسائل ليوم السبت ، فعوقبوا معاقبة شديدة جعلت منهم ومن حياتهم المأساوية ومصيرهم المشؤوم درس وعبرة للأجيال اللاحقة.
كما ستبين في تفسير باقي الأية
فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَـاسِئِينَ* فَجَعَلْنَـهَا نَكَـلاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
ملخص الحادثة التي تشير إليها الآيه: «أن الله سبحانه أمر اليهود أن يسبتوا - أي أن يقطعوا أعمالهم - يوم السبت،
وهذا الأمر شمل طبعاً أولئك القاطنين قرب البحر الذين يعيشون على صيد الأسماك، وشاء الله أن يختبر هؤلاء،
فكثرت الأسماك يوم السبت قرب الساحل بينما ندرت في بقية الأيّام.
طفق هؤلاء يتحايلون لصيد الأسماك يوم السبت.
" فعاقبهم الله على عصيانهم ومسخهم على هيئة حيوان».
المسخ نوع من أنواع الإبتلاء الإِلهي المختلفة
أنّ صيد السمك من البحر لسكان السواحل لم يكن مخالفة، ولكن قد ينهي الله جماعة من الناس وبصورة مؤقَّتة، وبهدف الإِختبار والإِمتحان عن مثل هذا العمل، ليرى مدى تفانيهم، ويختبر مدى إخلاصهم، وهذا هو أحد أشكال الإِمتحان الإِلهي.
كيفَ ارتكبوا هذه المعصية؟أو كيفية الأعتداء ؟
وأمّا كيف بدأت هذه الجماعة عملية التجاوز على هذا القانون الإِلهي؟
فقد وقع فيه كلام بين المفسّرين.
ويستفاد من بعض الرّوايات أنّهم عمدوا في البداية إلى ما يسمى بالحيلة الشرعية، فقد أحدثوا أحواضاً إلى جانب البحر، وفتحوا لها أبواباً إلى البحر، فكانوا يفتحون هذه الأبواب في يوم السبت فتقع فيها أسماك كثيرة مع ورود الماء إليها، وعند الغروب حينما كانت الأسماك تريد العودة إلى البحر يوصدون تلك فتحبس الأسماك في تلك الأحواض، ثمّ يعمدون في يوم الأحد إلى صيدها، وأخذها من الأحواض، وكانوا يقولون: إنّ الله أمرنا أن لا نصيد السمك، ونحن لم نصد الأسماك إنّما حاصرناها فقط.
ويقول بعض المفسّرين: إنّهم كانوا يرسلون كلاليبهم وصناراتهم وشباكهم في البحر يوم السبت، ثمّ يسحبونها يوم الأحد وقد علقت بها الأسماك، وهكذا كانوا يصيدون السمك حتى في يوم السبتِ ولكن بصورة ماكرة.
ويظهر من بعض الرّوايات الأُخرى أنّهم كانوا يصيدون السمك يوم السبتِ من دون مبالاة بالنهي الإِلهي، وليس بواسطة أية حيلة.
ولكن من الممكن أن تكون هذه الرّوايات صحيحة بأجمعها وذلك أنّهم في البداية استخدموا ما يسمى بالحيلة الشرعية، وذلك بواسطة حفر أحواض إلى جانب البحر، أو إلقاء الكلاليب والصنارات، ثمّ لما صُغرت هذه المعصية في نظرهم، جرأهم ذلك على كسر احترام يوم السب وحرمته، فأخذوا يصيدون السمك في يوم السبت تدريجاً وعلناً، واكتسبوا من هذا الطريق ثروة كبيرة جداً
وقوله تعالى: فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ
إشارة إلى فورية المسخ الذي تمّ بأمر إلهي واحد.
فَجَعَلْنَاهَا نَكَا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا
أي جعلناها عبرة لتلك الاُمّة ولأمم تليها وَمَوعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ.
ومن المفيد أن ننقل في هذا المجال رواية عن الإِمامين الباقر والصادق(عليهما السلام)في تفسير قوله تعالى فَجَعَلْنَاهَا نَكَا...
قالاعليهما السلام : (لما بين يديها) إِي لِمَا مَعَهَا يُنْظَرُ إِلَيْهَا مِنَ الْقُرَى (في زمان تلك الاُمّة)،
(وما خلفها) نحن (المسلمون) ولنا فيها موعظة.
حكم المُسُوخ في الشريعة الإسلامية:
تؤكد الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) على حرمة أكل لحوم الممسوخات ، و اليك نموذجاً واحداً من هذه الأحاديث :
قال الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) في حديث طويل : " …
و حرّم اللهُ عَزَّ و جَلَّ و رَسُولُه ( صلَّى الله عليه و آله ) المُسُوخَ جميعها " .
علة تحريم أكل المُسُوخ :
رُوِي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) في حديث طويل أنه قال : " .
إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مَسَخَ قَوْماً فِي صُوَرٍ شَتَّى ، شِبْهِ الْخِنْزِيرِ ، وَ الْقِرْدِ ، وَ الدُّبِّ ، وَ مَا كَانَ مِنَ الْمُسُوخِ ، ثُمَّ نَهَى عَنْ أَكْلِهِ لِلْمَثُلَةِ ، لِكَيْلَا يَنْتَفِعَ النَّاسُ بِهَا وَ لَا يُسْتَخَفَّ بِعُقُوبَتِهَا."
والحمد لله ربِّ العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
والحمد لله ربِّ العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الغر الميامين المنتجبين وسلم تسليماً كثيراً
قال تعالى في كتابه العزيز
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْاْ مِنْكُم فِى السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَـاسِئِينَ* فَجَعَلْنَـهَا نَكَـلاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
65 البقرة
ما هو المقصود بالمسخ ؟
المَسْخ : قَلْبُ الشيء و تحويل صورته إلى ما هو أقبح منها.
و لقد مسخ الله عَزَّ و جَلَّ جماعة من البشر إلى حيوانات و حشرات مختلفة ، غير أن الممسوخين لم يبقوا أكثر من ثلاثة أيام ثم ماتوا و لم يتوالدوا ، و الحيوانات التي تُعدُّ اليوم من الممسوخات إنما سُمّيت مُسوُخاً استعارةً ، لكونها على صور أولئك الممسوخين ، و لهذه الحيوانات أحكام خاصة في الشريعة الإسلامية .
العلة من المسخ
رَوَى عَلِيُّ بْن جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ :الْمُسُوخُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ : الْفِيلُ ، وَ الدُّبُّ ، وَ الْأَرْنَبُ ، وَ الْعَقْرَبُ ، وَ الضَّبُّ ، وَ الْعَنْكَبُوتُ ، وَ الدُّعْمُوصُ ، وَ الْجِرِّيُّ ، وَ الْوَطْوَاطُ ، وَ الْقِرْدُ ، وَ الْخِنْزِيرُ ، وَ الزُّهَرَةُ ، وَ سُهَيْلٌ" .
قِيلَ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) مَا كَانَ سَبَبُ مَسْخِ هَؤُلَاءِ ؟
قَالَ : " أَمَّا الْفِيلُ فَكَانَ رَجُلًا جَبَّاراً لُوطِيّاً لَا يَدَعُ رَطْباً وَ لَا يَابِساً ،
وَ أَمَّا الدُّبُّ فَكَانَ رَجُلًا مُؤَنَّثاً يَدْعُو الرِّجَالَ إِلَى نَفْسِهِ ،
وَ أَمَّا الْأَرْنَبُ فَكَانَتِ امْرَأَةً قَذِرَةً لَا تَغْتَسِلُ مِنْ حَيْضٍ وَ لَا جَنَابَةٍ وَ لَا غَيْرِ ذَلِكَ ،
وَ أَمَّا الْعَقْرَبُ فَكَانَ رَجُلًا هَمَّازاً لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ ،
وَ أَمَّا الضَّبُّ فَكَانَ رَجُلًا أَعْرَابِيّاً يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ ،
وَ أَمَّا الْعَنْكَبُوتُ فَكَانَتِ امْرَأَةً سَحَرَتْ زَوْجَهَا ،
وَ أَمَّا الدُّعْمُوصُ (كبرغوث ، و الجمع : دَعاميص و دَعامِص ، دويبة سوداء تغوص في الماء ، و تكون في العذرات ) فَكَانَ رَجُلًا نَمَّاماً يَقْطَعُ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ ،
وَ أَمَّا الْجِرِّيُّ (نوع من السمك يشبه الحيّات (فَكَانَ رَجُلًا دَيُّوثاً يَجْلِبُ الرِّجَالَ عَلَى حَلَائِلِهِ ،
وَ أَمَّا الْوَطْوَاطُ (أي : الخَطّاف أو الخفاش ) فَكَانَ رَجُلًا سَارِقاً يَسْرِقُ الرُّطَبَ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ ،
وَ أَمَّا الْقِرَدَةُ فَالْيَهُودُ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ ،
وَ أَمَّا الْخَنَازِيرُ فَالنَّصَارَى حِينَ سَأَلُوا الْمَائِدَةَ فَكَانُوا بَعْدَ نُزُولِهَا أَشَدَّ مَا كَانُوا تَكْذِيباً ،
وَ أَمَّا سُهَيْلٌ فَكَانَ رَجُلًا عَشَّاراً ( ومعنى العَشّار:مَنْ يَأْخُذُ عَنِ السِّلَعِ مَكْساً ، أَيْ عُشْرَهَا) بِالْيَمَنِ ،
وَ أَمَّا الزُّهَرَةُ فَإِنَّهَا كَانَتِ امْرَأَةً تُسَمَّى نَاهِيدَ وَ هِيَ الَّتِي يَقُولُ النَّاسُ افْتَتَنَ بِهَا هَارُوتُ وَ مَارُوت
والسهيل والزهرة : "قَالَ الصَّدُوقُ ( رحمه الله ) : سُهَيْلٌ وَ الزُّهَرَةُ دَابَّتَانِ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ الْمُطِيفِ بِالدُّنْيَا .
المسخ في القرآن الكريم
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْاْ مِنْكُم فِى السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَـاسِئِينَ* فَجَعَلْنَـهَا نَكَـلاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
65 البقرة
هاتان الآيتان الكريمتان تتحدثان - كالآيات السابقة في سورة البقرة - عن روح العصيان والتمرد المتغلغلة في اليهود، والتصاقهم الشديد بالمسائل المادية.
(ولَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ....
عصاة يوم السبت:
أنّ يوم السبت كان عند اليهود يوماً مقدساً،
و"السبت" في اللغة تعني تعطيل العمل للإستراحة، وما نقرأوه في سورة النبأ (وجعلنا نومكم سباتاً) اشارة - كذلك - إلى هذا الموضوع، وسمّى "يوم السبتِ" بهذا الإسم لأنّ الأعمال العادية والمشاغل كانت تتعطل في هذا اليوم، ثمّ بقي هذا الإِسم لهذا اليوم علماً له.
وكانوا قد كُلّفوا - احتراماً لهذا اليوم بالتفرغ
للعبادة وممارسة البرامج الدينية - والكف - عن الكسب والإِشتغال بالأعمال اليومية،
ولكن سكان ميناء "أيلة" الظاهر أنّه ساحل البحر الأحمر المجاور لفلسطين) في ميناء يسمى بميناء "أيلة" (والذي يسمى الآن بميناء ايلات)
كانت مهنتهم صيد الأسماك يشكّل لدى سكنة ساحل البحر مورد كسبهم وتغذيتهم، وكأنّ الأسماك بسبب تعطيل عملية الصيد في يوم السبت صارت تحس بنوع من الأمن من ناحية الصيادين، فكانت تظهر على سطح الماء أفواجاً أفواجاً، بينما كانت تتوغل بعيداً في البحر في الأيّام الأُخرى التي كان الصيّادون فيها يخرجون للصيد.
فتجاهلوا كلَّ هذه الإِعتبارات والمسائل ليوم السبت ، فعوقبوا معاقبة شديدة جعلت منهم ومن حياتهم المأساوية ومصيرهم المشؤوم درس وعبرة للأجيال اللاحقة.
كما ستبين في تفسير باقي الأية
فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَـاسِئِينَ* فَجَعَلْنَـهَا نَكَـلاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
ملخص الحادثة التي تشير إليها الآيه: «أن الله سبحانه أمر اليهود أن يسبتوا - أي أن يقطعوا أعمالهم - يوم السبت،
وهذا الأمر شمل طبعاً أولئك القاطنين قرب البحر الذين يعيشون على صيد الأسماك، وشاء الله أن يختبر هؤلاء،
فكثرت الأسماك يوم السبت قرب الساحل بينما ندرت في بقية الأيّام.
طفق هؤلاء يتحايلون لصيد الأسماك يوم السبت.
" فعاقبهم الله على عصيانهم ومسخهم على هيئة حيوان».
المسخ نوع من أنواع الإبتلاء الإِلهي المختلفة
أنّ صيد السمك من البحر لسكان السواحل لم يكن مخالفة، ولكن قد ينهي الله جماعة من الناس وبصورة مؤقَّتة، وبهدف الإِختبار والإِمتحان عن مثل هذا العمل، ليرى مدى تفانيهم، ويختبر مدى إخلاصهم، وهذا هو أحد أشكال الإِمتحان الإِلهي.
كيفَ ارتكبوا هذه المعصية؟أو كيفية الأعتداء ؟
وأمّا كيف بدأت هذه الجماعة عملية التجاوز على هذا القانون الإِلهي؟
فقد وقع فيه كلام بين المفسّرين.
ويستفاد من بعض الرّوايات أنّهم عمدوا في البداية إلى ما يسمى بالحيلة الشرعية، فقد أحدثوا أحواضاً إلى جانب البحر، وفتحوا لها أبواباً إلى البحر، فكانوا يفتحون هذه الأبواب في يوم السبت فتقع فيها أسماك كثيرة مع ورود الماء إليها، وعند الغروب حينما كانت الأسماك تريد العودة إلى البحر يوصدون تلك فتحبس الأسماك في تلك الأحواض، ثمّ يعمدون في يوم الأحد إلى صيدها، وأخذها من الأحواض، وكانوا يقولون: إنّ الله أمرنا أن لا نصيد السمك، ونحن لم نصد الأسماك إنّما حاصرناها فقط.
ويقول بعض المفسّرين: إنّهم كانوا يرسلون كلاليبهم وصناراتهم وشباكهم في البحر يوم السبت، ثمّ يسحبونها يوم الأحد وقد علقت بها الأسماك، وهكذا كانوا يصيدون السمك حتى في يوم السبتِ ولكن بصورة ماكرة.
ويظهر من بعض الرّوايات الأُخرى أنّهم كانوا يصيدون السمك يوم السبتِ من دون مبالاة بالنهي الإِلهي، وليس بواسطة أية حيلة.
ولكن من الممكن أن تكون هذه الرّوايات صحيحة بأجمعها وذلك أنّهم في البداية استخدموا ما يسمى بالحيلة الشرعية، وذلك بواسطة حفر أحواض إلى جانب البحر، أو إلقاء الكلاليب والصنارات، ثمّ لما صُغرت هذه المعصية في نظرهم، جرأهم ذلك على كسر احترام يوم السب وحرمته، فأخذوا يصيدون السمك في يوم السبت تدريجاً وعلناً، واكتسبوا من هذا الطريق ثروة كبيرة جداً
وقوله تعالى: فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ
إشارة إلى فورية المسخ الذي تمّ بأمر إلهي واحد.
فَجَعَلْنَاهَا نَكَا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا
أي جعلناها عبرة لتلك الاُمّة ولأمم تليها وَمَوعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ.
ومن المفيد أن ننقل في هذا المجال رواية عن الإِمامين الباقر والصادق(عليهما السلام)في تفسير قوله تعالى فَجَعَلْنَاهَا نَكَا...
قالاعليهما السلام : (لما بين يديها) إِي لِمَا مَعَهَا يُنْظَرُ إِلَيْهَا مِنَ الْقُرَى (في زمان تلك الاُمّة)،
(وما خلفها) نحن (المسلمون) ولنا فيها موعظة.
حكم المُسُوخ في الشريعة الإسلامية:
تؤكد الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) على حرمة أكل لحوم الممسوخات ، و اليك نموذجاً واحداً من هذه الأحاديث :
قال الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) في حديث طويل : " …
و حرّم اللهُ عَزَّ و جَلَّ و رَسُولُه ( صلَّى الله عليه و آله ) المُسُوخَ جميعها " .
علة تحريم أكل المُسُوخ :
رُوِي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) في حديث طويل أنه قال : " .
إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مَسَخَ قَوْماً فِي صُوَرٍ شَتَّى ، شِبْهِ الْخِنْزِيرِ ، وَ الْقِرْدِ ، وَ الدُّبِّ ، وَ مَا كَانَ مِنَ الْمُسُوخِ ، ثُمَّ نَهَى عَنْ أَكْلِهِ لِلْمَثُلَةِ ، لِكَيْلَا يَنْتَفِعَ النَّاسُ بِهَا وَ لَا يُسْتَخَفَّ بِعُقُوبَتِهَا."
والحمد لله ربِّ العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
تعليق