درجات التوكل

[السيد سعد الموسوي]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على صاحب الوسيلة والشفاعة والدرجة الرفيعة ابي القاسم محمد ،وعلى الة الطاهرين وأصحابه المنتجبين ورحمة الله وبركاته .
درجات التوكل : من المعلوم ان للتوكل من ناحية الضعف والقوة هن ثلاث درجات :
الدرجة الاولى : ان يكون حال المكلف في حق الله والثقة المطلقة بعنايته وكفالته كحال ثقته بالوكيل ، وهذه من اضعف الدرجات ، وكثرة وقوعها وتدوم مدة مديدة ،ولاتنافي في اصل التدبير والاختيار بل ربما تزول كثيرا بعض التدبيرات بسعيه واختياره . بل ينافي بعض التدبيرات ، كالذي يتوكل على وكيله في الخصومة ،فانه قد يترك تدبيره من غير جهة الوكيل ، ولاكنه لايترك الذي أشار اليه وكيله ، ولا التدابير التي عرفها من عادته وسنته دون تصريح الاشارة .
الدرجة الثانية : ان تكون حالته مع الله كحالة الطفل مع امه ،فهو لايعرف غيرها ، ولايفزع الا لها ،ولايعتمد الا عليها . فان رأها في كل حال تعلق بأذيالها ،واذا ورد عليه امر في غيابها كان اول سابق لسانه يا أماه .والفرق بين هذه الدرجة وسابقتها ، ان هذا متوكل لقد فنى بموكله عن توكله ، أي انه غير ملتفت قلبه الى التوكيل ، بل ان التفاته الى المتوكل عليه فقط ، فليس له مجال في قلبه لغير المتوكل عليه . فاما الاول توكل بالكسب والتكلف ،وهو ليس فانيا عن توكله ، فله الالتفات الى توكله ولان ذلك شغل صارف عن ملاحظة المتوكل عليه وحده . وهذه الدرجة اقل من سابقتها وقوعا ودواما ،بل حصوله انما للخواص ، واما غاية دوامه يوما اويومين لااكثر، وهو ينافي التدبيرات ،الا التدبير الى الفزع الى الله عزوجل بالدعاء والابتهال ، كتدبر الطفل للتعلق بأمه فقط .
الدرجة الثالثة : وهي من اعلى الدرجات ، ان يكون العبد بين يدي الله في كل حركاته وسكناته كالميت بين يدي المغسل ، بان يرى نفسه كالميت ، ويتحرك بالقدرة الازلية كما يحرك الغاسل ميته ، وهذا هو الذي قويت نفسه ،ونال الدرجة الثالثة من التوحيد . واما الفرق بينه وبين الدرجة الثانية ، ان الثاني لايترك دعائه وتضرعه كما ان فزع الصبي الى أمه ،ويصرخ ويتعلق بذيلها ، ويعدو خلفها ، وربما هذا يترك الدعاء والسؤال ثقة بكرمه وعنايته ، فهذا مثال الصبي الذي اذا علم ان لم يرض بامه فالام تطلبه ،واذا لم يتعلق بذيلها فهي ممكن تحمله ،واذا لم يسأل عن اللبن فهي تسقيه .ومن هذا القسم حيث توكل نبي الله ابراهيم عليه السلام عندما وضعوه في المنجنيق ليرمى بها الى النار ،واشار اليه روح الامين بالنجاة والاستخلاص من المولى جل جلاله ،فقال : ( حسبي من سؤالي علمه بحالي ) وهذا النوع نادر الوقوع ،عزيز الوجود،فهي مرتبة الصديقين ، وقول الامام الكاظم عليه السلام ،عن قوله عز وجل .( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) : (في التوكل على الله درجات ،فمنها التوكل على الله في كل الامورباجمعها ،اللهم اجعلنا من المتوكلين عليك يارب العالمين في كل امورنا في هذه الدنيا انك سميع مجيب ،والحمد لله رب العالمين .