بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين واللعن الدائم على أعدائهم أعداء الدين
لقد أراد الله سبحانه وتعالى للرسالة الإسلامية الاستمرار والبقاء لكونها أعظم الرسالات وأفضلها ، وخشية تعرضها لتحريف وتغيير وضياع برزت أهمية الإمامة لكي تحقق هذا الغرض بعد أن ختمت النبوّات السابقة بنبوة نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
فالإمام هو المؤتم به والمقتدى والمتبع سواء أكان عادلا أم غير عادل
قال الراغب الأصفهاني في مفردات غريب القران : (والامام المؤتم به إنسانا كأن يقتدى بقوله أو فعله، أو كتابا أو غير ذلك محقا كان أو مبطلا وجمعه أئمة )
وفي الصحاح للجوهري قال : (والإمامُ: الذي يُقْتَدى به، وجمعه أَيِمةُ )
أما في الاصطلاح فقد أتفق المسلمون على المبدأ العام لمفهوم الإمامة : من أن الإمامة رئاسة وقيادة عامة للمجتمع الإسلامي ولكنهم اختلفوا في حدوده وشؤونه قال أبن ميثم البحراني في النجاة من القيامة في تحقيق الإمامة : ( الإمامة : رئاسة عامة لشخص من الناس في أمور الدين والدنيا )
وقال المحقق الحلي في المسلك في أصول الدين : ( الإمامة رئاسة عامة لشخص من الأشخاص بحقّ الأصل لا نيابة عن غير هو في دار التكليف )
وقال التفتازاني في شرح المقاصد : (والإمامة رياسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي عليه الصلاة والسلام )
وقد أختلف أهل السنة مع الشيعة في المراد والمقصود من الإمامة .
الإمامة عند الشيعة /
ذهب الشيعة إلى أن الإمامة رئاسة وقيادة عامة للمجتمع أي على حد قيادة ورئاسة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الفوارق بين النبوة والإمامة وهي أن الوحي والارتباط المباشر بالسماء قد أنقطع برحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا بد في تعيين الإمام من تدخل السماء لعجز الأمة عن إدراك المواصفات اللازم توفرها في النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام ، ولذا ورد في القران الكريم بيان هذه الحقيقة وهي أن الإمامة اصطفاء من الله تعالى وعهد إلهي ، والاصطفاء بمعناه اللغوي والعرفي هو الاختيار والاجتباء
قال الفراهيدي في كتاب العين : ( الصَّفْوُ نقيض الكَدَرِ، وصَفْوَةُ كُلِّ شيءٍ خالصُه وخَيرُه )
وقال الراغب الأصفهاني في مفردات غريب القران : (والاصطفاء تناول صفو الشئ كما أن الاختيار تناول خيره والاجتباء تناول جبايته واصطفاء الله بعض عباده قد يكون بإيجاده تعالى إياه صافيا عن الشوب الموجود في غيره وقد يكون باختياره وبحكمه وإن لم يتعر ذلك من الأول، قال تعالى: (الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس ) ... واصطفيت كذا على كذا أي اخترت )
وقال ابن تيمية في منهاج السنة : (- وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَكَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ - أَنَّ اللَّهَ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ )
فالإمامة بمفهوم الشيعة لا يمكن أن تكون بمعزل عن الاصطفاء والاختيار الإلهي لمن يتولون هذه المهمة وهم الأئمة عليهم السلام
ومن الأدلة على اصطفاء أهل البيت عليهم السلام
1- قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) )
اخرج البخاري في صحيحه ( {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ [ص:164] عَلَى العَالَمِينَ} [آل عمران: 33]- إِلَى قَوْلِهِ - {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [البقرة: 212] " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " وَآلُ عِمْرَانَ المُؤْمِنُونَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَآلِ يَاسِينَ، وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [آل عمران: 68] وَهُمُ المُؤْمِنُونَ )
2- قوله تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) )
أخرج مسلم في صحيحه (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ - قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: " {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] " )
وبسبب هذه الخصوصية التي حباهم الله بها نجد ابن تيمية يقول بأفضليتهم عليهم السلام ( وَأَفْضَلُ أَهْلِ بَيْتِهِ عَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ الَّذِينَ أَدَارَ عَلَيْهِمْ الْكِسَاءَ وَخَصَّهُمْ بِالدُّعَاءِ )
3- قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) )
جاء في تفسير الثعلبي ( حدثنا مندل بن علي عن إسماعيل بن سلمان عن أبي عمر زاذان عن ابن الحنيفة وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ قال: هو علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) )
تعليق