بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
الفرع الثاني
موقف غير المسلمين من العدل والمساواةلم يَرُقْ للذين تربعت الدنيا بزخرفها على قلوبهم، وقد تشبثوا بالوسائط المادية، أن يذعنوا للإسلام، وهو ينادي بأن الناس سواسية كأسنان المشط، وأنهم كلهم متساوون في الحقوق السياسية وغيرها، ولا فرق بين غني وفقير، ولا وجيه وصعلوك، ولا حاكم ومحكوم، كيف وهم الأغنياء أصحاب الحسب والجاه والسلطان، يرون أنفسهم سادة فوق الناس، ويتفاخرون بآبائهم وأجدادهم؟! فقد جاء الإسلام ليحطم كل هذه النعرات، ويذيب الفوارق، فالله سبحانه وتعالى يضع الأنساب يوم القيامة، ولا يرفع إلا من انتسب إليه: } فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ والرسول r يبين أن التكبر والتفاخر بالأنساب يوصل صاحبه إلى النار، فقال: " أَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى: أَنَّ هَذَيْنِ المُنْتَسِبَيْنِ، أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا المُنْتَمِي، أَو المُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ، فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا المُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الجَنَّةِ، فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الجَنَّةِ وها هو r يحذر من أمور الجاهلية، فيقول: " أَرْبَع فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنجوم، وَالنِّيَاحَةُ وقد ترجم النبي r المساواة منذ إشراقة الدعوة الإسلامية، حيث كان يجمع في مجلسه الأغنياء، كأبي بـكر، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، والفقـراء،كبلال، وصهيب رضي الله عنهما، فأبى مشركو قريش أن يجتمعوا والضعفاء في مجلس واحد، وقالوا لرسول الله r: نريد أن تجعل لنا منا مجلساً تعرف لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك، فنستحي أن ترانا مع هؤلاء الأعبد، فإذا نحن جئناك، فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا، فاقعد معهم إن شئت، فنزل قوله تعالى: } وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ والأمم قبل الإسلام كانت تعرف معنى العدل والظلم، ولكنها ما كانت تعرف حدود كـل منهما، فكانت تلك الحدود متداخلة، شأنها في ذلك شأن أكثر المعاني المجردة إذ ذاك، فإذا نظرنا إلى الشعب اليوناني نراه قد فَرَّق بين من ينتسب إلى أصل يوناني، وبين من لم يَمُتَّ إليه بسبب، فجعل للأولين جميع الحقوق الوطنية، وخولهم حق السيادة على الآخرين؛ وجاراه في ذلك الشعب الروماني مضيفاً إلى ذلك شيئاً من الغلو، فلم يفرق بين من هو من أصل روماني وبين غيره فحسب، بل فرق بين الخاصة والعامة أيضاً، فجعل للأولين الزعامة والقيادة والحماية، وفرض على الآخرين الخضوع والانقياد والطاعة واليهود كانوا ولا يزالون يعتقدون أنهم شعب الله المختار، وأنهم أبناء الله وأحباؤه، وهم الذين قالوا عن طالوت القائد المختار من الله: } أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ يعني أنه ليس من نسل الملوك، إنما هو من سبط وضيع ليس أهلاً للقيادة.والعرب في الجاهلية كانوا يتألفون من طبقتين: الطبقة العليا، وتضم الملوك والأشراف يتربعون على العرش، ويحكمون وفـق هواهم، والطبقة الدنيـا، وتضمالعبيد والإماء والرعاة والخدم وغيرهم والأمم الديمقراطية التي تدعي أن العالم الإنساني مدين لها بمبادئ العدل والمساواة، لا تزال تسير في سياستها بما يخالف هذا المبدأ، وإن طبقته وأرست معالمه في حياتها، إلا أن نظرتها تظل قاصرة تنبع من عقل دنيوي.من خلال هذا، وتتبع موقف غير المسلمين من العدل والمساواة، ونظرة الإسلام إلى هذه القضية يشعر الإنسان بسمو مبادئ الإسلام، وهي تدعو إلى العدل والمساواة بين الناس قاطبة، في الوقت الذي يرى دعوة الطواغيت إلى الفرقة والاختلاف والتشرذم. والحمد لله
منقول ...
تعليق