بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
البائع
كعادته اليومية أقبل أحمد وفوق رأسه طبق من الكعك لأشتر واحدة .. يسكن في الحي المجاور .. خطوط من الشعر تحدد بداية شاربه والحيه . اللهم صل على محمد وال محمد
البائع
وعلمت منه أنه يعمل من أجل أبيه وأمه وأخته التوأم . قررت شراء أربع كعكات لمساعدته وتشجيعه على العمل .. لعل والده مصاب بعاهة جسدية والا كيف سمح له أن يعمل من أجلهم ؟
أنه لطيف ونظيف لكنه مسكين .. عرضت عليه العمل في أحدى المحلات التي سوف يكتمل بناؤها وكما هو توقعي وافق على العمل ولكن بشرط موافقة والدته .. لم أسأله عن استشارة والده ، لعله مصاب بالجنون .. وافقت والدته والتي وصفها أحمد أنها متعبة من الناحية النفسية .
وبعد ثلاثة أشهر تحول بائع الكعك أحمد الى العمل في السوق ، يعمل بنشاط وجد واخلاص ويحافظ على
مواعيده وادعى أن والده يعلمه ذلك بل ويعلمه كيف يحترم لزبائن .. حقاً أن أباه رجل عظيم .
عمل معي حتى اكمال المرحلة الثانوية فما رأيت فيه الا الوفاء والأخلاص في العمل ، وكنت أساعده علاوة على راتبه بمبلغ من المال بحجة مكافأة شهرية أو هدية الى العائلة .. كنت أفكر بما يفكر به أحمد وأشعر بمعاناته من أجل الأسرة التي من باب أولى أن يكون والده المسؤول الأول عنها .. ولا أعرف هل والده مجنون ؟ أم مصاب بعاهة جسدية ؟ أم الأثنان معاً ؟؟. ذات يوم رأيته سارح الفكر والأبتسامة ترسم جمالا في وجهه يتأمل في لوحة زيتية داخل المحل لفتاة وشاب يركضان بين الزهور قرب نهر صغير ، قطعت سلسلة أفكاره بالقول :
أحمد .. لدى طلب يابني !!.
بل كلامك أمر علي .
هلٍ ترغب بالزواج من ابنتي ؟.
متمتما بلسان متعلثم من صعوبة الجواب ..
لم أرفض لك طلباً منذ ما عرفتك .. لقد ..
قاطعت كلامه بعبارة لطيفة ..
كذلك لا ترفض يابني وكما يقول المصريون (أخطب لأبنتك ...) كما أن نبي الله شعيب عليه السلام خطب لأبنته من موسى عليه السلام ... هيا اذهب وهيئ أهلك لزيارتنا عصر غد .
ذهب أحمد والخجل يعلو جبينه ، وخطواته بطيئة مصطفة كنأنه يعلم أن نظراتي تلاحقه ، وقفت جنب صاحب المحل المجاور (أبو محمد) لأعبر عن مدى اعجابي بأحمد وأخبرته أني أكرمت أبنتي لأحمد ، فابدى (أبو محمد) صاحب المحل اعجابهأيضاً ثم قال لي :
اكرمك الله كل الخير لهذه الخطوة العظيمة .. عاش يتيماً منذ ولادته وكافح من أجل أمه الوحيدة .
أومات برأسي أو افقه كلامه وفي داخلي دهشة كبيرة .. هل قوله صحيح ؟.. ربما .. فابنه محمد يجلس مع أحمد أحياناً . فسألته أن كان يعلم عن أخته فاجاب :
الذي أعرفه أن أخته التوأم أخذتها خالتها منذ الولادة وماتت هناك .
عدت الى المحل ودوار في رأسي وهاجس يناديني أن أحمد خدعك وكسب بمكره عملا ومالا .. ترى هل أحمد كاذب ؟ هل أحمد ..؟ لا أدري طوال ذلك اليوم لم يفارقني خيال أحمد كيف يضحك علي ؟ لعلها أطول ليلة مرت أنتظر نهايتها .. وفي
الصباح كانت معرفةالحقيقة أقرب الى نفسي من وجبة الفطور .. ارتديت ملابسي وخرجت الى السوق .. وفي الموعد المحدد جاء أحمد والأبتسامة تعلو جبينه ألقى التحية فسألته بتذمر وأصابعي متشابكتان :
هل صحيح والدك فارق الحياة وأنت في عالم البطون ؟.
نعم
شعرت أن هذه الكلمة اهانة لي وقدرة على خداعي
وهل أختك التوأم أخذتها خالتك وماتت عندها ؟
أدار رأسه يساراً ثم الى الأرض :
نعم
ازداد غضبي عليه فصرخت به :
تسكن مع امك فقط ؟.
أخذته العبرة والم يجب ولكن إيماءة رأسه تعني . نعم . فتصاعد غضبي وخرجت كلماتي دون توقف:
خدعتني طيلة هذه المدة ونجحت بمكرك التوغل الى مشاعري لتمثل دورالمسكين الذي يحتاج الى العطف والمساعدة , انكشف غطاؤك وانتهى حبل كذبك الذي تعلمته من الشارع , غرب وجهك عني
ولا أريد رؤيتك داخل المحل .
همهم بشفتيك للدفاع عن خسه تصرفاته فصرخت به :
اخرس ولا أريد حماقة جديدة أتها الكذاب الوقع .. قل لي لماذا كذبت علي ؟
تنفس الصعداء معلنا أنها فرصة للدفاع عن خديعته :
يا عم .. عشت سنوات حياتي ولم أو أر سعادة والدتي الأ في الغترة التي عملت بها معك ، واذا كانت عدم رؤيتي تسعدك فلن تراني بعد اليوم ، وأن أبي علمني أن لا أكذب .
أبوك مرة ثانية ؟
نعم ياعم .. ثانية وثالثة ورابعة .. أنه أبي ومثلي الأعلى .
كفكف دموعه التي تزداد شيئاً فشيئاً ، وتابع حديثه :
أختي التوأم تبنتها خالتي التي لا تنجب وماتت هي الأخرى معها في المكان الذي كانت تشعر فيه بالأمان .. المكان الذي تسمع به أصوات الأنفجارات كأنها من مذياع .. ماتت أختي مع خالتي في ملجأ العامرية .. غسلتهما دماء الشهادة بصواريخ مصاصي دماء الأنسانية أمريكا واذيالها .. أما أبي .. أبي شهيد .. يا عم أجرة عملي ومكافأتك لي كنت أقسمها الى أربع حصص .. حصتان أمي وأنا .. وحصتان أتصدق بهما لأبي وأختي ، يا عم .. الشهادة مدرسة وكلما فكرت بأبي الشهيد أتعلم الكثير الكثير .. يا عم .. لم يستطيع الكلام فالبكاء غلب عليه ، فقتلني لومي .. آه كم كنت متسرعاً في حكمي عليه .. آه لو تريثت قليلاً .. آه .. هلا كنت صبوراً مثله .. أجبرتني أقدامي التقدم نحوه وأمتدت ذراعي لتطوق رقبته .. وهمست في أذنه اليسرى ودموعي تسبق حديثي :
أبق هنا .. سأذهب الى البيت لأهييء الجو المناسب لأستقبال أختي المجاهدة والدتك .
تعليق