كان صوتك سيدتي ... الهام توبتي
حيدر عاشور
نبعت من ذاتي المتفاعلة مع من حولها ،ونبعت من علاقتي بالأشياء المحيطة بي، والتي تملأ عالمي..علاقة بالمجهول والغيبي، الذي يملأ فؤادي رغبا ورهبا، فحملتني مسؤولية البحث،واستطلاع الغيبيات،وكان صدى صوتها يحملني الخوف والهلع وينمو في داخلي الجزع،وكشف أعظم آيات حدسي،وأمارات فطرته.
كنت اسمع ولا أجيب، واقرأ، ولا أطبق،واعلم وأتجاهل الأمور... كنت أشارك في العزاء ناقدا للغيبيات والكرامات واستهجن كل ما لا يقبله عقلي المتفوق الجسور،بطل المأزق الدنيوية،وأمعنت بأزليات التنبؤ واقتحام عليم لكل أحداث ثورة اعتنقت السماء أرواح أبطالها وافترشت الأرض سوادها حزنا أزليا ...معتقدا ومصرا إن الإنسان ذلك الحرم الصغير الذي انطوى فيه العالم الكبير ،هو مجلى مشيئة الله ومظهر عظمته واقتداره لا غير،واعترف ضمنا بلا نهاية الإنسان ،لان الله سبحانه لا ينتهي .
ويعود نداء صوتها لا يفتأ يتردد أن واصل السير والبحث في هذه الأرض، وهذا الوجود،وهذه الحياة.. فتلبسني وزاملني اليأس وعانقتني الفجائع وبدأ يلازمني الرجاء ليلا ونهارا من الصوت الذي أذهل عقلي، وكان فهما جديدا لوجودي،وكان يمنحني سلطان لمخيلتي، وفي نفس الوقت يمنحني سلطان عليه..ولكي احصل على حاجتي من شيء ما..عليّ أن أعطي ما يساوي قيمته من شيء أخر. فكانت خطواتي الأولى في اتجاه الصوت،وهو جزع في المشاركة في عزاء عاشوراء .
فكانت سنتي في محرم مختلفة عن أعوامي السابقات لم اعد أتفحص وانتقد بل بدأت ابحث وانتحب.. أين ذلك الصوت الذي هب عليّ بصورة أعاصير، وتجري حولي وحوش مفترسة،حملني مسؤولية مقاومتها ..عليّ أن أضع يدي بيد الله وانذر نفسي لحقيقة روحية سامية..فكانت مشاركتي مختلفة عما سبقها،لست بخائف، ولا متردد وأنا اهتف: (حيدر،حيدر،حيدر) واضرب بيدي هامتي أمام ضريحه مكررا هتافي: (حسين حسين ، حسين) فكان دمي يهطل طوفانا يقضي على كل ما عملته يدأي في سنين ظلمي.فأصبحت روحي كالمطر غيثا يرطب صحراءه اللاهبة ويسقي أرضه المجدية .فاغتسل قلبي بيقن حب ليس له حدود وعقيدة لا تبرح فكري... وهدأ الصوت في راسي،وأنا استفيق كل ليلة على اسم سيدتي فاطمة البتول فأيقنت أن الصوت ،صوت هدايتها ..فوقفت أمام محراب سيد الشهداء اقرأ لها الفاتحة جزعا خاضعا،وإذا برجل يكرمني بقليل من العطر ويدعونني لزيارة أم البنين ،فهي ملاذ الخائفين،وهو يسير يهمس همسه الطيب إنها مع من يزور الحسين (عليه السلام) ..فزر حسينا بالإنابة عنها ستزيل عنك الفجائع ..ومن يومي كل ما الم بي الزمان بالغدر أزر حسينا بالإنابة عن مولاتي أم البنين،فيغيب وجعي ويزول همي.هكذا أصبحت في كنف حبها فتحول بؤسي إلى عظمه ورذائلي إلى فضائل وانحطاطي إلى رفعة وعجزي إلى قوة .
تعليق