وقفة حول تصور الضلال في النبي الأعظم صلى الله عليه وآله..
حينما نصل إلى الآية الكريمة في سورة الضحى ((ووجدك ضالاً فهدى))
نسأل أنفسنا: هل كان النبي ضالاً وقد بعثه الله لإنقاذ البشرية من الضلال؟؟
وكيف يضل النبي وقد خلقه الله من نوره وسبح له قبل الملائكة؟؟
...........................................
في البدء يجب الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وآله هو كخلق الله في فقرهم إلى الخالق؛
بشرٌ مركبٌ فيه نفخة من السماء وقبضة من صفوة الأرض، لكنه تميز بالقداسة والسموِّ في الذات والرقي في المواهب،
ففي آيات السورة المباركة نقرأ تسليته تعالى لنبيه - بعد قولهم له إن الله ودعك وقلاك - كيف كان يتيماً فآواه وعائلاً فأغناه،
ولكن عندما نقرأ((ووجدك ضالاً فهدى)) قد نخطئ في فهم الضلال في النبي ولكننا نتراجع عندما نقرأ في سورة النجم:
((..ماضلَّ صاحبكم وما غوى))؟؟
كيف نخطئ في فهم الضلال في النبي، والضلال ينتهي بظلام القلب والرؤى والأفكار ونحن نقرأ:
((يأيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً الى الله بإذنه وسراجاً منيراً)) الأحزاب/ 45-46
يصفه تعالى بالسراج المنير الذي يكشف الظلام، وفي إحداها نقرأ: (( وجعلنا سراجاً وهاجاً))
فهو ليس فقط ينير الطريق بل يتوهج في ضمير الانسان ويدخل في عمقه حتى أنه يتفاعل مع الفطرة الإنسانية السليمة،
ذلك هو الإشراق الذي يعكس النور الإلهي.
نعم ورد في التفاسير على سبيل الإجمال: وجدك ضالاً أي: عما أنت عليه الآن من النبوة والشريعة،
كنت غافلاً عنهما فهداك إليهما، لم تكن تعلم بأحكام الدين والشريعة، كنت فاقداً للفيض الإلهي قبل وصولك مقام النبوة،
وجدك ضالاً أي: خامل الذكر، منحرفاً ضالاً في شعاب مكة أو ضالاً في طريق رحلته إلى الشام، وقيل غير ذلك،
وهناك تفاسير ضعيفة لاتليق في مقامه الرفيع.
وحينما نتأمل في قراءة حياته صلى الله عليه وآله نراها قد مرت بأدوار عجيبة وحالات استثنائية فريدة
(اليتم، القهر، الفقر، مقاطعة قومه له، الهجرة) حتى قال(ماأوذي نبي بمثل ماأوذيت)
وبعد رحيله عن الدنيا أوذي أضعاف ماأوذي في حياته من أذى قومه لبضعته الزهراء عليها السلام
وجحودهم لوصيه وخليفته من بعده إلى سم ريحانته الحسن عليه السلام
ومن ثم ذبح ريحانته الحسين عليه السلام في ملحمة ليس لها نظير في تاريخ الأنبياء.
نستنتج من ذلك أن حاجة النبي وفقره إلى الله أمر طبيعي، ومنها حاجته إلى تخطيط مسيرته في الحياة
وتحديد موقفه في عالم الرسالات، إنه صاحب مواهب وفطرة سليمة يشعر أنه بحاجة إلى من يضع له الخطة
التي تنسجم مع مواهبه ومشاعره تجاه ربه وتجاه أخيه الإنسان،
كما يحتاج إلى العصمة للتسديد في أداء رسالته وحصانته من الناس والعصمة فيض إلهي،
وكان صلوات الله عليه ينتظر الهداية لتحديد دوره ليباشر بمسؤولياته،
فجاءت الخطة عن طريق الوحي وكان موضوعها (الإسلام).
الإسلام(لا الفكرة والنظرية والأطروحة) إنه الدين والمنهج، إنه الخطة التي تحمل لمسات السماء و نفحات الغيب،
لم يكن نظرية تستبدل مع الزمن بما ينسجم مع المصالح الشخصية وردة الفعل،
بل كان القانون الإلهي الذي يتوازى مع الحق دون تقاطع،
وهنا لايمكن أن نتصور أن النبي الذي كان يعبد الله على دين آبائه كان ضالاً عن دائرة التوحيد،
والحق أنه ماكان ليخرج منها وهو سليل من خطها وابن من بنى دعائمها.
فلابد هنا أن نفهم أن الضلال في الآية ليس ذاك، إنما هو الضلال في معرفة الدور واكتشاف الغيب الذي يمنحه القيمة،
وكان النبي بأمس الحاجة إلى من يحدد له دوره في الحياة، إنه مقتضى التربية الإلهية لمن يجتبى للرسالة
ويكون الناطق عن السماء بصدق، تماماً كما ينتظر الناشئ من يأخذ بيده للسير في دروب الحياة ويضع له الخطة للمستقبل،
وهنا كان النبي الأعظم بعين الله مذ اشتقه من نوره الى أن ولد في شعاب مكة تحيط به رمال الصحراء..
تعليق