لم يكن القرآن الكريم بعيداً عن فنون العربية وآدابها، ومنها الأغراض البلاغية،
فقد نزل بلسان عربي مبين ليحقق الهدف من نزوله في تربية الإنسان وزرع معاني الخير في كل تحركاته ومواقفه.
منها الحذف في القرآن الكريم على مختلف أنواعه فهو ينبه القارئ أوالمستمع كلما مر بموضع من مواضع الحذف
لتتضاعف يقظته، أو يتنبه إن كان غافلاً أو يتجدد نشاطه إن كان خاملاً، فكما أن الرحمن علم القرآن وعلم الإنسان البيان؛فهو يحرص- جل وعلا -على نفعه وإرشاده ويقظته ووعيه من خلال الذكر الحكيم في حركة روحية وذهنية مستمرة.
فكما أن المعلم يحرك أذهان المتعلمين من خلال إشراكهم في البحث عن المعلومة بأنفسهم؛ كي تستقر في أذهانهم
لا بالشكل الذي تلقى المعلومة دون إشراكهم فيها وتفاعلهم مع معطياتها.
وكذا في موضوع الحذف في القرآن؛ فهو يتيح الفرصة للقارئ والمستمع في أن يستنبط بنفسه المحذوف
من خلال التدبر في السياق أو في مثيلات الآية في الكتاب العزيز، فيزيد تلاوته إحساساً ولذة من خلال هذا الإختصار،
ومن أنواعه حذف الجار والمجرور إما تعظيماً كما في حذف لفظ الجلالة،
أو للعلم بالمحذوف أولأغراض بلاغية أخرى تفهم من السياق والتقدير كما سيأتي.
منها - على سبيل المثال لا الحصر- حذف الجار والمجرور في قوله تعالى((إن الذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لايؤمون))البقرة/6
والتقدير: إن الذين كفروا بالله سواء عليهم..
ونحو قوله تعالى((والذين يمسِّكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لانضيع أجر المصلحين))الأعراف/170
والتقدير:أجر المصلحين منهم.
ومنه قوله تعالى(( فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً..)) الفرقان/19
والتقدير: فما تستطيعون صرفاً للعذاب ولانصراً لأنفسكم.
ومنه قوله تعالى((..أبصر به وأسمع..)) الكهف/26
والتقدير: وأسمع به.
ومنه قوله تعالى((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين))الحجر/94
والتقدير: أي بما تؤمر به.
ومنه قوله تعالى((وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم..)) العنكبوت/12
والتقدير: ولنحمل خطاياكم عنكم.
ومنه قوله تعالى((ألم تر الى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل))النساء/44
والتقدير: يشترون الضلالة بالهدى.
ومنه قوله تعالى(( ربكم أعلم بما في نفوسكم أن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا))الإسراء/25
والتقدير: كان للأوابين منكم ، فحذف ليتناول كل أواب سواء أكان منهم أم من غيرهم.
ومنه قوله تعالى((ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً)) الكهف/12
والتقدير: لما لبثوا فيه أي في الكهف فحذف للعلم به.
ومنه قوله تعالى(( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)) محمد/22
والتقدير: إن توليتم عن ديني أو عن كتابي أو عن دعوتي. بحسب التفاسير.
فسبحان الذي قال جميلا ((ومن أحسن من الله قيلا)).
تعليق