تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلِّ اللهُمَّ على خير خلقكَ محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين
من الأدلة النقلية التي يستدل به المخالفون على نظرية عدالة الصحابة هي هذه الآية المباركة قال تعالى : (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )) . وكما وعدتكم أخوتي أخواتي أن أردَّ بعون الله تعالى على كل الآيات التي يستدل بها المخالفون .
يقول المستدل : " قرأت في القرآن الكريم قوله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } ، فعلمت أنّ صحابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هم المعنيّون بها إذ أنّ هذه الآية عليهم نزلت ، وعليهم قرأها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفي صلواتهم تليت ، والخطاب فيها موجّه إليهم ، والأُمّة زمن نزولها لم تكن إلاّ مجموع الصحابة ، فهم { خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }، وهم خير هذه الأُمّة ، وذلك مصداق قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الحديث الصحيح : ( خير القرون قرني ، ثمّ الّذين يلونهم ، ثمّ الّذين يلونهم ) .
فهذه الآية المباركة يستدلون بها لإثبات عدالة الصحابة . فنقول : نحن لا ننكر أن تلك الفترة كانت من خير وأفضل الفترات كيف وفيها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته الكرام ( سلام الله عليهم أجمعين ) ولكن مشكلتنا مع من يقول بعدالة كل من كان في تلك الفترة
ففي مقام الجواب نقول :
أولاً : الاستدلال بهذه الآية لعدالة الصحابة أجمعين موقوف على أنْ تكون الآية خاصة بهم ، والحال أنّ كثيراً من مفسّريهم يقولون بأنّ الآية عامّة لجميع المسلمين . لاحظوا عبارة ابن كثير يقول : والصحيح أنّ هذه الآية عامّة في جميع الأُمّة . فيلزم من ذلك عدالة جميع المسلمين وهو واضح البطلان .
ثانياً : إنّ لفظة ( أُمّة ) هي من الألفاظ التي تستعمل في الجماعة كما تستعمل في المجموع ، بل تستعمل في الفرد ، كقوله تعالى: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) وكقوله تعالى : ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) .
ثالثاً : من المتسالم عليه في النحو أن الجمل بعد النكرات صفات فجملة ( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) صفة لـ ( أُمَّةٍ ) فالخيرية هي للأمة التي صفتها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فلو رأينا أحداً من الصحابة يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف فيقيناً لا تشمله هذه الآية المباركة فلا تكون عدالة جميع الصحابة ثابتة .
فمعاوية ابن أبي سفيان أمر بسب الإمام عليٍّ ( عليه السلام ) وسباب المسلم فسوق ، ففي صحيح مسلم : ( قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال ما منعك أن تسب أبا التراب ؟ فقال أما ذكرت ثلاثا قالهُنَّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليَّ من حمر النعم ...) .
فمن لا يتصف بهذه الصفة لا تشمله هذه الآية المباركة .
ويؤيده قول العلامة السيد علي الميلاني الحسيني ( دام عزه ) ، قوله تعالى: ( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) في ذيل الآية المباركة حكمه حكم الشرط ، أي إنْ كنتم، أي ما دمتم، وهذا شيء واضح يفهمه كلّ عربي يتلو القرآن الكريم ، ونصّ عليه المفسّرون ، لاحظوا كلام القرطبي: ( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) مدحٌ لهذه الأمة ما أقاموا على ذلك واتّصفوا به، فإذا تركوا التغيير - أي تغيير الباطل - وتواطئوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم ، وكان ذلك سبباً لهلاكهم .
رابعاً : إنّ الآية الكريمة قد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أنّ أحد وجوه قراءتها أنّها بلفظ (أئمّة) - جمع إمام - لا (أُمّة) .
فأبطلنا ولله الحمد أول الأدلة التي يستدل بها المخالفون على عدالة جميع الصحابة .
والحمدُ للهِ الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتديَ لولا أنْ هدانا اللهُ ...
تعليق