<بسم الله الرحمن الرحيم>
من عبر القصص
كان السيد أحمد الروحانيّ القمّي خطيبا واعظا يرتقي المنبر, سمعت منه بعض القصص الغنيّة بالمواعظ والعبر, وقد حكى مرةّ فقال: اتّصل بي في أحد الأيّام شخص أعرفه وطلب مني حضور تشييع جنازة أحد المؤمنين, فاعتذرت منه وقلت له: انّني لا أعرف المتوفى – وربما كانت لديه التزامات أخرى كان يراها أهمّ, والا فانّ تشييع المؤمن أمر قد حثّت عليه الروايات كثيرا, ولا يشترط فيه معرفة المتوفى – فقال لي: ولكنّه انسان مؤمن, فأرجو أن تحاول حضور تشييعه وان لم تعرفه.
يقول: فوافقت, ولمّا حضرت التشييع لفت انتباهي شخص من المشيّعين يبكي بكاء مرّا دفعني لأن أسأله: هل أنت ابن المرحوم؟
فقال: لا.
قلت: فمن أقربائه؟
قال: لا.
قلت: اذا فلما هذا البكاء عليه, وما هو السبب.
قال: لذلك قصة سأحدثك عنها بعد انتهاء التشييع.
وبعد انتهاء التشييع قال: كنت رجلا فقيرا ومعيلا وأخجل أن أمد يدي الى أحد, ولم يكن المال الذي أكسبه يكفي لمعيشتي وعائلتي, فقد كنت أستأجر لهم غرفة في مكان متواضع وبأجرة رخيصة, وعندما يطالبني المؤجّر بالزيادة, اضطر لنقل عائلتي الى مكان آخر, وهكذا أغير مكاني كل مدة, فمكثت على هذه الحال أعاني من صعوبة الحياة وضنك العيش حتى اتفق في أحد الأيام أن التقيت بهذا الرجل, ولكن أي لقاء.
صادف أن دخلت احدى المساجد في أحد الأيام لأداء الصلاة, وكانت الجماعة منعقدة والصفوف متراصة ولم اجد مكانا بين الصفوف, فوقفت وحدي خلف آخر صف, واذا بهذا الرجل الذي فرغنا من تشييع جنازته قد جاء- ولم أكن أعرفه قبل ذلك- فوقف بجانبي, وقبل أن يكبر تكبيرة الأحرام أفرغ بعض الأشياء من جيبه ووضعها أمامه- لعلّه كان يلتزم ببعض الآداب من عدم حمل بعض الأشياء أثناء الصلاة- ثم التحق بالجماعة, وفي أثناء الركوع لفت انتباهي أنّ في الأشياء التي وضعها أمامه خاتما من ذهب.
وفجأة بدر الى ذهني فكرة سرقته, مع أني لم أكن قد تجرأت يوما للسرقة قبل ذلك- وكنت في ذلك اليوم أمرّ في أسوأ حالاتي المادّية, حتى أنه لم يكن عندي ما أبتاع به طعاما لعائلتي-.
فبقيت مترددا لحظات أحدث نفسي وتحدثني, وأجذبها وتجذبني, أأسرقه أم لا؟ وأخيرا جذبتني نفسي فطاوعتها على السرقة وبدأت أخطط للأمر وأراقب الرجل, هل هو منتبه للأشياء التي وضعها أمامه, أم هو غارق في الصلاة ليس ملتفتا الى غيرها؟ فرأيته كأنه غارق في صلاته, فقررت أن أسرق الخاتم في حال السجود- لأن المسافة بين موضعي سجودنا لم تكن بعيدة, فكان لا يتطلب مني الأمر سوى أن أضعه في جيبي وأواصل صلاتي لئلا ألفت انتباهه, ثم أغادر بمجرد أن تنتهي الصلاة-.
ولكني لم أجرؤ على القيام بذلك في سجود الركعات الأولى حتى بلغنا السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة وفي تلك اللحظة قررت أخيرا أن أقوم بالمجازفة مهما كلف الأمر.
وفعلا وضعت يدي على الخاتم وسحبته, ثم وضعت يدي على رجلي, الا أنني كنت متوجّسا خيفة من احتمال أن يكون قد شعر بي, فصرت أرقبه باختلاس وريبة, فرأيته وكأنه غير منتبه فضلا عن عدم ابدائه لأي ردة فعل, خصوصا وأننا لازلنا في الصلاة ولكن مع ذلك بدأت دقات قلبي تتسارع وبدأت أفكر كيف أفر بالخاتم اذا انتهت الصلاة.
وبينما الأفكار تصارعني نفذ الى سمعي صوت الأمام قائلا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ولما هممت بالقيام وضع الرجل يده على يدي وقال لي: الخاتم لك ولكن قل لي: لماذا فعلت هذا؟- وعندما سمعته يقول لي: "الخاتم لك" اطمأننت قليلا وهذأ قلبي-. قلت له: صدقني انها المرة الأولى واني لم أسرق قلبها في حياتي قط.
فقال: هذا باد عليك لأن وجهك قد اصفر ويديك ترتعشان وبدنك يرتجف, فأخبرني عن شأنك؟
فقلت له: أنا رجل معيل وقد أضرّ بي الفقر, حتى بلغ بي الحال أن لا أقدر على تأمين قوت أهلي. فقال لي: الخاتم لك خذه ولكن اياك ان تبيعه بثمن بخس فأنا رجل غني وجديد عهد بالزواج وقد اشتريت هذا الخاتم لأقدمه هدية لزوجتي ولكن لا بأس سأشتري لها غيره ولكني أنصحك أول أن لا تفرط به وتعرف قدره لئلا يغشوك. وثانيا اذا أردت بيعه- فحين تذهب الى باتع الذهب ربما ينكر أن يكون هذا الخاتم لك واذا ما حصل هذا ولكي تتخلص من مساءلته قل له: انّ فلانا- وذكر لي اسمه- يعرفني. وكان الأمر كما أخبرني بالفعل, فعندما أعطيته بائع الذهب أخذ ينظر اليه وينظر الي مستغربا ثم قال: من أين اتيت بهذا الخاتم, قلت: هو خاتمي. قال: ليس خاتمك, قلت ان كنت تشتريه فادفع لي ثمنه والا فادفعه لي لكي أنصرف. قال: لا أدفع ثمنه ولا أسلمه لك الا في مركز الشرطة فقلت له: ان فلانا يعرفني ويعرف أن هذا الخاتم لي. ولكنه لم يقتنع وطلب مني أن أحضره لكي يستبين الأمر. وبالفعل حضر الرجل وشهد لي عنده بأنه يعرفني أن الخاتم خاتمي, فأعطاني بائع الذهب حينها ثمنه وكان كثيرا وخلى سبيلي. ولكن هذا الرجل- صاحب الخاتم- لحقني وقال: ماذا ستصنع اذا نفد ثمن الخاتم؟
فلم أحر جوابا. فاقترح علي أن أشتري به بيتا صغيرا في منطقة مناسبة, لكي اسكن في قسم منه وأوجر القسم الآخر لكي يكون لي عائد مستمر ولو قليل من اجارته.
فوافقت, وظل هو يبحث معي حتى وجد لي منزلا بنفسه فاشتريناه وكان كما اقترح. ومرت علي السنوات بعد ذلك وقد خف ثقل الماضي ولم يعد يقلقني ضنك العيش بتلك الصورة فهلاّ يحق لي اذا أن أبكيه من كل قلبي كيف لا وهو الذي ستر علي ولم يحدث أحدا بصنيعه هذا. انظر كيف أن ستر العائبة من قبل هذا الرجل التاجر أخذت بيد انسان كان على شفير السقوط, فربما لو كان هذا الرجل قد صاح به ونهره واذاع به أثناء سرقته الخاتم لسقطة شخصيته وانهارت كرامته ولم يبال بعدها بما سيؤول اليه أمره لسقوطه عن أعين الناس, ولتحول من انسان بسيط الى سارق محترف يضر نفسه والمجتمع.
المصدر: كتاب حلية الصالحين.
من عبر القصص
كان السيد أحمد الروحانيّ القمّي خطيبا واعظا يرتقي المنبر, سمعت منه بعض القصص الغنيّة بالمواعظ والعبر, وقد حكى مرةّ فقال: اتّصل بي في أحد الأيّام شخص أعرفه وطلب مني حضور تشييع جنازة أحد المؤمنين, فاعتذرت منه وقلت له: انّني لا أعرف المتوفى – وربما كانت لديه التزامات أخرى كان يراها أهمّ, والا فانّ تشييع المؤمن أمر قد حثّت عليه الروايات كثيرا, ولا يشترط فيه معرفة المتوفى – فقال لي: ولكنّه انسان مؤمن, فأرجو أن تحاول حضور تشييعه وان لم تعرفه.
يقول: فوافقت, ولمّا حضرت التشييع لفت انتباهي شخص من المشيّعين يبكي بكاء مرّا دفعني لأن أسأله: هل أنت ابن المرحوم؟
فقال: لا.
قلت: فمن أقربائه؟
قال: لا.
قلت: اذا فلما هذا البكاء عليه, وما هو السبب.
قال: لذلك قصة سأحدثك عنها بعد انتهاء التشييع.
وبعد انتهاء التشييع قال: كنت رجلا فقيرا ومعيلا وأخجل أن أمد يدي الى أحد, ولم يكن المال الذي أكسبه يكفي لمعيشتي وعائلتي, فقد كنت أستأجر لهم غرفة في مكان متواضع وبأجرة رخيصة, وعندما يطالبني المؤجّر بالزيادة, اضطر لنقل عائلتي الى مكان آخر, وهكذا أغير مكاني كل مدة, فمكثت على هذه الحال أعاني من صعوبة الحياة وضنك العيش حتى اتفق في أحد الأيام أن التقيت بهذا الرجل, ولكن أي لقاء.
صادف أن دخلت احدى المساجد في أحد الأيام لأداء الصلاة, وكانت الجماعة منعقدة والصفوف متراصة ولم اجد مكانا بين الصفوف, فوقفت وحدي خلف آخر صف, واذا بهذا الرجل الذي فرغنا من تشييع جنازته قد جاء- ولم أكن أعرفه قبل ذلك- فوقف بجانبي, وقبل أن يكبر تكبيرة الأحرام أفرغ بعض الأشياء من جيبه ووضعها أمامه- لعلّه كان يلتزم ببعض الآداب من عدم حمل بعض الأشياء أثناء الصلاة- ثم التحق بالجماعة, وفي أثناء الركوع لفت انتباهي أنّ في الأشياء التي وضعها أمامه خاتما من ذهب.
وفجأة بدر الى ذهني فكرة سرقته, مع أني لم أكن قد تجرأت يوما للسرقة قبل ذلك- وكنت في ذلك اليوم أمرّ في أسوأ حالاتي المادّية, حتى أنه لم يكن عندي ما أبتاع به طعاما لعائلتي-.
فبقيت مترددا لحظات أحدث نفسي وتحدثني, وأجذبها وتجذبني, أأسرقه أم لا؟ وأخيرا جذبتني نفسي فطاوعتها على السرقة وبدأت أخطط للأمر وأراقب الرجل, هل هو منتبه للأشياء التي وضعها أمامه, أم هو غارق في الصلاة ليس ملتفتا الى غيرها؟ فرأيته كأنه غارق في صلاته, فقررت أن أسرق الخاتم في حال السجود- لأن المسافة بين موضعي سجودنا لم تكن بعيدة, فكان لا يتطلب مني الأمر سوى أن أضعه في جيبي وأواصل صلاتي لئلا ألفت انتباهه, ثم أغادر بمجرد أن تنتهي الصلاة-.
ولكني لم أجرؤ على القيام بذلك في سجود الركعات الأولى حتى بلغنا السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة وفي تلك اللحظة قررت أخيرا أن أقوم بالمجازفة مهما كلف الأمر.
وفعلا وضعت يدي على الخاتم وسحبته, ثم وضعت يدي على رجلي, الا أنني كنت متوجّسا خيفة من احتمال أن يكون قد شعر بي, فصرت أرقبه باختلاس وريبة, فرأيته وكأنه غير منتبه فضلا عن عدم ابدائه لأي ردة فعل, خصوصا وأننا لازلنا في الصلاة ولكن مع ذلك بدأت دقات قلبي تتسارع وبدأت أفكر كيف أفر بالخاتم اذا انتهت الصلاة.
وبينما الأفكار تصارعني نفذ الى سمعي صوت الأمام قائلا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ولما هممت بالقيام وضع الرجل يده على يدي وقال لي: الخاتم لك ولكن قل لي: لماذا فعلت هذا؟- وعندما سمعته يقول لي: "الخاتم لك" اطمأننت قليلا وهذأ قلبي-. قلت له: صدقني انها المرة الأولى واني لم أسرق قلبها في حياتي قط.
فقال: هذا باد عليك لأن وجهك قد اصفر ويديك ترتعشان وبدنك يرتجف, فأخبرني عن شأنك؟
فقلت له: أنا رجل معيل وقد أضرّ بي الفقر, حتى بلغ بي الحال أن لا أقدر على تأمين قوت أهلي. فقال لي: الخاتم لك خذه ولكن اياك ان تبيعه بثمن بخس فأنا رجل غني وجديد عهد بالزواج وقد اشتريت هذا الخاتم لأقدمه هدية لزوجتي ولكن لا بأس سأشتري لها غيره ولكني أنصحك أول أن لا تفرط به وتعرف قدره لئلا يغشوك. وثانيا اذا أردت بيعه- فحين تذهب الى باتع الذهب ربما ينكر أن يكون هذا الخاتم لك واذا ما حصل هذا ولكي تتخلص من مساءلته قل له: انّ فلانا- وذكر لي اسمه- يعرفني. وكان الأمر كما أخبرني بالفعل, فعندما أعطيته بائع الذهب أخذ ينظر اليه وينظر الي مستغربا ثم قال: من أين اتيت بهذا الخاتم, قلت: هو خاتمي. قال: ليس خاتمك, قلت ان كنت تشتريه فادفع لي ثمنه والا فادفعه لي لكي أنصرف. قال: لا أدفع ثمنه ولا أسلمه لك الا في مركز الشرطة فقلت له: ان فلانا يعرفني ويعرف أن هذا الخاتم لي. ولكنه لم يقتنع وطلب مني أن أحضره لكي يستبين الأمر. وبالفعل حضر الرجل وشهد لي عنده بأنه يعرفني أن الخاتم خاتمي, فأعطاني بائع الذهب حينها ثمنه وكان كثيرا وخلى سبيلي. ولكن هذا الرجل- صاحب الخاتم- لحقني وقال: ماذا ستصنع اذا نفد ثمن الخاتم؟
فلم أحر جوابا. فاقترح علي أن أشتري به بيتا صغيرا في منطقة مناسبة, لكي اسكن في قسم منه وأوجر القسم الآخر لكي يكون لي عائد مستمر ولو قليل من اجارته.
فوافقت, وظل هو يبحث معي حتى وجد لي منزلا بنفسه فاشتريناه وكان كما اقترح. ومرت علي السنوات بعد ذلك وقد خف ثقل الماضي ولم يعد يقلقني ضنك العيش بتلك الصورة فهلاّ يحق لي اذا أن أبكيه من كل قلبي كيف لا وهو الذي ستر علي ولم يحدث أحدا بصنيعه هذا. انظر كيف أن ستر العائبة من قبل هذا الرجل التاجر أخذت بيد انسان كان على شفير السقوط, فربما لو كان هذا الرجل قد صاح به ونهره واذاع به أثناء سرقته الخاتم لسقطة شخصيته وانهارت كرامته ولم يبال بعدها بما سيؤول اليه أمره لسقوطه عن أعين الناس, ولتحول من انسان بسيط الى سارق محترف يضر نفسه والمجتمع.
المصدر: كتاب حلية الصالحين.
تعليق