تويت
وصلى الله على محمد وآله الميامين
إن وظيفة النبي او وصيه هو هداية الناس الى صراط الله تعالى اي الى درب الرشاد او درب الخير وإخراجهم من الظلمات الى النور ، وإنقاذهم من الجهالة وحيرة الضلالة ، من خلال الافعال (السيرة) والأقوال أي من الجانبين النظري والعملي ، وتعليمهم كلام خالقهم ورفدهم بالحكمة والموعظة الحسنة لينالوا مراتب الخير والكمال.
ومن اهم مايجب تعليمه للناس والذي اهتم به الأنبياء وعلى رأسهم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله هو العقيدة ، وكذلك اهتم اوصيائه المعصومون أئمة أهل البيت عليهم السلام بتعليم الأمة العقيدة السليمة النقية وإبطال العقائد المنحرفة.
ولعلّ سائل يتسائل: لماذا كل هذا الإهتمام من قبل النبي واهل بيته عليهم السلام بالعقيدة ؟
والجواب على هذا التسائل يكمن في أن أكثر افعال واقوال الإنسان ترتبط إرتباطا وثيقا بما يعتقد في قلبه ووجدانه ، فيمكننا ان نقول ان الافعال والاقوال خيرا كانت ام شرا فإن اغلبها يعكس مايعتقده هذا الإنسان او ذاك الانسان فيكون انسانا خيرا او شريرا .
ولتوضيح ذلك -عزيزي القارىء- نأخذ مثالا لطيفا على ذلك : إن كل انسان ولو كان لايعتقد بالدين من الأصل يرى بالعقل والفطرة السليمة أن الظلم هو فعل قبيح ماعدا أؤلئك المجانين او الملوثَة فطرتهم ، ومن هنا فتجد ان الكثير ممن لايدين بأي دين لايظلم في كثير من الأحيان بل يكرهالظلم والظالمين بل قد يحاربهمالحقّة تقول ان الظلم من الأفعال القبيحة ، وأما من يرى ان الظلم من الامور غير القبيحة -والعياذ بالله- فإنه سوف يكون في صدارة الظالمين.
وقد يقول قائل : لقدعرفنا اهمية العقيدة ولماذا اهتم الأنبياء والنبي واهل البيت عليهم السلام بتعليم الناس العقيدة الحقة ودحض العقائد الفاسدة ، والآن هل لنا ان نعرف ما هي اهم العقائد ؟
والإجابة هي : إن عقيدة التوحيد تعتبر اهم العقائد لأنها تجعل الإنسان اكثر معرفة بالخالق فيعرفه فيعبده ويسير بطريق الخير والفلاح.
ومن هنا نجد ان الإمام الحسن المجتبى عليه السلام إهتم إهتماما بليغا في تعليم الأمة عقيدة التوحيد الحقّة ليخرجهم من الظلمات الى النور ويبطل كل العقائد الفاسدة والساقطة والمنحرفة التي افتعلها وصنعها وروج لها الظالمين من ذوي النفوذ والسلطة ولاسيما الأمويين .
وهنا-عزيزي القارىء- نختار هذه النماذج اليانعة من جواهر ما روي عن الامام الحسن عليه السلام في بيان عقيدة التوحيد :
أ- أمر الإمام عليّ المرتضى عليه السلام نجله المجتبى عليهالسلام ليخطب الناس في مسجد الكوفة، فصعد المنبر، وقال :
"الحمد لله الواحد بغير تشبيه، والدائم بغير تكوين، القائم بغير كلفة، الخالق بغير منصبة، والموصوف بغير غاية، المعروف بغير محدود، العزيز، لم يزل قديماً في القدم، ردعت القلوب لهيبته، وذهلت العقول لعزّته، وخضعت الرقاب لقدرته، فليس يخطر على قلب بشر مبلغ جبروته، ولا يبلغ الناس كنه جلاله، ولا يفصح الواصفون منهم لكُنه عظمته، ولا تبلغه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكر بتدابير أمورها، أعلم خلقه به الذي بالحدّ لا يصفه، يُدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير "(1) .
ب- وجاء إليه رجل فقال له : يا بن رسول الله! صف لي ربّك كأنّي أُنظر إليه، فأطرق الحسن مليّاً ثم رفع رأسه فأجابه : "الحمد لله الذي لم يكن له أوّل معلوم ولا آخر متناه، ولا قبل مدرك ولا بعد محدود ولا أمد بحتّى، ولا شخص فيتجزّأ، ولا اختلاف صفة فيتناهى، فلا تدرك العقول وأوهامها، ولا الفكر وخطراتها، ولا الألباب وأذهانها، صفته فيقول : متى، ولا بدئ ممّا، ولا ظاهر على ما، ولا باطن فيما، ولا تارك فهلاّ، خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً، ابتدأ ما ابتدع، وابتدع ما ابتدأ، وفعل ما أراد، وأراد ما استزاد،ذلك الله ربّ العالمين"(2) .
ج- إبطال الجبر : رفع أهالي البصرة إليهعليهالسلام رسالةً يطالبون منه رأيه في مسألة الجبر فأجابهم عليه السلام : " من لم يؤمن بالله وقضائه وقدره فقد كفر، ومن حمل ذنبه على ربّه فقد فجر، إنّ الله لا يُطاع استكراهاً ولا يُعصى لغلبة ; لأنّه المليك لما ملّكهم، والقادر على ما أقدرهم، فإن عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما فعلوا، فليس هو الذي أجبرهم على ذلك، فلو أجبر الله الخلق على الطاعة لأسقط عنهم الثواب، ولو أجبرهم على المعاصي لأسقط عنهم العقاب، ولو أهملهم لكان عجزاً في القدرة، ولكن فيهم المشيئة التي غيّبها عنهم، فإن عملوا بالطاعات كانت له المنّة عليهم، وإن عملوا بالمعصية كانت الحجّة عليهم"(3) .
د- تفسير صفاته تعالى : وسأله رجل عن معنى الجواد فقال : "... وإن كنت تسأل عن الخالق فهو الجواد إن أعطى، وهو الجواد إن منع، لأنّه إن أعطى عبداً أعطاه ما ليس له، وإن منع منع ما ليس له"(4) .
فنجد-ايهاالقارىء الكريم-عذوبة هذه العقيدة الحقة التي بينت علمية واحقية الحقائق وأدحضت اباطيل العقائد المنحرفة كقيدتي الجبر والتفويض.
فإذن اهتمام الإمام الحسن عليه السلام بالعقيدة الحقة وبينها للناس ودحض العقيدة المنحرفة الخاوية كان يتصدر الأمور ، لأن دوره كإمام معصوم وهادٍ بأمر الله تعالى يقتضي ان يعلم الناس ذلك كي يتم الحجة عليهم ويخرجهم من الظلمات الى النور.
ولكن للأسف فالكثير من الخطباء والكتاب يتهاون في ذكر جهود الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في جوانب الحياة المختلفة واصناف العلوم المتباينة وهذا أحد مصاديق مظلوميته الواضحة للعيان .
فالسلام على معزّ المؤمنين ومذلّ المنافقين
ولنكتفّ بهذا القدر
والحمد لله أولا وآخرا
*********************
(1) بحار الأنوار : 43 / 351 .
(2) حياة الإمام الحسن : 1 / 335 ـ 340 عن توحيد الصدوق .
(3) سائل جمهرة العرب : 2 / 25 .
(4) مجمع البحرين : «مادة جود» .
تعليق