تويت
وصلى الله على محمد وآله الميامين
إن الناس بطبيعتهم يختلفون في الصفات والأذواق والخصائص ، وكذلك تتباين عندهم الأفكار وطريقة التفكير وكذلك هم يمتازون بالفروق الفردية ، وكذلك الصفات الجسمية كالطول واللون وكذلك في القومية والشعوب والقبائل.
وإن كثير من هذه الإختلافات تعتبر من مصاديق الحكمة وعظمة الخالق عز و جل ، وان الكثير هذه الإختلافات تصب في خدمة المجتمع لأن بعضهم سيحتاج البعض الآخر وبالتالي فإن المجتمع الإنساني سيكمل بعضه بعضا.
لكن الإختلاف الذي يناقض الحكمة ولايرتضيه العقل القويم والفطرة السليمة هو ان يختلف الناس على الحق ، فإنهم ان اختلفوا عنه فمن كان معه كان رابحا ومن كان ضده كان خاسرا.
وعلى هذا -ايها القارىء الكريم- قد جعل الله تعالى المولاة له ولنبيه الأكرم صلى الله عليه وآله والولاية لآله أئمة اهل البيت عليهم السلام هي الحق وهي الفيصل ، وهي التي تحفظ الأمة من التفرق والتشتت والزيغ عن الحق بسبب الإنخداع بالشبهات او اتباع الشهوات .
ولعلّ سائل يسأل : ما هي اهمية ولاية اهل البيت عليهم السلام إجمالا ؟
والجواب على ذلك : إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وكذلك أئمة اهل البيت عليهم السلام وكذلك القرآن الكريم أكدوا على ضرورة التمسك بولاية اهل البيت عليهم السلام لأهميتها التي تكمن في الثبات على الحق والخروج من الظلمات الى النور وأنها تنقذهم من الجهالة وحيرة الضلالة ، وانها تضمن لمن تمسك بها حق التمسك الفوز برضا الله سبحانه .
ولعلّ قائل آخر يقول : عرفنا اهميتها ولماذا أكد النبي واهل بيته عليه وعليهم السلام على ضرورة التمسك بها، ولكني في الحقيقة اجهل مفهومها فماهي الولاية ؟
وان الإجابة على ذلك : ان النصوص المروية عن النبي واله عليه وعليهم السلام بينت ان الولاية تعني الموالاة لأئمة اهل البيت الإثني عشر إبتداءً من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة من كل من عاداهم ، فليس متمسكا بالولاية من قال بموالاتهم واحب من عاداهم بل إنه كاذب او كذوب الولاية ، وإن كان الإعتقاد بالإمامة اصل من اصول الدين والموالاة فرع من فروعه إلا أن المولاة الحقيقية لأهل البيت عليهم السلام تقتضي الإعتقاد بالإمامة وكذلك اتباع الأئمة عليهم السلام .
ومن هنا -عزيزي القارىء- نجد ان النبي صلى الله عليه واله اكد على ذلك مرارا وتكرارا ومنها في يوم الغدير حينما بلّغ الناس أمر ربهم بجعله ابن عمه وصهره عليا عليه السلام وزيرا لنبيه الخاتم وخليفة ووصيا هاديا بقوله ((اللهم والي من ولاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله )) ، وكذلك ما جاء عنه صلى الله عليه واله في حديث الثقلين.
وكذلك أكد اهل البيت عليهم السلام واهتموا بهذه القضية اهتماما بالغا لأهميتها المحورية والأساسية في الإعتقاد والسلوك والمنهج والعاقبة ، فنجد ان الصديقة الزهراء عليها السلام حينما حضرت للمطالبة بحقها في فدك في مجلس ابي بكر حينما اغتصبها منها (( وطاعتنا نظاما للملّة وإمامتنا أمانا من الفُرقة)).
وكذلك إمامنا الحسن المجتبى عليه السلام فإنه قد اهتم اهتماما بليغا بتعليم وتذكير الأمة بولاية اهل البيت عليهم السلام وضرورة التمسك بإمامتهم لأن الله تعالى ورسوله أمرا بذلك ولأن الله تعالى جعلهم ائمة واوصياء وخلفاء الحق لنبيه الخاتم صلى الله عليه وآله ، وجاء ذلك البيان في نصوص متعددة ، وسأختار منها هذه الدرر المضيئة :
أ-قال عليه السلام مبيّناً لحقيقة الثقلين وموقع كلّ منهما من الآخر : "... واعلموا علماً يقيناً أنّكم لن تعرفوا التقى حتى تعرفوا صفة الهدى، ولن تمسكوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتى تعرفوا الذي حرّفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلّف، ورأيتم الفرية على الله، ورأيتم كيف يهوى من يهوى، ولا يجهلنّكم الذين لا يعلمون، والتمسوا ذلك عند أهله فإنّهم خاصة نور يستضاء بهم وأئمة يقتدى بهم، بهم عيش العلم وموت الجهل، وهم الذين أخبركم حلمهم عن علمهم، وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، وقد خلت لهم من الله سابقة، ومضى فيهم من الله حكم (ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)(1).
ب-أيّها الناس، اعقلوا عن ربّكم، إنّ الله عَزَّ وجَلَّ اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرّيةً بعضها من بعض والله سميع عليم، فنحن الذرّيّة من آدم والأسرة من نوح والصفوة من إبراهيم والسلالة من إسماعيل وآل محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، نحن فيكم كالسماء المرفوعة والأرض المدحوّة والشمس الضاحية، وكالشجرة الزيتونة لا شرقية ولا غربية التي بورك زيتها، النبيّ أصلها وعليّ فرعها، ونحن والله ثمر تلك الشجرة، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن تخلّف عنها فإلى النار هوى ...))(2)
ج- خطب قائلاً بعد حمد الله والثناء عليه : "إنّ الله لم يبعث نبيّاً إلاّ اختار له نفساً ورهطاً وبيتاً، فوالذي بعث محمّداً بالحقّ لا ينتقص من حقّنا أهل البيت أحد إلاّ نقصه الله من عمله مثله، ولا يكون علينا دولة إلاّ وتكون لنا العاقبة، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (3) .
هـ- قال عليه السلام : "نحن حزب الله المفلحون، وعترة رسول الله صلىاللهعليه وآله وسلم الأقربون، وأهل بيته الطاهرون الطيّبون، وأحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والثاني كتاب الله فأطيعونا فإطاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله والرسول وأولي الأمر مقرونة ..."(4) .
و- خطب عليه السلام فتحدّث عن فلسفة التشريع وعن ارتباط الأحكام بولاية أهل البيت، ثمّ قال : "ولو لا محمدصلىاللهعليه وآله وسلم وأوصياؤه كنتم حيارى، لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تدخلون داراً إلاّ من بابها" .
وبعد أن استدلّ عليه السلام على كمال الدين وإتمام النعمة وأشار إلى حقوق أولياء الله ودور أداء هذه الحقوق في سلامة الحياة ونمائها وأنّ البخيل هو من يبخل بالمودة بالقربى قال : "سمعت جدّيصلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : خلقتُ أنا من نور الله، وخُلق أهل بيتي من نوري، وخلق محبّوهم من نورهم، وسائر الناس من الناس"(5).
فإذن يتضح من خلال تلك النصوص المروية من كلام الإمام الحسن المجتبى عليه السلام فلسفة ولاية اهل البيت عليهم السلام واهميتها في حياة الفرد والمجتمع ، وان الاختلاف عليها يعني الخاسر من لم يتمسك بولايتهم ومنها إمامتهم في الدارين ، وأن المتمسك بها هو الفائز .
فالسلام على الإمام الحسن كريم أهل البيت عليهم السلام
السلام على معزّ المؤمنين وناصر المستضعفين ومذلّ المنافقين
وأكتفِ بهذا القدر
والحمد لله أولا وآخرا
************((المصادروالهوامش))************
(1) حياة الإمام الحسن : 1 / 360 ، عن تحف العقول .
(2) جلاء العيون : 1 / 328 .
(3) مروج الذهب : 2 / 306 .
(4) حياة الإمام الحسن : 1 / 363 .
تعليق