
لا شك ان مواجهة الحاكم الظالم بعد معركة خاسرة عسكرياً أمرٌ صعب بل مرعب . خصوصاً إذا كانت السبايا من النساء والصبيان والمرضى . إلاّ ان موقف السيدة زينب (عليه السلام) و الإمام زين العابدين (عليه السلام) أمام يزيد الطاغية قد قلبا كل المقاييس .
فقد توقع بنو أمية إذلال السبايا واهانتهم والتشفي منهم ، في وقت غابت عنهم فصاحة أهل البيت (عليه السلام) وحجتهم البالغة القوية . وعلى أية حال ، فقد خابت آمال بنو أمية عندما انطلقت السيدة زينب (عليه السلام) في خطبتها الفصيحة البليغة تعدد مثالبهم وتكشف انحرافهم عن الاسلام وعن تعاليم القرآن المجيد والسنة النبوية الشريفة . بينما أرجع الإمام زين العابدين (عليه السلام) مصيبة كربلاء إلى ظلم بني أمية وإرادتهم ، ذلك الظلم المكتوب في الكتاب قبل ان يبرأ الله عزوجل الخلق .
وبتعبير آخر ، أراد الإمام السجاد (عليه السلام) تذكير الناس بان المصائب ومنها مصيبة كربلاء مكتوبة في اللوح المحفوظ ، ذلك الكتاب الذي فيه ما كان وما يكون وما هو كائن الى يوم القيامة . فالله عزّ وجلّ يعلم ما في اللوح من آجال ، قبل ان يخلق الخلق . وهذا المعنى مستخلص من قوله تعالى في سورة الحديد : ( مَا أَصَابَ مِن مُصِيَبةٍ فِي الْأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلّا فِي كِتَابٍ مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا إِنّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ ) (1) . فواقعة الطف لم تكن مفاجئة لهم (عليه السلام) . بل ان الأحاديث المتواترة تشير إلى انهم كانوا يتنبأون بها قبل وقوعها ، في مناسبات معروفة عديدة .
مع يزيد :
ولما أدخل ثقل (2) الحسين (عليه السلام) ونساؤه برفقة الامام السجاد (عليه السلام) على الطاغية يزيد وقد أوثقوهم بالحبال ، ابتدأ الإمام (عليه السلام) خطابه ليزيد : ( ما ظنك بجدنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) لو يرانا على مثل هذه الحالة ؟ ) .
فأمر يزيد بحلّ الوثاق وقال : قبّح الله ابن مرجانة ( عبيدالله بن زياد ) . لو كان بينكم وبينه قرابة لما فعل بكم هذا .
ثم دعا يزيد بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين (عليه السلام) ، فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي وقال : ( ويحك يا يزيد أتنكت بقضيبك ثغر الحسين ابن فاطمة (عليه السلام) أشهد لقد رأيت النبي (صلى الله عليه و آله) يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن (عليه السلام) ويقول : أنتما سيدا شباب أهل الجنة ، فقتل الله قاتلكما ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيراً ) .
فغضب يزيد وأمر بإخراجه فأخرج سحباً من المجلس ، وجعل يزيد يتمثل بأبيات ابن الزبعرى :
ليت أشياخي ببدر شهدوا ـ جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحاً ـ ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم ـ وعدلناه ببدر فاعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا ـ خبر جاء ولا وحي نزل
لست من خندف إن لم أنتقم ـ من بني أحمد ما كان فعل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
(1) سورة الحديد : الآية 22 .
(2) ثقل الرجل : عياله .
تعليق