بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
كما هو الحال في علي بن ابي حمزة البطائني واحمد بن هلال ومحمد بن ابي زينب ابي الخطاب ويونس بن ظبيان وغيرهم ممن كانت لهم فترة استقامة ثم اعقبتها فترة انحراف وضلال
المعروف عند القدماء البناء على تصحيح روايات هؤلاء والاعتماد عليها في ما روي عنهم في فترة استقامتهم ولكنه لم يعتمد الكثير من الطبقات المتاخرة على رواياتهم استنادا الى ما ورد في حقهم من الذموم واللعن وحيث ان ذلك لا ينهض لطرح جملة رواياتهم بل غايته التفصيل بين روايات فترة الاستقامة وفترة الانحراف والوجه في ذلك اجمالا
ان ديدن الطائفة من رواتهم واعيانهم ووجوه نقلة الاخبار كان على مقاطعة رؤوس اصحاب البدع والفرق المنحرفة فاذا ما تلبس احد بذلك قاطعوه ونبذوا الرواية عنه وعليه فاذا عثر على رواية منهم عنه فيعلم من ذلك ان الرواية وقعت منهم عنه ايام الاستقامة قبل انحرافه وتكون معتبرة وهذا وجه اعتبار الرواية على نحو الاجمال
اما الوجه التفصيلي على ذلك ففي مورد البطائني فقد روى الكشي تحت عنوان الواقفة بسنده عن يونس بن يعقوب قال قلت لابي الحسن الرضا ع اعطي هؤلاء الذين يزعمون ان اباك حي من الزكاة شيئاً ؟ قال لا تعطهم فانهم كفار مشركون زنادقة .
وروى ايضا عن محمد بن عاصم قال سمعت الرضاع يقول :
( يا محمد بن عاصم بلغني انك تجالس الواقفة قلت نعم جعلت فداك اجالسهم وانا مخالف لهم قال لا تجالسهم فان الله عز وجل يقول (وقد نزّل عليكم في الكتاب ان اذا سمعتم ايات الله يكفر بها ويستهزا بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) يعني بالايات , الاوصياء الين كفروا بها الواقفة [1]) .
وروى الكشي ايضا عن يحيى بن مبارك قال كتبت الى الرضا ع بمسائل فاجابني وكنت ذكرت في اخر الكتاب قول الله عز وجل (مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء )فقال نزلت في الواقفة ووجت الجواب كله بخطه ليس هم من المؤمنين ولا من المسلمين هم من كذب بايات الله ونحن اشهر معلومات فلا جدال فينا ولا رفث ولا فسوق فينا انصب لهم من العداوة يايحيى ما استطعت .
وغيرها يجدها المتتبع في كتاب رجال الكشي في ترجمة رؤساء الفرقة الواقفة وما رواه الصدوق في اكمال الدين والشيخ في الغيبة وغيرها من المظان الاخرى الدالة على مقاطعة الشيعة بشدة لرؤساء الوقف حسما لمادة ضلالتهم
وعليه فيظهر من كل ذلك انهم لم يتحملوا الرواية عنهم في فترة انحرافهم وان ما رووه عنهم فقد كان في فترة استقامتهم السابقة حيث كان البطائني من وجوه الرواة واعيان الطائفة وكان قائدا لابي بصير يحيى بن القاسم ومن ثم كان وكيلا للامام موسى بن جعفر ع وقد صنف كتبا عدة منها كتاب الصلاة وكتاب الزكاة وكتاب التفسير اكثره عن ابي بصير وكتاب جامع في ابواب الفقه كما ذكر ذلك النجاشي وقد روى كتبه عنه محمد بن ابي عمير المعروف بتشدده وحيطته في الرواية وصفوان بن يحيى .
ومن ثم يتحصل ان الراوي عنه ان كان اثنى عشريا فيعلم من ذلك ان روايته عنه كانت ايام استقامته وان كان الراوي عنه من الواقفة فلا يحرز ان ذلك عنه في ايام استقامته
هذا مضافا الى ما يظهر من الروايات من عدم امتداد عمره بعد انحرافه ومن ثم اودعت الطائفة رواياته في كتبهم واكثروا منها .
وقد اشار الى ذلك الشيخ الطوسي في العدة في الفصل الخامس من باب الخبر الواحد في معرض كلامه عن الراوي اذا كان من فرق الشيعة مثل الفطحية والناوسية والواقفة قال(وان كان مارووه ليس هنالك ما يخالفه ولم يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب ايضا العمل به اذا كان متحرجا في روايته موثقا في امانته وان كان مخطئا في اصل الاعتقاد ولاجل ما قلناه عملت الطائفة باخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره واخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران وعلي بن حمزة وعثمان بن عيسى ومن بعد هولاء بما رواه بنو فضال وبنو سماعة والطاطرييو وغيرهم في ما لم يكن عندهم فيه خلافه واما ما ترويه الغلاة والمتهمون والمضعفون وغير هولاء فما يخص الغلاة بروايته فان كانوا ممن عرف لهم حال استقامة وحال غلو عمل بما رووه في حال الاستقامة وترك ما رووه في حال خطاءهم (تخليطهم) ولاجل ذلك عملت الطائفة بما رواه ابو الخطاب محمد بن ابي زينب في حال استقامته وتركوا ما رواه في حال تخليطه وكذلك القول في احمد بن هلال العبرتائي وبن ابي عذاقر وغير هولاء فاما ما يرويه في حال تخليطهم فلا يجوز العمل به على كل حال )[2]
واما الكلام في احمد بن هلال العبرتائي , فقد روى الكشي عن علي بن محمد بن قتيبة قال : حدثني ابو حامد المراغي قال ورد على القاسم بن علاء نسخة ما كان خرج من لعن ابن هلال وكان ابتداء ذلك ان كتب عليه السلام الى نوابه (قوّامه بالعراق ) ((احذروا الصوفي المتصنع)) قال :وكان من شأن احمد بن هلال انه كان قد حج اربعا وخمسين حجة عشرون منها على قدميه قال : وقد كان رواة اصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه فأنكروا ما ورد في مذمته فحملوا القاسم بن علاء على ان يراجع في امره فخرج اليه :
((قد كان امرنا نفذ اليه في المتصنع ابن هلال ـ لارحمه الله ـ بما قد عملت ولم يزل لا غفر الله له ذنبه ولا اقال له عثرته يداخل في امرنا بلا اذن منا ولا رضا يستبد برايه فيتحامى من ديوننا
(من ذنوبه) لا يمضي من امرنا اياه بما يهواه ويريده , اراده الله بذلك في نار جهنم فصبرنا عليه حتى وتر الله بدعوتناعمره وكنا قد عرّفنا خبره قوما من موالينا في ايامه ـ لارحمه الله ـ وامرناهم بالقاء ذلك الى الخاص من موالينا ونحن نبرا الى الله من بن هلال لا رحمه الله ولا من لا يبرا منه (واعلم الاسحاقي) سلمه الله واهل بلده والخارجين ومن كان يستحق ان يطلع على ذلك فانه لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك في ما روى عنا ثقاتنا قد عرفوا باننا نفاوضهم بسرنا ونحمله اياه اليهم وعرفنا ما يكون من ذلك ان شاء الله تعالى )) .
قال ابو حامد فثبت قوم على انكار ما خرج فيه فخرج (لا اشكر الله قدره لم يدعو المرء ربه بان لا يزيغ قلبه بعد ان هداه وان يجعل ما من عليه مستقرا ولا يجعله مستودعا وقد علمتم ما كان من امر الدهقان ـ عليه لعنة الله ـ وخدمته وطول صحبته فأبد له الله بالايمان كفرا حين فعل مافعل فعاجله بالنقمة ولم يمهله والحمد لله لا شريك له وصلى الله على محمد واله وسلم)
وقد ذكر الشيخ مقطعا من التوقيع الثاني في الغيبة وذكر ايضا في باب المذمومين الذين ادعوا البابية لعنهم الله قال ( ومنهم احمد بن هلال الكرخي قال ابو علي بن همام : كان احمد بن هلال من اصحاب ابي محمد عليه السلام فاجمعت الشيعة على وكالة محمد بن عثمان رض بنص الحسن ع في حياته ولما مضى الحسن ع قالت الشيعة الجماعة له :الا تقبل امر ابي جعفر محمد بن عثمان وترجع اليه وقد نص عليه الامام المفترض الطاعة ؟فقال لهم : لم اسمه ينص عليه بالوكلة , وليس انكر اباه يعني عثمان بن سعيد فاما ان اقطع ان ابا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا اجسر عليه , فقالوا قد سمعه غيرك فقال انتم وما سمعتم ووقف على ابي جعفر فلعنوه وتبرؤا منه ثم ظهر التوقيع على يد ابي القاسم الحسين بن روح بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن )
وقال النجاشي فيه (صالح الرواية يُعرف منها ويُنكر وقد روي فيه ذموم سيدنا محمد العسكري عليه السلام ) انتهى .
والظاهر وقوع الاشتباه من النجاشي لان ظاهر التوقيعات وكذا عبارة الشيخ في الغيبة السابقة انها صادرة من الناحية المقدسة على يد النواب كما ان الظاهر انه صدر فيه ثلاث تويقيعات اذ القاسم بن علاء كان من الوكلاء الذين تردهم التوقيعات بتوسط العمري والحسين بن روح ولو كان الذم صدر من عهد العسكري ع لما كان هنالك مجالا لبقاء رواة الاصحاب بالعراق على التردد في عهد الحجة عجل الله فرجه مضافا الى ان بدا انحرافه كما يظهر من كلام الشيخ في الغيبة هو سبب توقفه عن محمد بن عثمان العمري وافتراقه عن الشيعة مضافا الى اشارته عجل الله فرجه في التوقيع الثاني الى موته بينما العسكري ع توفى قبل هلاك العبرتائي الذي مات سنة سبعة وستين بعد المائتين .
ثم انه يظهر جليا من التوقيعات عند قوله ع في التوقيع (( انه لم يدعو الله ان يجعل ايمانه مستقرا وان لا يزيغ قلبه )) ومن كلمات الاصحاب في حقه انه كان له فترة استقامة ثم فترة انحراف وانه بعد انحرافه قاطعوه وقد روى الصدوق في اكمال الدين عن شيخه ابن الوليد عن سعد بن عبد الله قوله (( ماراينا ولا سمعنا بمتشيع رجع عن تشيعه الى النصب الااحمد بن هلال )).
هذا مضافا الى ما سبق من عبارة الشيخ في العدة وما يظهر من النجاشي والغضائري والصدوق من التفصيل في العمل بروايته كما انه يظهر مما سبق ان الطائفة قد قاطعته بعد انحرافه وان ترددوا في بادئ الامر الاانهم في مآل الامر استثبتوا من انحرافه ومن ثم فان ما رووه عنه واعتمدوا عليه منه لا بد ان يكون بلحاظ ايام استقامته .
وبذلك يظهر وجه التفصيل في روايات محمد بن ابي زينب الخطاب ويونس بن ظبيان وما شاكلهم من رؤساء الجماعات الضالة المنحرفة ويتضح ذلك جليا بملاحظة تراجمهم في الاصول الرجالية وان الطائفة قد قاطعتهم ونبذت الرواية عنهم بعد انحرافهم فيتجه التفصيل في رواياتهم بالحالتين ويستعمل ذلك من كون الراوي عنه اماميا او غيره .
ويحسن ها هنا نقل ما قاله الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : ((المستفاد من تصفح كتب علمائنا المؤلفة في السير والجرح والتعديل ان اصحابنا الامامية كان اجتنابهم لمن كان من الشيعة على حق اولا ثم انكر امامة بعض الائمة ع في اقصى المراتب بل كانوا يحترزون عن مجالستهم فضلا عن اخذ الحديث عنهم , بل كانت تظاهرهم بالعداوة لهم اشد من تظاهرهم بها للعامة فانهم كانوا يتاقون العامة ويجالسوهم وينقلون عنهم ويظهرون لهم انهم منهم خوفا من شكوتهم لان الحكام منهم واما هؤلاء المخذولون فلم يكن لاصحابنا الامامية ضرورة داعية الى ان يسلكوا معهم على ذلك المنوال وخصوصا الواقفية فان الامامية كانوا في غاية الاجتناب لهم والتباعد عنهم حتى انهم كانوا يسمّونهم الممطرة اي الكلاب التي اصابها المطر ...
والحمد لله رب العالمين
[1]الكشي
[2]العدة 1/150 الطبعة الحديثة
تعليق